هل يستطيع العراق إقناع شعبه باستخدام بطاقات الدفع الإلكتروني؟
بدت ملامح التفاؤل لدى المواطن عصام باسم الجبوري من العاصمة العراقية بغداد واضحة بعد أن قام بالتسجيل للحصول على بطاقة الدفع الإلكتروني الجديدة عبر أحد فروع مصرف الرافدين (حكومي) بأجور مالية بلغت 10 آلاف دينار (7.5 دولارات) ومدة استلام خلال 15 دقيقة.
ويقول الجبوري -للجزيرة نت- إن هذه الخطوة مهمة جدا، خصوصا للتسوق المنزلي والإلكتروني والترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضا السداد عند تعبئة سيارته الشخصية بالوقود من المحطات الحكومية والأهلية. مؤكدا أهمية هذه الخطوة لتقليل الكاش النقدي في السوق.
وفي يونيو/حزيران 2023 أعلن البنك المركزي العراقي، دخول قرار مجلس الوزراء العراقي المرقم (23044) للعام 2023 حيز التنفيذ، والمتمثل بزيادة عدد أجهزة الدفع الإلكتروني في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص لتعزيز ثقافة الدفع والتحصيل الإلكتروني، والتقليل من استخدام النقود الورقية في الجباية والتعاملات التجارية.
هل تنجح التجربة؟
من جهته، يرى الأكاديمي الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش أن تجربة العراق لبطاقات الدفع الإلكترونية ستنجح بعدما كان سابقا ولسنوات يتعامل نقدا. ويعلل حنتوش في حديثه للجزيرة نت نجاح هذا التجربة بوجود كمية كبيرة من النقد في السوق، والجميع يعاني من فقد السيولة بسبب مخاطر الحرق والتلف والسرقة.وأشار حنتوش أيضا إلى أن “العراق أصدر سابقا أكثر من 10 ملايين بطاقة إلكترونية من الشركات التابعة للمصارف الحكومية، أو من شركات الدفع الأخرى، صالحة لمدة 7 أيام بعد إطلاق الرواتب الشهرية. حتى أصبح التوجه الحكومي اليوم بديمومة استمرار العمل بالبطاقة طيلة أيام الشهر شرط حجز 20% من حجم الحوافز والمكافآت الشهرية داخل البطاقة، وليس من حجم الراتب الأساسي للموظف من أجل الشراء بشكل إلكتروني كون البطاقة تتمع بسياسة تسعيرية صفرية، والتي ستساعد على صدور (20-25) مليون بطاقة قريبا”، ويؤكد حنتوش على أهمية زيادة أجهزة الدفع الإلكتروني من 23 ألفا إلى 800 ألف جهاز على مستوى العراق لزيادة مستويات الاستخدام.
ضعف ثقافة التسويق
وعلى الجهة الأخرى، يرى مختصون ضعفا كبيرا في ثقافة التسويق المصرفي داخل العراق، مما دفع الباحث الاقتصادي حيدر فليح الربيعي إلى حث البنك المركزي لتعزيزها زيادة استخدام بطاقات الدفع الإلكتروني لتعزيز الائتمان المصرفي وتحويل الثروة المكتنزة في البيوت لقوة ضامنة في توليد طلب على النقود لأغراض المعاملات ودعم النشاط الاقتصادي.
وأضاف الربيعي -للجزيرة نت- أن “تعزيز الثقافة المصرفية لم تعد رفاهية، ولكنها ضرورة لتشجيع المواطنين على التخطيط والادخار من أجل مستقبلهم، وحماية أنفسهم من الأزمات أو حالات الطوارئ التي تحدث في أي وقت، بجانب تنمية قدراتهم المالية لمعايشة التطور العالمي الهائل في مجال التكنولوجيا المالية”.
وأشار الربيعي إلى أهمية تحديث معلومات الخدمات التي يقدمها المصرفان (الحكومي والخاص) لتكون واضحة وسهلة الفهم يمكن الوصول إليها دون عناء عبر توفير وسائل إرشادية كافية داخل قاعات المصرف وفروعه، وعلى الموقع الإلكتروني الرسمي للمصرف.
ويبلغ حجم الودائع في المصارف الحكومية والخاصة (128 تريليون دينار) تتوزع ما بين المصارف الخاصة والحكومية، إذ يوجد في العراق (72 مصرفا خاصا) من بينها (19 مصرفا) على قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية، فيما يبلغ حجم الودائع في المصارف الخاصة نحو 14 تريليون دينار عراقي (10.5 مليارات دولار)، أما المصارف الحكومية وعددها 6 مصارف فيبلغ حجم الودائع فيها نحو 114 تريليون دينار (87 مليار دولار) أي أن 90% من حجم الودائع يوجد في المصارف الحكومية.
الاكتناز داخل المنازل
ويقدر المستشار المالي للحكومة العراقية الدكتور مظهر محمد صالح في تصريحات -للجزيرة نت- بوجود أكثر من 95 تريليون من العملة العراقية لدى الأفراد خارج الجهاز المصرفي أي المنازل وأماكن أخرى، مشيرا إلى أن ظاهرة الاكتناز لا توفر رافعة مالية مرنة بكلفة منخفضة لتمويل النشاط الاقتصادي كونها تسبب تدني القدرة على تحويل الادخارات المرغوبة لاستثمارات مرغوبة، بسبب جمود السيولة خارج المصارف، إذ تشكل الاكتنازات اقتطاعا من دورة الدخل الوطني، وفقا للمستشار صالح.
بينما يعزو الباحث في الشأن المصرفي عمر الحلبوسي سبب عزوف المواطنين العراقيين عن إيداع أموالهم في المصارف العراقية لمجموعة عوامل منها عدم ثقة المواطن بالقطاع المصرفي، خصوصا بعد انهيار مجموعة مصارف دون إعادة أموال المودعين رغم مرور سنوات عليها.
ويوضح الحلبوسي في حديثه -للجزيرة نت- حول العوامل الأخرى، ومنها التدخل السياسي في القطاع المصرفي، كما يشير إلى أن “ضعف البنك المركزي العراقي في ضبط عمل المصارف والرقابة عليها شكل عاملا آخر للاكتناز”.
ووفقا للحلبوسي، فإن ملكية المصارف الخاصة لأشخاص متهمين بالفساد أو جهات خارجية يعد عاملا من عوامل الاكتناز المنزلي، إضافة إلى فرض عقوبات أميركية على مجموعة من المصارف الخاصة لتشكل عاملا آخر يدعم باتجاه ظاهرة الاكتناز، وفيما يخص المصارف الحكومية، فإن فضائح الفساد المتكررة شكلت أحد أسباب العزوف أيضا.
ولسحب الكتلة النقدية المكتنزة في المنازل يقترح المستشار المالي للحكومة العراقية الدكتور مظهر محمد صالح أن يكون عن طريق إحلال نظام الدفع الإلكتروني الذي سيجعل الدخل النقدي داخل دورة الجهاز المصرفي بشكل فعال ومستمر، مما يقلل من ظاهرة التسرب النقدي خارج المصارف العراقية.
ويرى صالح أن اتساع المدفوعات الإلكترونية وما يتبعها من اتساع الحسابات المصرفية، سيقلل مخاطر السيولة التي تتعرض إليها المصارف بسبب حالة اللايقين في الاحتفاظ بفوائض نقدية غير فاعلة للإقراض وتيسير العمليات الائتمانية، وستقل ظاهرة مخاطر السيولة، وستصب بمصلحة تشجيع وتوسيع ظاهرة الائتمان النقدي ومنح القروض بشكل مرن.