هل يوقف ترقّب لبنان لاحتمال الحرب تصوير المسلسلات؟
السؤال مطروح عن مصير المسلسلات المصوَّرة في لبنان القَلِق من احتمال الحرب. ترفض شركتا الإنتاج «الصبّاح أخوان» و«إيغل فيلمز» ربط القدر بما قد لا يحدث. النار الكبرى تلتهم ما تطاله ألسنتها، لكنهما مستعدّان. يُخبر صادق الصبّاح وجمال سنان «الشرق الأوسط» أنّ الحذر واجب والغد ليس في اليد. ذلك لا يعني إطفاء الكاميرا والإذعان للأسوأ.
يعلم الصبّاح أنّ الترقّب يستلزم من الجميع وضع الخطة باء، لا في قطاع الإنتاج وحده. في لبنان، يتربّص دائماً إحساس بالمجهول. يُلقّن الإصرار على التجاوز ضرورة الاستمرار تحت أي ظرف: «لن يتوقّف التصوير. هذا جزء من إرادة معاندة اليأس».
لا يخفي سنان جوّ الحَذَر: «نحن أيضاً نترقّب. نعمل يوماً بيوم ونتابع التطوّرات». تصوّر شركته 5 أعمال للموسم الرمضاني، والأمور تسير وفق المتوقَّع. حتى الآن.
لا يملك التنبؤ بالآتي: «الغد ليس في اليد». الخطط أحياناً لا تنفع، فقد يحدث ما يغيّر المسار. الصبّاح وسنان يستمران وفق مبدأ «لا تؤجّل عمل اليوم إلى الغد». فاليوم في المتناول، أما المقبل فلا نحوزه، ولا شأن لذلك باضطراب الحرب. في السلم أيضاً، تكمن جميع الاحتمالات، واللبنانيون يشهدون.
يذكر الصبّاح أياماً صعُبت، ومع ذلك دارت الكاميرا وقدّمت جميل الأعمال. يقول: «هناك دائماً ما يخيف ويطرح استفهاماً حيال المستقبل. إن حدث طارئ، فلن يشمل لبنان فقط. باعتقادي، الشرارة قد تمتدّ. لنقم بما علينا وننتظر».
يأمل سنان أن يحلّ السلام ويهدأ بال العرب. كاميرا «إيغل فيلمز» تواصل التصوير بين لبنان والخارج، بإصرار على الوقوف في وجه العاصفة. قصي خولي بطل الشركة للموسم المقبل، ومع ماغي بو غصن ودانييلا رحمة يبلغ التشويق درجة الانتظار.
يلتزم الصبّاح بعقود، ودوران الكاميرا يؤمّن عيش عشرات العائلات. العاملون في الفن يعانون ورطة إعلان الحياة: «إننا مرغمون على إكمال الطريق»، يشير المنتج اللبناني إلى جدوى الأمل. برأيه، «لا مفرّ من المواصلة. أعمالنا الدرامية تتّبع المسار المُحدَّد ومستعدّون لما قد يحصل. حتى الآن، الأمور تحت السيطرة. التفاؤل يجعلنا أقوى».
تطلّ رزان جمال في عمل مع «الصبّاح أخوان» ينطلق تصويره هذا الأسبوع، والجميع ينتظر ما سيحمل مسلسل «2024» من بطولة نادين نجيم وأحمد الأحمد، مع كارمن لبّس بشخصية «رسمية» أمام كاميرا فيليب أسمر. من أعمال الشركة لرمضان، مسلسل يجمع عابد فهد مع عادل كرم وندى أبو فرحات وأنس طيارة عنوانه «نقطة انتهى»، من كتابة فادي حسين وإخراج محمد عبد العزيز، مثير الجدل بعد «النار بالنار». القطار على السكة، وآمال بألا يحدث ما يقوّض المسار.
وتصوّر «الصبّاح» أعمالاً مصرية في لبنان، فيحضر أحمد السقا مع طارق لطفي وباسم سمرة بمسلسل عنوانه «العتاولة»، من تأليف هشام هلال وإخراج أحمد خالد موسى. أما إياد نصار، فيتصدّر بطولة مسلسل من 15 حلقة عنوانه «صلة رحم»، من تأليف محمد هشام عبيه وإخراج تامر نادي.
يجتمع كريم فهمي وصبا مبارك في عمل من 15 حلقة بعنوان «220»، من تأليف محمود زهران وإخراج كريم العدل؛ ليستكمل حمادة هلال سلسلة «المداح» بجزء رابع ينضمّ إليه فتحي عبد الوهاب ودياب؛ من تأليف أمين جمال وإخراج أحمد سمير فرج. وعلى الأراضي السورية، وللعام الثاني بعد «الزند»، يصوّر تيم حسن بدءاً من الأسبوع المقبل مسلسل «تاج»، مع بسام كوسا وفايا يونان. الكتابة لعمر أبو سعدة والإخراج لرفيق مشواره في السنوات الأخيرة سامر برقاوي.
يملك الصبّاح خططاً بديلة، ليس لأنه زمن الجبهات، بل لأنّ الشركات الكبرى قلّما تسير وفق خطّة واحدة على الدوام. بالنسبة إليه، «إن تعذّر التصوير في (الداون تاون)، نُشغّل الكاميرا في البترون أو جبيل. على هذا المنوال، ننسج الأيام. كما في لبنان، نعمل في مصر والمغرب ودول أخرى».
يفضّل سنان الاقتضاب من منطلق أنّ الكلام اليوم يفتقر اليقين. هو احتمالات وتوقُّع غير محسوم، تعتريه حيرة بديهية. يكتفي بالقول: «لن نغادر وإن اسودت المعطيات. نريد للكاميرا أن تحاول على طريقتها من أجل البقاء. مررنا بالأسوأ، حين حلَّ الوباء وفرض العزلة؛ وحين كتب الانهيار الاقتصادي أقدار اللبنانيين وفتَّت انفجار بيروت بعضاً من الروح. لا نخفي الحذر، فهو واجب، لكننا لا نستسلم لسردية الخوف».
بصلابة أيضاً، يعلن صادق الصبّاح التمسّك بالأرض. في كل حديث معه، تحضُر إرادة المواجهة، وإن عمَّت القسوة وحلَّ ما يُسرِّب اليأس. تعبق رائحة الحرب، ومع ذلك يصرّ: «مستمرّون». سنان يعلن الاستمرار أيضاً. الرجلان يجعلان قطاع الإنتاج في لبنان مسألة أمل. أشياء تُصاب بالارتماء، وهذه الصناعة تُجمّل الصمود.
الانتظار مُنهك، قد يضاهي ثقله قسوة اللحظة المُرتَقبة. يقول الصبّاح: «لن نمضي الوقت في الترقّب. كونه مفروضاً لا يعني الإذعان له». وجهة نظره يمكن عدَّها درسَ حياة: «على المرء أن يسعى وليس عليه أن يكون موفقاً». سعيه، وجمال سنان، ينقذ لبنان من ظلم سوء السمعة.