رأي

هل يكفي واشنطن التحكم بالبعثة الأممية للسيطرة على الملف الليبي

كتب الحبيب الأسود في صحيفة العرب.

الولايات المتحدة لم تثبت نجاعة رؤيتها لا في أفغانستان ولا في العراق وتلقت ضربات موجعة في لبنان واليمن والصومال وخياراتها في أوكرانيا تواجه هزيمة نكراء والأمر لا يختف كثيرا في ليبيا.

أعلن قبل أيام عن تعيين الدبلوماسية الأميركية ستيفاني خوري نائبة لرئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبدالله باتيلي مكلفة بالملف السياسي، وهو ما يؤكد رغبة الولايات المتحدة في استعادة وضع اليد على الملف الليبي من خلال ذلك المنصب الذي كانت وراء استحداثه بموجب قرار مجلس الأمن الرقم 2542 لسنة 2020، وتعاملت معه كموقع إستراتيجي بالنسبة إليها بهدف مراقبة حيثيات الملف وتفاصيل التحركات المحيطة به.

تعرف واشنطن أن وجود شخصية أميركية في وظيفة نائب أهم بكثير وأبلغ تأثيرا من وجود شخصية من بلد آخر، خاصة إذا كانت من دول العالم الثالث في منصب رئيس البعثة. تبين ذلك بالخصوص عندما استقال غسان سلامة من ذلك المنصب في فبراير 2020 لأسباب وصفها بالصحية، وحلت مكانه نائبته الأميركية المخضرمة ستيفاني ويليامز التي اعتمدت سياسة المسدس على الطاولة، وسعت بدعم من سفير بلادها ريتشارد نورلاند إلى استعمال كل ما لدى بلادها من آليات ضغط لجمع الليبيين على طاولة الحوار، فنجحت في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعد اجتماعات ماراثونية للجنة العسكرية المشتركة 5+5، ونظمت جلسات الحوار السياسي بدءا من تونس في نوفمبر من ذلك العام، حيث تم إقرار 24 ديسمبر 2021 كموعد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، لكن لا شيء من ذلك حصل.

لقد وجدت ويليامز نفسها ضحية تناقضات الخيارات والمواقف بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة، وأدركت أن ما تريده بلادها ليس بالضرورة ما سيحل القضية ويضع حدا لمعاناة الليبيين. لم يكن خافيا مثلا أن واشنطن ولندن كانتا وراء كل العراقيل التي أدّت إلى تأجيل الانتخابات إلى أجل غير مسمّى بسبب رفضهما لأيّ احتمال يمكن أن يعيد أنصار النظام السابق إلى صدارة المشهد عن طريق سيف الإسلام القذافي الذي أكدت استطلاعات الرأي أنه يحظى بنسبة عالية من نوايا التصويت. كذلك لا مجال لإمكانية وصول الجنرال خليفة حفتر إلى كرسي الرئاسة رغم أنه يمتلك جنسية أميركية، والسبب أنه متحالف مع الروس وزار موسكو في مناسبات عدة، ويحمل أفكارا لا تتجاوب مع طبيعة المصالح الأميركية.

جاء تعيين خوري في مرحلة مفصلية بعد أن عجز المبعوث الأممي عبدالله باتيلي عن إقناع الفرقاء الليبيين بقبول مبادرته التي أطلقها في نوفمبر الماضي بخصوص الطاولة الخماسية التي أراد لها أن تجمع بين رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة ورئيس مجلس الدولة الاستشاري محمد تكالة والقائد العام للجيش الوطني الجنرال خليفة حفتر، حيث حاول كل طرف أن يبحث عن مبرّر لموقفه بهدف الوصول في الأخير إلى إطاحة بمشروع آخر للحل بعد مشاريع عدة منذ العام 2016 كان جميعها ينتهي إلى الفشل الذريع.

جاء تعيين خوري كذلك، في ظل احتدام الصراع بين رئيس محافـظ مصرف ليبيا المركزي ورئيس حكومة الوحدة الوطنية بعد تفاقم الأزمة المالية، وخاصة في علاقة بانهيار الدينار أمام العملات الأجنبية في السوق الموازية، وفي الكشف عن ملفات التبذير وهدر المال العام وما يدور في قلب الفساد ومن حوله من داخل منظومة الحكم في العاصمة والشبكات المستفيدة منها والمتحالفة معها، وهو ما جعل الصديق الكبير لا يشعر فقط بالخطر من إمكانية تعرضه للملاحقة القضائية، وإنما كذلك من فقدان ثقة الأطراف الراعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي ما انفكت تبدي اهتماما واضحا بالمصرف المركزي وبمؤسسة النفط أكثر من الشعب الليبي نفسه.

كما جاء تعيين خوري في الوقت الذي دخلت فيه المواجهة مرحلة كسر العظم بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الذي يصر على تشكيل حكومة جديدة واحدة تشرف على تنظيم الانتخابات، وبين الدبيبة المتمسك بمقاليد السلطة والذي يعتقد أنه بإمكانه الضحك على الجميع والبقاء في سدة الحكم سنوات عدة أخرى، وهو الذي جاء إلى منصبه ليستمر فيه ثمانية أشهر تنتهي بتنظيم انتخابات 24 ديسمبر 2021 وفي أقصى الحالات 18 شهرا، لكنه اليوم يغلق العام الثالث ويستعد لتدشين الرابع، وقد سبقه إلى ذلك فائز السراج الذي جاء من رحم اتفاق الصخيرات في 15 ديسمبر 2015 على أن يتزعم المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لمدة لا تتجاوز في أقصى الحالات عامين، لكنه استمر لمدة خمس سنوات أنهاها بحرب أهلية دموية بسبب تراجعه عن اتفاقه مع حفتر خلال اجتماع أبوظبي في فبراير 2019.

قبل أيام، أكد المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند، خلال اجتماعه مع الدبيبة على أهمية تشكيل حكومة مؤقتة بمشاركة جميع الأطراف الليبية المعنية في عملية سياسية تنظمها بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في ليبيا لإزالة العقبات المتبقية أمام إجراء الانتخابات، كما أكد أن بلاده تدعم أيضا الجهود الليبية الرامية إلى توحيد المؤسسات الأمنية والحفاظ على سيادة ليبيا والتوصل إلى توافق وطني حول سياسات اقتصادية وسياسات ميزانية شفافة ومستدامة.

من جانبه، دعا محافظ المصرف المركزي الصديق الكبير في رسالة إلى مجلس النواب إلى تشكيل حكومة جديدة موحدة لترشيد الإنفاق العام، وذلك لتحقيق الاستقرار المالي للدولة الليبية، وهو ما اعتبره مراقبون ضمن الضغوط الأميركية لإجبار الدبيبة عن التنحي، كما طالب أعضاء المجلس الأعلى للدولة والبرلمان في اجتماع عقد في تونس قبل أسبوع، إلى تشكيل حكومة وطنية جديدة تفي باستحقاقاتها الانتخابية وانتخاب رئيس الحكومة الجديدة عبر آلية شفافة ونزيهة برعاية البعثة الأممية، وفق خارطة طريق تم اعتمادها بالاتفاق بين المجلسين.

ليس هذا فقط، فمجلس الأمن الدولي لوّح بفرض عقوبات على الأفراد أو الكيانات الذين يهدّدون السلام أو الاستقرار أو الأمن في ليبيا، أو يعيقون أو يقوّضون استكمال عملية الانتقال السياسي بنجاح، بما في ذلك عن طريق عرقلة الانتخابات، وحثّ مجلس الأمن الدولي القادة الليبيين على ضرورة الانخراط في عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة، تؤدي إلى إجراء انتخابات عامة في البلاد في أقرب وقت ممكن، ودعا الليبيين إلى ضرورة البناء على الاتفاق السياسي الليبي وخارطة الطريق لملتقى الحوار السياسي الليبي، فضلا عن القوانين الانتخابية المحدثة التي اتفقت عليها لجنة 6+6، مشدّدا على أهمية إحراز تقدم ملموس على المسارات الأمنية والاقتصادية والسياسية.

كل تلك الخطوات، توجد بها مؤشرات الدور الأميركي، لكن النتيجة على الأرض لم تتحقق بعد، فالولايات المتحدة لم تثبت نجاعة رؤيتها ومواقفها لا في أفغانستان ولا في العراق، ولم تفلح في حل القضايا الفلسطينية، وسبق لها أن تلقت ضربات موجعة في لبنان واليمن والصومال، ولا تزال خياراتها في أوكرانيا تواجه هزيمة نكراء أمام براثن الدب الروسي، والأمر لا يختلف كثيرا في ليبيا. في العام 2011 سارعت واشنطن للتدخل في ليبيا للإطاحة بالنظام وهي تنظر إلى المجتمع من سطحه الخارجي، وتعتقد أنها قادرة على تشكيل دولة جديدة وفق عقيدتها السياسية والدبلوماسية. بمرور الوقت تبين أن القوة العسكرية يمكن أن تنتج الفوضى ولكنها لا تضمن بناء أسس الدولة الديمقراطية العادلة والمنفتحة على العالم والعصر، كما تأكد أن الرّوس كانوا أذكى في تعاطيهم مع الملف الليبي عندما راهنوا على مكافحة الإرهاب عندما كانت واشنطن لا تزال تبحث له عن تعريف، وتعتمد على جزء منه في خدمة أجنداتها. كذلك الأمر بالنسبة إلى الأتراك الذين يديرون مصالحهم على الأرض ويتحكمون في السوق الليبية بكل قوة. ويتفق الروس والأتراك على إدارة مصالحهم في ليبيا ومحيطها الأفريقي، وتراهن واشنطن على العودة بقوة إلى الملف الليبي عساها تستعيد سطوتها في تحديد الأولويات.

مع وصول ستيفاني خوري إلى طرابلس، سيكون بإمكانها التحكم في البعثة الأممية كما فعلت ستيفاني ويليامز، ولكن ذلك غير كاف، من جديد ستضطرب مواقف الأميركان بسبب جهلهم أصول التعامل مع المجتمع الليبي كما فشلوا في التعامل مع العراقيين والأفغان وغيرهم. وستمضي كل تحركات نورلاند إلى الفراغ رغم أنه عين سفيرا في ليبيا منذ 2019 وحمل صفة المبعوث الخاص منذ 2021.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى