هيبة الدولة… الأساس

كتب عبدالرحمن الجيران في صحيفة الراي.
لا يغيب عن البال أنه لا يكفي ان تُتلى على الناس قصص مؤثرة جذابة من صفحات العهد الماضي الزاهر، لسبب بسيط وهو أن السياسيين استخدموا الكلمات وحدها للإصلاح ونشر الوعي السياسي والثقافي ولم يحاولوا أن يتمثلوا الحياة النيابية كما قصدها الدستور بخصائصها وقيمها الراسخة، بما فيها حفظ هيبة الإمارة.
ذلك لأن محاسن المبادئ المجردة لا تستطيع وحدها أن تدير عجلة الإصلاح في إدارة الدولة، ولأن الكثرة الكاثرة من المجتمع الإنساني لا تؤمن بصحة وصدق هذه المبادئ إلا إذا رأوها تتبلور في القدوات أصحاب الوظائف الإشرافية وتؤتي ثمارها وتتمثل في الواقع العملي…
لكن الملاحظ أن المجهودات التي بُذلت عندنا منذ ما يزيد على ستة عقود في سبيل نشر وممارسة العمل البرلماني والوعي… لا تتجاوز بعض النواب أولي الطاقة اللسانية والبيان الساحر… والدعاة أصحاب الحماس الفارغ! والنخب الأكاديمية من الكتّاب من ذوي القلم الرشيق السيّال الذين بلغت مُؤلفاتهم الآفاق في تصوير الحراك السياسي في بدايات القرن 18 المُشَاهَد ورسم واقع ذلك الزمان حيث تجولوا بالناس في (فردوس فارغ من الحياة السياسية) في الزمن الجميل – بزعمهم – لكنها لا تلامس واقعنا المعاصر وبينما كان هؤلاء كلهم وأعني (الخطباء والدعاة والكتّاب والسياسيين) أتوا بالعجب العجاب في التصوير والبيان بذكر محاسن الحياة الديمقراطية… في مقابل واقع الرويبضة والمزورين وبارونات الفساد المشحون بجميع المفاسد الجاهلية التي تكذب دعاواهم الفارغة عملياً وبما أن المثل يقول (ليس العيان كالخبر) فنقول واقع المسلمين العملي الشائع في تخلفهم وثقافتهم وتحايلهم وتعديهم على شرع الله وتخطيهم حدوده بشكل عام أشدّ وأغنى تأثيراً من فهلوة السياسي ولسان الكاتب وقلمه وخطب خطيب الجمعة الناطق الصارخ! حيث ذهبت هذه المواعظ كلها ادراج الرياح ولم تأتِ بتحول يُذكر في الحياة اليومية الرتيبة للمجتمع حتى ضاعت هيبة الدولة وتعدى عليها (شعيط ومعيط).
مؤسف، عندما استخدم بعض أعضاء مجلس الأمة في برامجهم الانتخابية أمثال تلك الطرق السطحية التي بشّر بها (التبشير المسيحي) في القرن السادس عشر، شعوب العالم الثالث، حيث اصطاد بها المسيحيين من الطبقات المنكوبة البائسة في العالم… كما حاول السياسيون عندنا أن يجربوها فينا بهذه الفضائيات والتجاذبات في المناقشات والشقلبات السياسية والثرثرة الزائدة حول (حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص) من أجل توسيع رقعة نفوذها وكثرة اتباعها… حتى أدرك الجميع أن (الديمقراطية) ليست إلا (مطيّة) يستغلها الناس لاستدرار الرزق وجلب المزيد من المناقصات والمنافع، ولهذا السبب فقط مضى علينا في الكويت ستون عاماً ولم نحقق شيئاً مما خططنا له؟ بقدر ما أضعفنا هيبة الدولة!
وعليه فَقَدَ الناسُ ثقتهم بالحكومة ومجلس الأمة، وأكد ذلك مراراً النطق السامي لأنهم خبروا البعض فوجدوهم يُسخّرون الدستور للهدف نفسه الذي كان المبشرون يستغلون أديانهم له وبالطريقة نفسها ليأكلوا أموال الناس بالباطل… ولم يكن ليعظم في أعينهم في هذا الوضع الشائن المزري الذي بلغ به أبناؤه؟ في مجلس الأمة فهذا (سيفوه وهذي خلاجينه) لا راح ولا قعد؟ ولكن تبقى هيبة الدولة بعون الله وحده هي الوتد الراسخ أمام عاتي الأعاصير.
ولا يمكن زحزحة الكويت عن هذا القرار المكين.