رأي

واشنطن بوست: هناك خلل وظيفي في الدولة العراقية.. والصدر يحاول عبر الغضب استغلاله لصالحه

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” تحليلا لإيشان ثارور أشار فيه إلى أن العنف الأخير في العراق هو تعبير عن خلل دائم في بنية الدولة العراقية. وقال “في البداية، كان هناك غضب، ثم احتجاجات ونوبة من العنف التي خلفت عشرات القتلى والجرحى، والآن هدوء هش”.

وعانت بغداد في معظم العقدين الماضيين من النزاع المستمر، عدم الاستقرار والمأساة على قدم المساواة، إلا أن الفوضى التي غمرت العاصمة العراقية ليلة الإثنين وصباح الثلاثاء تعتبر العنف الدموي الأكبر الذي شهدته منذ سنين”. وتحدث الكاتب عن المواجهات بين أنصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر مع قوات الأمن والميليشيات التي تدعمها إيران بالمنطقة الخضراء المحصنة واقتحامهم القصر الجمهوري. واخترق صوت الرصاص المنطلق من الرشاشات وجلجلة المقذوفات الصاروخية قلب المدينة. وانتشر العنف في أنحاء البلد، حيث داهم أنصار الصدر مكاتب الميليشيات المؤيدة لإيران في عدة مدن.

وكانت حصيلة القتل أكثر من 30 شخصا، وربما كان العدد أكبر. وبحلول ليل الثلاثاء، دعا الصدر أنصاره للانسحاب وتحسر على الخسائر في الأرواح. وحظي على الثناء من الرئيس العراقي برهم صالح، لدعوته لضبط النفس، إلى جانب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي يقود حكومة تصريف أعمال في وقت فشل فيه الساسة بالتوافق على تشكيل حكومة جديدة.

وما سيحدث في المرحلة المقبلة هو مجرد حدس، فالصدر الذي قاد في العقد الماضي ثورات ضد الأمريكيين وأصبح جزءا مهما من السياسة العراقية، يموضع نفسه كشعبوي وطني ولديه قاعدة كبيرة من الأنصار، لكن ليس كل الشيعة في العراق. وتظل مقامرته جزءا من التنافس الشيعي- الشيعي يهدد بزعزعة استقرار البلد الهش وتعقيد المعادلة للنظام الإيراني الديني والذي يمارس من وقت طويل التأثير على بغداد.

وفي تقرير للصحيفة عن الأحداث جاء أن الخلل الوظيفي في السياسة العراقية “كان ملمحا في الحياة المدنية منذ الغزو الأمريكي قبل عقدين ومكن الطائفية ونظام جماعات المصالح”. وبدأت المواجهة السياسية عندما فازت كتلة الصدر في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر البرلمانية، لكنها لم تكن قادرة على تشكيل حكومة تستبعد المنافسين لها. وبعد أشهر من الشلل السياسي، قرر الصدر سحب نوابه من البرلمان وأرسل أنصاره لاحتلاله.

ويواجه الصدر مجموعة من الأحزاب الشيعية التي تدور حول رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وهو رمز له سمعة سيئة في واشنطن، نظرا لفساده وحكمه المشكوك فيه والذي ساعد على صعود تنظيم الدولة عام 2014. وأدى التنافس بين المعسكرين إلى صيف صعب وقاد إلى اندلاع العنف هذا الأسبوع. وقال رناد منصور، الباحث في تشاتام هاوس إن إثارة “العنف، الاحتجاجات، زعزعة الاستقرار هي قواعد اللعبة” في السياسة العراقية الآن، حيث يحاول الصدر تعزيز قدرة أتباعه على العنف كـ “وسيلة للتفاوض” والحصول على تنازلات من خصومه المفترضين. ونقلت وكالة أنباء “رويترز” عن حمدي مالك، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن الصدر “طالما وضع نفسه وأنصاره في وضع بدا فيه العنف وسفك الدم محتوما، ثم يتخلى عن العنف ويرفضه”.

ولا توجد هناك أدلة عن قدرة الصدر أو المالكي علاوة على المجموعات الأخرى التي تتدافع على السلطة لتسوية خلافاتها قريبا. وأعلن الصدر يوم الإثنين عن اعتزاله السياسة وهو ما أدى إلى هياج أنصاره، وفي أعقاب ما حدث لم يختف الصدر من المشهد بعد. ولاحظ موقع “ميدل إيست آي”: “سواء كان الحوار ممكنا في العراق أم لا فهو أمر لا أحد يعرفه، لكن تعليق رئيس الوزراء على وقف انتشار عنف مسؤول عنه هو إشارة للسلطة التي يتمتع بها. ودعا الصدر وأنصاره إلى حل البرلمان وانتخابات جديدة. ونقل ما قاله حسام الحسن، 21 عاما من أنصار الصدر “شخصيا لا أريد الانسحاب” و”فقدنا شهداء لكننا نطيع دائما الصدر”.

ولكن منظور عنف جديد يلوح في الأفق، ويرى سجاد جياد، من معهد القرن الأمريكي الجديد “الخاسر الأكبر هي الدولة، التي وقفت متفرجة أمام صراع جماعتين مسلحتين للسيطرة”. و”حتى يتم التوصل إلى حل مناسب، فالاحتجاجات والعنف أمور ممكنة”. وخلف التوترات الحالية، قلق أعمق. ففي السنوات الماضية، ظهرت حركة احتجاج تغذت من إحباط الجيل الشاب وحاولت تغيير الوضع القائم الذي يرتبط به الصدر، لكنه يعارضه بطريقة انتهازية.

ولا يوجد هناك منظور لحدوث إصلاح يستجيب لمطالب الشباب ويحول ثروات البلاد النفطية لمعالجة احتياجات الناس.

ويرى منصور قائلا: “أصبح النظام فاسدا من الناحية الاقتصادية والأيديولوجية وعليه أصبح أكثر قهرا”، مشيرا لحملات القمع التي قامت بها قوات الأمن في السابق وقتلت المئات من الناشطين والصحافيين والمعارضين. والنظام في بغداد، هو بالطبع إرث الغزو الأمريكي والاحتلال والتأثير الإيراني الذي وجد طريقه في أروقة السلطة بعد الإطاحة بصدام حسين. والقوة الشيعية في الشرق الأوسط لها خط مباشر إلى العراق، بما في ذلك الحشد الشعبي الذي قاتلت فصائله تنظيم الدولة لكن الكثير من العراقيين ينظرون إليها نظرة سخط بسبب تنمرها وتدخلها في النظام. واختلف الصدر في الأشهر الأخيرة مع الإيرانيين ولهذا زاد من خطابه المعادي لهم. وتقول رندا سليم، من معهد الشرق الأوسط “تضررت الماركة الإيرانية بشكل كبير، بين الشباب العرب وتحديدا الشباب الشيعة”.

وبات ينظر للماركة الإيرانية على أنها “الحكم الفاشل، الحروب الأهلية والارتباط بالجماعات التي قتلت اللاعبين في المجتمع المدني”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى