رأي

هل يكون مآل الديمقراطية الأميركية الفشل؟

كتب جيفري كمب في صحيفة “الاتحاد”: “ساهم الهجومُ على مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير 2021، وما تلاه من تداعيات على الحياة السياسية، في تنامي أدبيات حول مصير الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين. فهل يمكن أن تخسر الولايات المتحدة حرياتها الأساسية في المستقبل القريب؟ وكيف يمكن أن يحدث ذلك؟ وما هي الدروس والعبر التي يمكن أن نستخلصها من التاريخ؟
التشبيه التاريخي الأكثر إخافةً، والذي يشار إليه في كثير من الأحيان، هو سقوط جمهورية فايمار في ألمانيا وصعود أدولف هيتلر إلى السلطة بالطرق القانونية في عام 1933. فوفق «سيناريو هيتلر» هذا، فإن الفوضى السياسية في الولايات المتحدة، مقرونة بجائحة لا نهاية لها وتعصبٍ حزبي شديد في الكونجرس وحالة عدم يقين بشأن الاقتصاد والأمن الوظيفي.. قد تؤدي إلى انتخابات رئاسية متنازع عليها في عام 2024، يدّعي فيها كل من «الديمقراطيين» و«الجمهوريين» النصرَ ويتهمون بعضَهم البعضَ بالغش والتزوير. ويمكن أن تعقب ذلك بسهولة أعمال عنف، وأن تتم إعادة انتخاب دونالد ترامب. وتحت هذه الظروف، يعتقد الكثيرون أن إدارةً يقودها ترامب ستسعى جاهدةً لتأمين كل السيطرة الضرورية لمنع معارضة جدية وحقيقية وأنها ستمضي في الحكم كديكتاتورية سلطوية. ويجب لفت الانتباه هنا إلى أن مؤرخين ومحللين سياسيين وازنين ومرموقين باتوا يستخدمون على نحو متزايد هذا التشبيه، ولهذا وجب أخذه على محمل الجد.
أُسست جمهورية فايمر في ألمانيا عام 1918، أي في نهاية الحرب العالمية الأولى، وتميزت سنواتها الأولى بأزمات اقتصادية بسبب التعويضات المالية التي فرضها الحلفاء المنتصرون على ألمانيا بموجب معاهدة فيرساي للسلام عام 1919. لكن من 1924 إلى 1929، بدأت الجمهورية تنمو وتزدهر، وأصبحت ديمقراطيةً ليبراليةً منفتحةً على نحو لافت وزعيمةً عالميةً في الفنون الحديثة مثل السينما والمسرح والرسم والنحت، وتمتعت النساء فيها بالتحرر والانعتاق، وقُبلت أنماط حياة بديلة.
غير أن انهيار بورصة «وول ستريت» في سبتمبر 1929 أدى إلى ركود عالمي، فتراجعت التجارة العالمية وارتفعت البطالة ارتفاعاً صاروخياً في كل مكان. وفي ألمانيا، قوّت هذه الظروف كلاً من الأحزاب اليمينية واليسارية المتطرفة التي انخرطت على نحو متزايد في معارك الشوارع لتحقيق أهدافها. وكانت تلك هي الظروف التي عرضت فيها النخبةُ السياسية القديمة للطبقة المحافظة الألمانية على أدولف هتلر مستشاريةَ «الرايخ» على أمل أن يوقف الأحزابَ الشيوعية اليسارية. وكانوا يظنون أن هتلر لن يصمد طويلاً، وأنه سيُستبدل بشخص آخر بسرعة.
منتقدو الحزب الجمهوري الأميركي يقولون إن قيادة مؤسسة الحزب قبلت في عام 2016 دونالد ترامب زعيماً للحزب، ولم تكن تعتقد أبداً أنه سيكون قادراً على الفوز في الانتخابات ويصبح رئيساً للبلاد. لكن الفرق الكبير بين الولايات المتحدة اليوم وألمانيا في عام 1933 هو أن الاقتصاد الأميركي يشهد طفرةً حالياً، حيث باتت البطالة في أدنى مستوى لها منذ عقود. غير أنه في حال تغيّرت هذه الظروف وأثّر ركودٌ عالمي على كل الاقتصادات الكبيرة من جديد، فإن الظروف السياسية لعودة ترامب ستكون متوافرةً أكثر.
ولعل العنصر الأكثر إثارة للقلق في النظام السياسي الأميركي الحالي هو الدعاية الشائعة والفعّالة لأنصار ترامب الذين يحاججون بأن الأخير فاز في انتخابات 2020، وبالتالي فإن جو بايدن ليس رئيساً شرعياً للبلاد. وعلى الرغم من مئات الطعون القضائية التي تقدّم بها الجمهوريون بخصوص الانتخابات ورُفضت في المحاكم، فإن «الكذبة الكبيرة» التي تفيد بأن الانتخابات سُرقت باتت اليوم مقبولة من قبل أغلبية الـ70 مليون أميركي الذين صوّتوا لترامب. وعلى هذه الخلفية، عمدت كل الولايات التي لديها هيئات تشريعية يسيطر عليها الجمهوريون إلى تمرير آلاف القوانين الجديدة لضمان أن أي انتخابات أخرى ذات نتائج متقاربة سيُشرف عليها مسؤولون حزبيون يتمتعون بالسلطة لإبطال التصويت الشعبي، في حالات الضرورة.
ونظراً لأن الانتخابات في الولايات المتحدة تجرى بشفافية كبيرة، فمما لا شك فيه أن أي محاولات من قبل الجمهوريين لمضايقة الأصوات الشرعية أو الطعن فيها أو حتى رفضها ستفضي إلى أزمة دستورية، وربما إلى تداعيات عنيفة.. ذلك أنه حينما يتم التخلي عن حكم القانون من قبل أحد الطرفين، يصبح الطريق إلى السلطوية سالكاً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى