واشنطن بوست: الكلام لم يعد يجدي مع سعيد وعلى أمريكا تبني الخيار الأقصى
ناقش كل من شادي حميد، الزميل البارز بمركز الشرق الأوسط في معهد بروكينغز، وشاران غاروال، الأستاذ المشارك في علوم الحكومة بكلية ويليام أند ماري، والزميل غير المقيم في معهد بروكينغز، ناقشا الحال في تونس، وحذّرا قائلين إن تونس تنزلق نحو الديكتاتورية وحان الوقت لكي تقوم الولايات المتحدة بالتحرك.
وجاء في مقالهما بصحيفة “واشنطن بوست” أن تسعة أشهر مضت على بداية الانقلاب البطيء في تونس، البلد الذي منح حتى وقت قريب المثال الأفضل عن عمليات التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط. وبعد إغلاقه البرلمان في تموز/ يوليو، علّق الرئيس قيس سعيد الدستور، وحلّ المجلس الأعلى للقضاء. وفي تحرك مثير للقلق، سيطر سعيد على هيئة الانتخابات المستقلة، بشكل يسمح له بترسيخ دعائم حكمه. وتساءل الباحثان عن الوقت الذي سيمضي على عملية الاستحواذ على السلطة حتى لا يكون هناك أي مجال للتراجع.
اكتشفت إدارة بايدن وإن متأخرة، أن ممارسة الضغط على سعيد عبر الكلام بدون أن يكون مرفقا بتهديدات لم يحقق نتائج
وقال الكاتبان إن العالم يراقب التطورات في أوكرانيا برعب، وهو ما يجب عمله. ووصف الرئيس جو بايدن المعركة في أوكرانيا بأنها حرب بين “الديمقراطية والديكتاتورية”، لكن الشرق الأوسط وفي الفترة الماضية كان ساحة مهملة في هذه المعركة. إلا أن الأزمة الحالية في تونس تعطي فرصة لإرسال إشارة قوية جدا للدفاع عن القيم الديمقراطية. وحتى هذا الوقت، تردد المسؤولون الأمريكيون في وضع ضغوط شديدة على سعيد، وتعاملوا مع تحركه في تموز/ يوليو، بأنه تحرك حظي بشعبية. ذلك أن الكثير من التونسيين سئموا من الاقتتال بين الأحزاب السياسية التي لم تكن قادرة على عمل أي شيء، ووقف الاقتصاد المتهالك. ثم جاء سعيد الذي وعد المواطنين بأنه سيتجاوز النخبة ويقدم نتائج إلى الشعب مباشرة، وأنه الوحيد القادر على حل المشاكل. إلا أنه لم يفعل. وإذا كان هناك وقت متاح لإعادة التفكير وتقييم الوضع في تونس، فهذا قبل أن ينجح سعيد في توطيد سلطته ويقضي على الديمقراطية بشكل كامل. وكما شاهدنا في معظم الشرق الأوسط، وبشكل تراجيدي في مصر عام 2013، فعندما يرسّخ النظام نفسه في السلطة، تقل خيارات المجتمع الدولي وتتراجع فرصه للمناورة.
ويعلق الكاتبان أن الولايات المتحدة قضت وقتا كبيرا وهي تأمل أن تؤدي المناشدات الخاصة لسعيد إلى عمل الشيء الصحيح، إلا أن حث المستبدين على عمل ما يصب في مصلحة بلدانهم أو الديمقراطية حظه من الفشل مضمون. ومثل بقية المستبدين، لا يؤمن سعيد بالديمقراطية التمثيلية، وزعم في عام 2019 أنها “أصبحت فاسدة وانتهى عصرها”، ومن الواضح أن الحوار ومحاولة الإقناع لن يكونا كافيين لكي يغير رأيه.
واكتشفت إدارة بايدن وإن متأخرة أن ممارسة الضغط عبر الكلام بدون أن يكون مرفقا بتهديدات لم يحقق نتائج. واقترحت وزارة الخارجية في آذار/ مارس تخفيض الدعم الاقتصادي والعسكري لتونس إلى النصف. وأوضح أنطوني بلينكن أن الدعم لن يستأنف إلا في حالة تبني سعيد “عملية إصلاح شاملة للأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدني”.
وهذه بداية جيدة لكنها محدودة، كما يقول الكاتبان. فتعليق جزئي للمساعدات سيخفف من النفوذ الامريكي ويقسمه للنصف- أي تنفير سعيد بدون تغيير حساباته. وبدلا من ذلك، على الولايات المتحدة التأكيد لسعيد أنه في حالة رفضه تصحيح المسار، فإن تعليقا كاملا للدفع سيتبع هذا. ويعتقد الكاتبان أن محاولة استخدام ورقة الدعم الأمريكي لن تكون كافية، وعلى الولايات المتحدة بالتعاون مع شركائها في أوروبا، التفكير بأمر لم تفعله من قبل، وهو ما يمكن تسميته الخيار “الأقصى”.
على الولايات المتحدة بالتعاون مع شركائها في أوروبا، التفكير بأمر لم تفعله من قبل، وهو ما يمكن تسميته الخيار “الأقصى” للضغط على سعيد
فعلى مدى العام الماضي، كان سعيد يتفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على حزمة إنقاذ بمليارات الدولارات يمكن أن تجنب تونس أزمة التخلف عن سداد الديون التي تلوح بالأفق. وللحصول على القرض، يجب أن تقدم تونس برنامج إصلاحات ومعالجة الدعم ورواتب القطاع العام المرتفعة والشركات الخاسرة المملوكة من الحكومة، وحان الوقت لدعم هذه المطالب التي نشرتها وكالة أنباء رويترز بشروط سياسية واضحة، وهي إعلان سعيد عن مبادرة حوار وطني مع الأحزاب السياسية والتوصل لخريطة طريقة من أجل العودة للديمقراطية وتطبيقها.
وحتى نؤكد هنا، فهذه ليست الطريقة التي يعمل بها صندوق النقد الدولي، فبنود الاتفاقيات التي يعقدها مع الدول لا تشمل شروطا سياسية، فالديمقراطيون والمستبدون على حد سواء يستحقون الدعم. ولأن الولايات المتحدة والدول الأوروبية هي أكبر مساهم في صندوق النقد الدولي، فيمكنها الضغط على مؤسسة التمويل وتعليق المفاوضات. وربما كانت هذه آخر وأحسن فرصة للضغط على سعيد كي يغير مساره. فتونس التي ينهار اقتصادها بشكل سريع، تحتاج لدعم الشركاء الغربيين. وكما أخبر مسؤول تونسي الكاتبين: “لا يستطيع سعيد العيش بدون صندوق النقد الدولي”، فقرض الصندوق مهم لتونس ليس لأنه يمثل حلا مؤقتا لتمويل ميزانية الدولة، ولكن كإشارة ضمان للحصول على قروض أخرى. وفي الفترة الأخيرة تم تخفيض تونس إلى مرتبة “سي سي سي” في التصنيف الائتماني، وهي أدنى درجة على الإطلاق.
وبالطبع فاستخدام ورقة النفوذ الأمريكية بهذه الطريقة فيها مخاطر، ولكننا شاهدنا في السنوات الماضية أن عدم استخدامها فيه مخاطر أيضا. وفي الحقيقة، فهذا يعني الحكم على التونسيين بالعودة إلى النظام الديكتاتوري القديم. ولو اعتقد الأمريكيون أن الديمقراطية جيدة، فعليهم الإيمان أنها جيدة للتونسيين أيضا، وإلا فسيظل خطاب بايدن الجدير بالثناء مجرد كلام، ومثالا نتحدث عنه ولكننا نتجاهله حتى في معظم الحالات المهمة.