هل يمكن استخدام الأدوية منتهية الصلاحية؟
قبل الإجابة عن السؤال المطروح في العنوان، لا بد من أن نعرف أن كل دول العالم تفرض على شركات الأدوية وضع تواريخ انتهاء صلاحية العقاقير والمكملات الغذائية والمكملات العشبية على منتجاتها قبل التسويق. وغالباً ما تقوم الشركات بمنح منتجاتها صلاحية ما بين سنة وخمس سنوات لكي تحفظ الدورة السوقية للدواء في حال تم تطويره وإنزال غيره إلى الأسواق أو في حال لقي نجاحاً كبيراً في السوق، فيدفع انتهاء الصلاحية إلى إعادة شراء الدواء، وهذه وسيلة لتحقيق الأرباح من قبل “كارتلات الأدوية” حول العالم، وهناك شركات كثيرة تبرر تاريخ الصلاحية المبكر بأنه لا يمكن ضمان استقرار الدواء بمجرد فتحه، فقد تؤثر فيه الحرارة والرطوبة والضوء وعوامل التخزين الأخرى، ولهذا السبب تقوم الصيدليات سواء في مجال البيع بالتجزئة، أو في المستشفيات ودور رعاية المسنين، والمستهلكين في المنازل، برمي مليارات الدولارات من الأدوية كل عام بناءً على تواريخ انتهاء الصلاحية المختومة على علب الأدوية، وفق ما جاء في تقرير الدكتورة آندرسن.
وتشير هذه النتائج إلى أن عديداً من الأدوية قد تكون لها فترة صلاحية أطول من المحددة عليها، ولكن يصعب على أي مستهلك ومريض أن يعرف ما هو الدواء الذي يمكنه تمديد استعماله بنفسه. وتوصي إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) بعدم تناول الأدوية بعد تاريخ انتهاء صلاحيتها استبعاداً لأي خطر محتمل على المستهلك. ولكن بات أكثر مستهلكي الأدوية يعرفون أن الأنسولين عرضة للضرر بعد تاريخ انتهاء صلاحيته. وقد يفقد النتروغليسرين، وهو دواء يستخدم للذبحة الصدرية فعاليته بسرعة بمجرد فتح زجاجة الدواء، والأمر ينطبق على اللقاحات والمستحضرات البيولوجية ومنتجات الدم للتحليل، وقد يساعد التخزين السليم للأدوية على إطالة مدة فعاليتها وصلاحيتها، لذا فإن خزانة الأدوية ليست أماكن مثالية لتخزين الأدوية بسبب الحرارة والرطوبة، ولا ينبغي ترك الأدوية في سيارة ساخنة أو في الطقس المتجمد.
تعليمات لا تطبق في العالم الثالث
هذه التعليمات تصح في حال وجود أدوية لدى المستهلك أو لدى شركات الأدوية منتهية لصلاحية، ولكنها لا تنطبق في حال انتشار توزيع أدوية منتهية الصلاحية على أنها ما زالت صالحة للاستعمال في دول العالم الثالث الفقير، وتباع بأسعار الأدوية الصالحة من دون أن يكون هناك رقابة عليها في حكومات هذه الدول، إن لم يكن يتم الأمر بالتواطؤ بين بعض الإدارات الفاسدة والشركات التي تريد التخلص من مخزوناتها من الأدوية المنتهية الصلاحية، أو الأدوية التي تمنحها المؤسسات العسكرية الكبرى إلى الدول في أوقات الجوائح كي لا تبقيها في مستودعاتها.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن استهلاك المضادات الحيوية منخفضة الجودة، بما في ذلك المضادات الحيوية منتهية الصلاحية والمزيفة هو إحدى المشكلات الرئيسة التي تعترض تطوير مقاومة مضادات الميكروبات في البلدان منخفضة الدخل والبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
وأشارت المنظمة في تقرير لها إلى أنه أعيد في مرات عدة تدوير الأدوية المتبقية الموصوفة للمرضى الأميركيين المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية لاستخدامها في الخارج، وجاء في التقرير أن الأدوية المضادة للملاريا المحتوية على الكينولين، تناولها في عام 2015 حوالى 122 ألف طفل دون سن الخامسة وأدت إلى وفاتهم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفي عام 2017 صرحت وزارة الصحة الأوغندية أن الأدوية منتهية الصلاحية تشكل مصدر قلق متزايد في البلاد مع مخاوف من أنها يمكن أن تؤدي إلى خطر على الأمن القومي. وتعرف منظمة الصحة العالمية (WHO) النفايات الصيدلانية أو الدوائية بأنها “المنتجات الصيدلانية والأدوية واللقاحات والأمصال منتهية الصلاحية وغير المستخدمة والمسكوبة والملوثة”.
في المشرق العربي وخلال الحروب الأخيرة في سوريا والعراق، المترافقة مع الأزمات الاقتصادية الكبيرة خلال السنوات الماضية انتشر بيع الأدوية منتهية الصلاحية بسبب ارتفاع أسعار الأدوية أو بسبب الاحتكار الذي طال هذا القطاع، ونشرت مئات التقارير حول هذا الموضوع، ولكن لم تنته هذه المشكلات إلى حلول حقيقية إما بسبب تداخل الإدارات الحكومية ومافيا الدواء، وإما بسبب الفساد وسوء الإدارة، على رغم تدخل منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات والمؤسسات الإغاثية العاملة في المنطقة لتدارك الوضع.
العالم العربي ليس استثناء
في دراسة بعنوان “الاستخدام غير الرشيد للطب في البلدان العربية: نتائج مراجعة منهجية لسنوات 2000-2019” أجراها كل من المتخصصين أشرف عبد الرحيم مهدي، وسيو تشين أونغ، ويحيى عابد، وخالد علي أبو علي، نشرت في بداية عام 2023 في المجلة الدولية لممارسة الصيدلة، وهدفت إلى تحليل أنماط الاستخدام غير الرشيد للأدوية في 16 دولة عربية وتحديد العوامل المسهمة في هذه الأنماط، تبين أن عدد الأدوية المستخدمة بشكل غير صحيح لكل مريض وصل إلى ثلاثة أدوية في المتوسط، ووجدت الدراسة أن ربع الأدوية المستهلكة في تلك البلدان وصفت من دون داع. وكان الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية هو النمط الأكثر شيوعاً، على رغم اكتشاف أن جزءاً كبيراً من هذه المضادات إما أنها مصنعة تصنيعاً غير مراقب أو أنها غير صالحة للاستعمال.
وفي الدراسة ذاتها تبين أنه في إثيوبيا ومصر وتنزانيا كانت الأدوية المضادة للعدوى هي الفئة العلاجية الأكثر شيوعاً من نفايات الأدوية، وتم الإبلاغ عن أدوية الجهاز العصبي المركزي في إثيوبيا وأدوية “سي في أس” (CVS) في مصر وتنزانيا باعتبارها ثاني أكثر الفئات العلاجية شيوعاً من نفايات الأدوية التي يعاد تدوير استخدامها، وأُبلغ عن فئات علاجية أخرى من نفايات الأدوية مثل أدوية الجهاز العضلي الهيكلي والجهاز الهضمي في إثيوبيا ومصر وتنزانيا. أما في ماليزيا فكانت الفيتامينات والمعادن هي الفئة العلاجية الأكثر شيوعاً لنفايات الأدوية.