رأي

هوكشتاين في بيروت: “قانا” لكم و “كاريش” لهم

كتب ميشال ناصر في صحيفة “الديار”:

فجأةً، وفي عزّ معمعة التعقيدات المتوالدة يوميا، ظهر إلى الواجهة ملف ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل” من جديد، بعد اخذ ورد ولغط، كاد ان يحمل “كورونا بنسختها الاوميكرونية” مسؤولية تطيير فرصة تاريخية لاسترداد البحر، هذه المرة، حيث باتت السيادة معلقة على لعبة “إجا ما إجا”.

فكما الاختلاف حول الطرف المسؤول عن تعطيل عمل الحكومة، كذلك الأمر بالنسبة لملف الترسيم، رغم أن موقف بعبدا يبقى أقرب إلى عين التينة، خلافاً للعادة، منه إلى الضاحية، التي لعبتها “صولد” مع قيادة الجيش، ما أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب هذا الموقف، وطرح في الوقت نفسه، علامات استفهام عند فريق بارز في الإدارة الأميركية السابقة، كما الحالية، حيث يرى مسؤول رفيع في استخباراتها، في التعارض بين بعبدا واليرزة حول “الخط 29” نقطة ضعف في الموقف اللبناني الرسمي، والذي لو أمكن توحيده، لكان التوصّل إلى حلول عملية متاحاً “بسرعة قياسية” برا وبحرا، وكذلك، لقطع الطريق على محاولات ربط الملف بسلة التسويات النهائية، الامر الذي لا يصب في مصلحة لبنان، في ظل حسم “مسالة الـ 29″، قانونياً ودستورياً لصالح “جنرال بعبدا”، فيما بقيت عالقة سياسيا لصالح “جنرال اليرزة”.

في المبدأ لم يكن موعد عودة “هوكشتاين” هو العائق الوحيد لتجميد مسار مفاوضات ترسيم الحدود البحرية. فالوعد الذي أعطاه رئيس الجمهورية إلى الوكيل السابق لوزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل حين زاره في إحدى المرات، من أنه سيجمّد التوقيع على التعديلات على المرسوم 6433 التي تنقل حدود لبنان من الخط 23 إلى 29 لا يزال ساري المفعول من جهة، وكذلك عدم وضع رئيس الحكومة امر الترسيم على جدول اعمال الحكومة، وقد يكون الثنائي وقع في “فخ اعماله” في هذه النقطة، حيث ان العدو الإسرائيلي يستفيد من مرحلة المماطلة “وسيستمر بها لأنه حاصل على كل شيء”، وهو يدرك أن “استئناف المفاوضات سيضعه في موقع الخاسر”،بحسب مصادر مواكبة.

ولكن ما الذي سيحمله معه هوكشتاين وما الذي استجد “ليشد همّته فجاة”، ويقرر زيارة لبنان بعدما “تغنّج” في السابق متذرعا متراجعا في كل مرة؟

بتاريخ 23 كانون الأول 2021 أرسل رئيس بعثة “إسرائيل” في الأمم المتحدة جلعاد أردان رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يبدي فيها اعتراض “إسرائيل” على فتح لبنان دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه البحرية التي كان أعلن عنها وزير الطاقة وليد فياض بتاريخ 26 تشرين الثاني الماضي، وهي تمتد إلى المياه في فلسطين المحتلة، أي إلى مساحة 860 كلم مربع المتنازع عليها بين الجانبين. وبحسب الرسالة جددت “إسرائيل” تمسكها بمساحة الـ 860 كلم مربعا ما بين الخط 1 و 23، وحذرت الشركات من القيام “بأي أعمال استكشاف أو تنقيب لصالح لبنان في هذه المنطقة”. خطوة فتحت ثغرة في جدار الازمة من وجهة النظر الاميركية، بعدما نجحت واشنطن في وقت سابق بتأمين ربط للنزاع مع “تنييم الـ 6433”.

اشارة رأت فيها المصادر المواكبة، استدراج جديد للعروض، رغم انه في الشكل عودة للمفاوضات الى نقطة البداية، و”باس” من “تل ابيب” لواشنطن لتمريره الى بيروت. فالجولة الجديدة التي سيطلقها هوكشتاين، بناء لطلب “اسرائيل”، ستحمل معها مقترحا جديدا هذه المرة يختلف في الشكل، الا انه بالتأكيد لا يغيّر في مضمون ما سبقه. فبالنسبة للجانب الاميركي، وفي ظل الانقسام اللبناني حول نقطة الترسيم التي يجب اعتمادها، تسقط عمليا فكرة رسم خط الحدود، وبالتالي بات واجبا الانتقال الى الخطة “ب” التي تقضي بتقسيم الآبار، موضع النزاع بين الجانبين، خصوصا ان فكرة انشاء صندوق مشترك لايداع اموال الحقول المتنازع عليها والمشتركة لم يمر سابقا.

فوفقا للتصوّر الجديد سيحمل هوكشتاين معه الى لبنان عرضا مغريا، يتناسب مع طرح سبق لرئيس التيار الوطني الحر ان عرضه، ويدعم نظرية المنادين باعتماد الخط 29 كأساس للتفاوض لا الترسيم، اذ تشير اوساط مطلعة ان الموفد الاميركي سيعرض على من سيلتقيهم خريطة واضحة تضع “حقل قانا ” كاملا من حصة لبنان، في مقابل “حقل كاريش” كاملا “لاسرائيل”. ما يعني في حال اردنا ترسيم الخط البحري سيكون “النقطة 23 +”، وبالتالي تسقط نظرية الحقول المشتركة. فهل سيقبل لبنان؟

على قاعدة المثل اللبناني، الذي لا يُمكن إلّا أن يصحّ، تقود بعبدا بالنيابة عن الجمهورية اللبنانية معركة ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل”. فـ “عصفور بالإيد ولا عشرة على الشجرة”… حيث الوقت يلعب لغير مصلحة لبنان ووضعه الإقتصادي، فما لن تقدمه بيروت في أي تسوية “من شغلها”، سيذهب حتماً لصالح قوى إقليمية أخرى في التسوية الأكبر… بعدما أيقن الجميع أن استراتيجيات التفاوض المعتمدة في تاريخ الأمتين العربية والإسلامية، لم تقد إلاّ إلى الهزائم والنكسات، بما فيها تلك التي سُجّلت في خانة الإنتصارات… “عقلك براسك بتعرف خلاصك”… قالها ميشال عون: “الأمر لي ونقطة عالسطر”… لمصلحة الإستفادة مما تبقّى وإلاّ… 

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى