هل يحمل هوكشتاين خلال زيارته أواخر الأسبوع «نصّاً مكتوباً» أم أنّ الأمور لم تنضج بعد ليُصبح جاهزاً؟!
كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:
تبلّغ لبنان رسمياً أنّ الوسيط الأميركي في مسألة ترسيم الحدود البحرية الجنوبية آموس هوكشتاين سيزوره في أواخر الأسبوع الجاري. وقد وضع هذا التبليغ الذي تلقّاه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد ظهر الأحد المنصرم من نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بو صعب عبر اتصال هاتفي، حدّاً للتساؤلات التي سادت في الآونة الأخيرة حول موعد هذه الزيارة، وإذا ما كانت ستحصل في أيلول الجاري أم ستؤجّل الى ما بعد الإستحقاقات المرتقبة في التشرينين المقبلين..
ويفتح موعد الزيارة في الوقت نفسه، تساؤلات أخرى حول ما سيحمله معه هوكشتاين الى المسؤولين اللبنانيين خلال متابعة البحث معهم في ملف الترسيم، لا سيما بعدما شدّد الرئيس الأميركي جو بايدن خلال المكالمة التي جرت منذ أيّام بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد، على «أهمية إنهاء المفاوضات حول الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان في الأسابيع المقبلة»، وفق ما ذكر البيت الأبيض. فضلاً عمّا سمعه بو صعب من الجانب الأميركي بأنّ «الجهود المبذولة حالياً للتوصّل إلى اتفاق عادل هو أولوية قصوى بالنسبة إليه».
أوساط ديبلوماسية عليمة أكّدت أنّ أي اتفاقية لترسيم الحدود البحرية، مرحّب بها لا سيما إذا ما كانت تصبّ في مصلحة لبنان وشعبه واستثمار ثروته النفطية التي هي ملك الأجيال المقبلة. غير أنّ «إنهاء المفاوضات» شيء، والتوصُّل الى اتفاقية مكتوبة والتوقيع عليها شيء آخر. فمسار الأمور، وإن كان البعض يريد أن يبثّ أجواء تفاؤلية عن قرب التوصّل الى اتفاقية حدود بين لبنان والعدوالإسرائيلي، يبقى معقّداً وشائكاً، رغم حسن النيات الذي تحاول الأطراف المعنية الثلاثة إظهاره.
رغم ذلك تأمل الأوساط نفسها، أن يتمّ إنجاز اتفاقية ترسيم الحدود البحرية في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كونه هو الذي وضعه على سكّة التنفيذ. غير أنّها أشارت الى بعض العقبات التي تتمثّل في الخطوات اللاحقة للاتفاق المبدئي حول الترسيم بين الجانبين. فإذا سلّمنا جدلاً بأنّه جرى التوافق على تحديد الخط الحدودي بالخط 23 أو بالخط 23 + أو سواهما، وتسمية بالتالي البلوكات البحرية والحقول النفطية التي تعود لكلّ من الطرفين في المنطقة المتنازع عليها، لا سيما حقلي «كاريش» و»قانا»، وما الى ذلك من تحديدات جغرافية وبحرية، لكن أي نصّ مكتوب للاتفاقية لم يتمّ وضعه حتى الآن ومناقشته. وهذا الأمر يحتاج بطبيعة الحال الى الكثير من الدراسة والتمحيص.
ولمن يقول انّ وضع نصّ الاتفاقية والتوقيع عليها يتطلّب جلسة أو اثنتين على طاولة الناقورة، أوضحت الأوساط نفسها أنّ مثل هذا القول مبالغ فيه، سيما أنّ صياغة نصوص الإتفاقيات غالباً ما تتطلّب وقتاً، لما قد تحمله العبارات المستخدمة من تأويلات وتفسيرات، وتُعرف بالعبارات المطّاطة. فاتفاق الطائف الذي لم يُنفَّذ بكامل بنوده حتى اليوم رغم وضعه في العام 1989، هو خير دليل على ذلك بالنسبة للبنانيين، وإن كان يأخذ منحى آخر. علماً بأنّه كُتب بلغة واحدة هو اللغة العربية. فكيف باتفاقية حدود ستُكتب باللغة الإنكليزية التي يجري التداول بها حالياً مع الوسيط الأميركي، وستُرسل المراسيم أو النسخ بها أيضاً الى الأمم المتحدة، وستجري ترجمتها في لبنان باللغة العربية، كما في الجانب الإسرائيلي بالعبرية. ولهذا رأت أنّه على أي نصّ اتفاقية أن يكون دقيقاً ومقتضباً ومحدّداً لتجنّب تأويل وتفسير أي من عباراته، ما يجعل تنفيذه صعباً، أو قد يخلق مشاكل إضافية بين الجانبين.
كذلك فإنّ محادثات فيينا التي تتأرجح بين الإيجابية والسلبية استلزمت وقتاً طويلاً، والأمور تتعقّد أكثر لدى الوصول الى النصّ المكتوب، على ما ذكرت، رغم أنّ المقارنة بين الإتفاقية النووية واتفاقية الحدود قد لا تجوز لعدم تشابهما لا في الشكل ولا في الجوهر. ولكن فإنّ الإشارة الى ما يجري قد يفيد بهدف إعادة البعض الى أرض الواقع الذي يختلف عن النيات والتمنيات، سيما أنّ الإتفاقية تُعقد مع عدو يُخبّىء مخالبه.
وفي ما يتعلّق بالنصّ المكتوب، تساءلت الأوساط عينها إذا ما كان هوكشتاين سيحمل معه هذه المرّة مسودة نصّ مكتوب، يُصار الى مناقشته من قبل الجانبين، كلّ على حدة، كخطوة أولى، ويقترح عليه التعديلات التي تناسبه فيما بعد. فقد بات لدى هوكشتاين تصوّر عمّا قد يقبله أو يرفضه هذا الطرف أو ذاك، الأمر الذي يؤهّله الى صياغة نصّ مكتوب، على غرار الخريطة التي سبق وأن قدّمها بخطّ يده الى الرئيس عون في 9 شباط الماضي. غير أنّ الجانب الأميركي كان أعلن أن أي نصّ مكتوب ليس جاهزاً بعد، الأمر الذي يجعل لبنان ينتظر ما سيحمله هوكشتاين من معطيات جديدة، لا سيما بعد ما أبلغه لنائب رئيس المجلس خلال الإتصال الهاتفي الأخير المطوّل الذي تلا بطبيعة الحال زيارة الوسيط الأميركي الى تلّ أبيب ونقله المقترح اللبناني الأخير وحمله بالتالي العرض الإسرائيلي الجديد.
من هنا، تأمل الأوساط الديبلوماسية أن تحمّل زيارة هوكشتاين انفراجاً فعلياً على صعيد التوصّل الى اتفاقية الترسيم البحري، وأن يكون العرض الجديد ملائماً للطروحات اللبنانية، لا أن يكون حجر عثرة يتسبّب بعرقلة الإتفاقية بهدف اتهام لبنان بها، وبوضع كرة التأخير والتأجيل في ملعبه.