هل ينجح ماكرون في محاولته؟
يتأكد، تكراراً، التصاق تحرك سعر الدولار في السوق الموازية، هبوطاً وارتفاعاً، بالعوامل والتطورات السياسية، أكثر من المعطيات الاقتصادية الصرفة. فضلاً عن العامل النفسي الذي بات يحتل موقعاً متقدماً في تحديد سعر صرف الليرة مقابل الدولار. ويبدو أن المتلاعبين الكبار باتوا خبراء في استغلال هذه العوامل لتحقيق الأرباح.
وتلفت مصادر اقتصادية ومالية، في تصريحات إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إلى أن “ما شهدته سوق الصرف في الأيام الماضية، بحيث تراجع سعر الدولار من نحو 25.000 ليرة إلى أقل من 22.000 ل.ل، تزامن مع الحديث عن فتح نافذة أمل لحلِّ الأزمة المستجدة مع السعودية ودول الخليج باستقالة وزير الإعلام جورج قرداحي”، مشيرة إلى أن ذلك “يصبُّ في سياق العوامل السياسية والنفسية المشار إليها”.
لكن المصادر ذاتها، “تحذر من أنه لا يمكن الركون إلى هذه المستجدات لتوقُّع استمرار هبوط الدولار واستقراره في الفترة المقبلة، بدليل عودته إلى الارتفاع لمستوى 23.500 ل.ل مساء أمس الجمعة، بعد إشارات حول عدم توقع أن تُحدث استقالة قرداحي فرقاً مؤثراً”، مذكرة بأن “التذبذب الحاصل في سوق الصرف حالياً على خلفية عوامل سياسية، سبق وشاهدناه مع تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، إذ تراجع من 25.000 ل.ل إلى 13.000 ل.ل خلال أيام، ليعود ويضرب رقماً قياسياً تخطى 25.000 ل.ل مع عودة التأزم وشلّ الحكومة”.
وتؤكد المصادر، أن “لا تفسيرات اقتصادية ومالية لهذه التقلبات الحادة في سوق الصرف، بنحو 10.000 ل.ل هبوطاً وارتفاعاً خلال أسابيع قليلة، سوى العوامل المشار إليها والتي يستغلها المضاربون، السياسيون والماليون، لتحقيق أهدافهم”.
وعلى هذا القياس، وفق المصادر عينها، “يمكن تفسير تراجع الدولار نحو 3.000 ل.ل خلال 24 ساعة تقريباً، قبل أن يعاود الارتفاع. إذ عملياً لم يطرأ أي تحسن على الوضع الاقتصادي. والمؤشرات والتوقعات حول حل الأزمة مع السعودية باستقالة قرداحي، والأمل بعودة الحرارة إلى العلاقات اللبنانية السعودية مرفقةً بالمساعدات، لا تستند إلى معطيات واضحة”.
وتضيف، “السعودية أوضحت وتوضح على لسان أكثر من مسؤول فيها، أن المشكلة مع لبنان أعمق وأبعد من استقالة وزير، وتتصل بهيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية واستهدافه للمملكة وتهديد الأمن القومي السعودي والخليجي. ولا تزال السعودية عند موقفها الثابت، بأن لا فائدة من دعم دولة يسيطر عليها حزب الله. من دون أن ننسى أن الثنائي الشيعي، وتحديداً الحزب، لا يزال يؤكد أن المشكلة الأساسية هي قبع المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق بيطار. بالتالي مسلسل التعطيل مستمر”.
وتستبعد المصادر، “تبدُّل الموقف السعودي والخليجي عموماً وبدء تدفق المساعدات والاستثمارات، تلبية لوساطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الرياض. وكل ما يمكن أن نأمله هو وقف اتخاذ المزيد من الإجراءات تجاه لبنان في هذه المرحلة مؤقتاً. علماً أن ماكرون يحاول منذ أشهر تليين الموقف السعودي تجاه لبنان ويفشل، لأن لا شيء تغيَّر، كما ترى السعودية، على مستوى تحرُّر الدولة في لبنان من هيمنة حزب الله على قرارها، ما قد يدفعها لمراجعة موقفها”.
وفي السياق، تشير المصادر إلى معطى ربما ساهم في تراجع الدولار قليلاً في الأيام الماضية، نتيجة ضخ بعض السيولة على مشارف عيدي الميلاد ورأس السنة. فالناس ربما يقومون بتصريف بعض دولاراتهم بنسبة أعلى خلال هذه الفترة، ليشعروا بأنهم لا يزالون على قيد الحياة والأمل وسط اليأس والإحباط الذي يعيشونه”.
لكن المصادر تشدد، على أن “هذه عوامل آنية ومؤقتة وليست حلاًّ يعوَّل عليه. فالتعطيل والشلل الحكومي والمؤسساتي هو السمة الغالبة في ظل غلبة حزب الله على القرار الوطني وتغطية حلفائه، فإما تنفَّذ رغبات الحزب، ولن يكون آخرها طلباته في قضية المرفأ، وإلا شلّ البلد، كما تشهد التجارب معه خلال السنوات الماضية منذ العام 2005”.
وتعرب المصادر نفسها، عن “أسفها لأن لا بارقة أمل في المدى المنظور، ولا اتفاق يرتجى مع صندوق النقد الدولي على برنامج إنقاذي تمويلي في المدى القريب، ولا تفاؤل بتراجع الدولار، بل على العكس. فالتوقعات في ظل هذه المعطيات تؤكد أن المسار التصاعدي للدولار في السوق السوداء على حاله، إلى حين تغيير الأكثرية الحاكمة الحالية التي لا يمكن أن تُنتج سوى الانهيار كما دلَّت التجربة”.
“وإن كان من أمل”، تضيف المصادر، “فعلى الانتخابات النيابية المقبلة، شرط أن يحسن اللبنانيون الاختيار وإنتاج أكثرية نيابية جديدة، من قوى وازنة وصلبة وقادرة على المواجهة، وأثبتت ذلك بالتجربة، لا مجرد استبدال أسماء بأسماء متفرقة مشرذمة لمجرد رفعها بعض الشعارات. وذلك لنستعيد الأمل بإمكان انتشال البلد واستعادة الدولة وبدء عملية الإنقاذ”.