أبرزرأي

هل يمهد “نجاح” المرحلة الأولى من اتفاق غزة لإنجاز المرحلة الثانية؟

كتب وسام أبو شمالة, في الميادين:

إنهاء الحرب على غزة وعدم منح الولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية الغطاء للعودة إلى استئنافها، نابع في الأساس من قدرة الطرف الفلسطيني على الإيفاء بتعهداته، وعدم الوقوع في فخ الفعل ورد الفعل.

شهدت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة صعوبات وتحديات كبيرة، تخللتها خروقات إسرائيلية مختلفة، بدواعي ومبررات واهية، أبرزها دفاع المقاتلين الفلسطينيين في رفح عن أنفسهم، بعد الهجوم العسكري المتكرر عليهم من قوات “الجيش” الإسرائيلي، ورفض الحكومة الإسرائيلية كل الحلول التي طرحها الوسطاء، الأمر الذي كاد أن يفجر الاتفاق بعد أن استأنفت القوات الإسرائيلية عدوانها على غزة وأوقعت مئات الشهداء والجرحى، إلى جانب تحركات “الجيش” الإسرائيلي على الأرض وسعيه لتجاوز “الخط الأصفر ” والسيطرة على مواقع شرق الخط، كما لم يلتزم الاحتلال الإسرائيلي بفتح معبر رفح ذهاباً وإياباً، ولا بإدخال الكميات المتفق عليها من المساعدات الإنسانية.

في المقابل نجحت المقاومة الفلسطينية في الإيفاء بالتزاماتها، ولا سيما تبادل الأسرى والجثث، ولم يتبقَّ سوى جثة إسرائيلية واحدة، على غير ما قدرته الأوساط الإسرائيلية و الأميركية والوسطاء، بصعوبة استعادة الجثث كافة بسبب الدمار الهائل في غزة، الأمر الذي سحب الذرائع من الطرف الإسرائيلي، ونجحت المقاومة في حشر موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في الاختيار بين موقفين، إما تحدي الموقف الأميركي الذي اعتبر أن المرحلة الأولى أكملت استحقاقاتها، وأن الطرف الفلسطيني التزم إلى حد كبير تعهداته، وأن الطريق أصبح ممهداً لبدء المرحلة الثانية من الاتفاق، أو تبنّي الخيار الثاني بالاستجابة للرغبة الأميركية والدخول في المرحلة الثانية، الأمر الذي سيعرّضه لانتقادات داخل حكومته الفاشية، بسبب استحقاقات الاتفاق في المرحلة الثانية التي تنص على انسحاب إسرائيلي لخط جديد بالقرب من السياج العسكري العازل مع غزة، ودخول قوات دولية، قد يكون من بينها دول ترفضها “إسرائيل ” كتركيا وقطر، وتوسيع الإغاثة وبدء الاعمار وتولي حكومة تكنوقراط فلسطينية إدارة غزة تحت إشراف “مجلس السلام”.

ترغب الولايات المتحدة قبل زيارة بنيامين نتنياهو لها، المقررة نهاية الشهر الجاري، في بدء المرحلة الثانية من الاتفاق، ومنع نتنياهو وحكومته من عرقلته، وتريد طمأنة الطرف الإسرائيلي إلى قدرة الإدارة الأميركية على التعاون مع الشركاء الإقليميين الضامنين للاتفاق ولا سيما تركيا ومصر وقطر على إزالة المخاوف والهواجس الإسرائيلية تجاه عدم قدرة الأطراف الدولية وشركاء الولايات المتحدة على تحييد ما تسميه “إسرائيل ” التهديد العسكري لها من غزة، بيد أن “إسرائيل” ترى ضرورة نزع سلاح المقاومة والقضاء على ما تبقى من قدراتها العسكرية، بينما يرى الوسطاء الضامنون للاتفاق، بأن مطلب “وضع السلاح” أكثر واقعية من “نزع السلاح “، وتعتقد الإدارة الأميركية أن دولاً كتركيا وقطر يمكنها الوصول إلى تفاهم مع الطرف الفلسطيني حول مفهوم ” وضع” السلاح أو تحييده في إطار آليات تؤدي في المحصلة إلى تثبيت وقف إطلاق النار.

تسعى الإدارة الأميركية لإقناع “إسرائيل” بأنه لا يمكنها تحقيق كل أهدافها بالأدوات العسكرية فقط، وأن الحرب استنفدت غاياتها، والمطلوب الآن هو الدبلوماسية، والعمل على ترميم صورتها في المنطقة والعالم، وحصد مكتسبات سياسية تحت الرعاية والمظلة الأميركية، والتفاهم مع شركائها في المنطقة والعالم، كما ترى الإدارة الأميركية أن الاستماع للشركاء في المنطقة مفيد بل وضروري للمضي قدماً في مسار الدبلوماسية، ما دفعها إلى الاستجابة لرغبة دول عربية وإسلامية مدفوعة بالموقف الفلسطيني، باستبعاد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق من تولّي مهام إدارية في غزة، بسبب تماهيه الخالص مع الموقف الإسرائيلي، واستبداله بشخصيات متفق عليها ومقبولة لمختلف الأطراف.

أسهم نجاح الطرف الفلسطيني- بخلاف التقدير الإسرائيلي – بالوفاء بالتزاماته بحسب بنود الاتفاق في المرحلة الأولى، في إجبار الطرف الأميركي على ممارسة دور ضاغط على الحكومة الإسرائيلية، بعدم تفجير الاتفاق وفتح آفاق حقيقية لمسار دبلوماسي، الأمر الذي اعتبر إسرائيلياً أن أجهزة الأمن الإسرائيلية ما زالت غير قادرة على سبر أغوار المقاومة الفلسطينية، ولم تقدر مجدداً على الإجابة عن أسئلة ممتدة من مرحلة ما قبل الحرب وحتى تاريخه، وربما في المستقبل، على شاكلة، كيف تفكر وبماذا تفكر وماذا ستقرر المقاومة الفلسطينية؟! وربما هذا ما تخشاه “إسرائيل” ولا يجعلها تشعر بالاطمئنان والاستقرار، حتى ولو كانت الجهة المُطمئنة لها أعظم قوى الأرض وحليفها الاستراتيجي والفريد من نوعه، أميركا .

إن إنهاء الحرب على غزة وعدم منح الولايات المتحدة الحكومة الإسرائيلية الغطاء للعودة إلى استئنافها، نابع في الأساس من قدرة الطرف الفلسطيني على الإيفاء بتعهداته، وعدم الوقوع في فخ الفعل ورد الفعل الذي سعى له نتنياهو كي يعود إلى الحرب، بيد أن عدم التزام الحكومة الإسرائيلية ببنود الاتفاق، هدفه من جهة، محاولة فتح نافذة للعودة إلى الحرب أو على الأقل منح “الجيش” الإسرائيلي هامشاً واسعاً للعدوان على غزة دونما رادع، ومن جهة أخرى، عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية والتهرب من استحقاقاتها، وفرض الوقائع على الأرض وتحويل المؤقت إلى دائم، بيد أن الرغبة الأميركية والشخصية لترامب، في استكمال مراحل الاتفاق، وتحقيق أهم إنجاز له على صعيد السياسة الخارجية، والبناء عليه في توسيع مسار التطبيع وتسوية مختلف الملفات في المنطقة (لبنان، سوريا، إيران واليمن) وحتى البناء عليه في دفع إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، ومن ثم جني المكتسبات الاقتصادية وقطع الطريق أمام الصين ونفوذها الاقتصادي في المنطقة والعالم، المنافس بقوة للاقتصاد الأميركي، الأمر الذي سيصعّب مرامي نتنياهو وحكومته في أن تتحول المرحلة الأولى من اتفاق غزة إلى المرحلة النهائية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى