هوية الأردن السياسية عِمادها دعم القضية الفلسطينية
كتب د. عباس المحارمة في صحيفة الدستور.
الهوية الوطنية الأردنية، بمكوناتها الجغرافية والسياسية، وبمفهومها الاجتماعي والديموغرافي، هي الداعم الأول لقضية فلسطين وهوية فلسطين، بل قد نستطيع القول إن حماية الهوية الأردنية، والسعي لتماسك جبهته الداخلية اجتماعياً وسياسياً وأمنيًا يشكل جزءاً من نسيج حفظ ودعم القضية الفلسطينية.
فالأردن الذي لم يكن يوماً بمعزل عن معاناة أي بلد عربي، هو الأول في كل شيء عندما يصبح الحديث عن فلسطين وقضيتها، فهو أكثر من قدم شهداء على ثراها وأول من يهب لنجدتها كلما ألم بها خطب ويده أسرع يد يد تمتد لنجدة أهلها، والأردن كان ولا يزال ركناً رئيسياً في دعم حقوق الشعب الفلسطيني والدفاع عن قضاياه على الساحة الإقليمية والدولية.
هذه الروابط العميقة بين الشعبين لم تتشكل من فراغ، بل بُنيت على وحدة الدم والمصير منذ بدايات النكبة، وتجذرت في مواقف قيادية وثابتة من قبل القيادة الأردنية وعلى رأسها جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي ومنذ توليه العرش، حرص على أن يكون صوت القضية الفلسطينية حاضرًا في جميع المحافل الدولية، وأكد مرارًا وتكرارًا أن فلسطين ليست مجرد قضية سياسية، بل هي قضية شرف وهوية للعالمين العربي والإسلامي.
ولعل من أبرز المواقف التي تؤكد ذلك خطاباته المتكررة في الأمم المتحدة، حيث شدد جلالته على ضرورة إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وضمان إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، عاصمتها القدس الشرقية.
وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد الأردن دوماً رفضه القاطع لفكرة «الوطن البديل». فالأردنيون قيادة وشعباً يؤمنون أن فلسطين لأهلها، وأن حق العودة هو حق تاريخي لا يمكن التنازل عنه أو التفريط فيه. هذا الموقف الأردني الراسخ يعكس تمسك الأردنيين بهويتهم الوطنية من جهة، ووقوفهم الدائم إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله من جهة أخرى. فالأردن، الذي فتح أبوابه للاجئين منذ النكبة، يرى أن الحل الوحيد والعادل هو عودة الفلسطينيين إلى ديارهم، وليس توطينهم في أي مكان آخر.
لم يكن هذا الموقف السياسي فقط، بل كان ميدانيًا أيضًا، كما يظهر في المواقف الأردنية خلال الحرب الغاشمة على غزة. فقد وقف الأردن بحزم أمام الجرائم الوحشية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، وأعلن رفضه القاطع لاستهداف المدنيين الأبرياء وتدمير البنية التحتية. كان لجلالة الملك عبدالله الثاني دور رئيس في فضح هذه الجرائم على المستوى الدولي، حيث طالب المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم لوقف العدوان ومحاسبة الاحتلال على انتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.
ولم تقتصر جهود الأردن على البيانات والشجب، بل قام بتقديم المساعدات الإغاثية والطبية للأشقاء في غزة من خلال الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية والمستشفيات الميدانية الأردنية في القطاع. هذه المواقف ليست غريبة على الأردن، فهو منذ عقود يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في كل محنة، ويؤمن بأن قوة الأردن هي جزء من قوة وصمود فلسطين.
اليوم، ونحن نعيش في مرحلة مليئة بالتحديات، تبقى فلسطين في وجدان كل أردني. إن قوة الأردن ومتانة نسيجه الوطني مرتبط بشكل وثيق بقوة فلسطين وصمود شعبها، فاستقرار الأردن هو جزء من استقرار المنطقة ككل، ومهما تزايدت التحديات السياسية والاقتصادية، يبقى دعم القضية الفلسطينية جزءاً أصيلاً من الهوية الوطنية الأردنية.
في الختام، لا يمكن لأحد أن ينكر أن الأردن، بقيادته الحكيمة وشعبه الأبي، قد أصبح منارة للدفاع عن الحقوق الفلسطينية. فقد أثبت الأردنيون، قيادة وشعباً، أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية سياسية أو إنسانية، بل هي جزء من هويتهم الوطنية التي ستبقى خالدة في قلوبهم جيلاً بعد جيل وسيبقى الأردن أردناً وفلسطين هي فلسطين شاء من شاء وأبى من أبى.