رأي

هل يحارب الغرب روسيا؟

كتب علي قباجة, في “الخليج” :

لم يكن ما أبدته فرنسا من نيتها إرسال قوات إلى أوكرانيا لقتال الروس، عبثاً؛ إذ إن ما صرح به الرئيس الفرنسي ماكرون كان عزماً على المضي قدماً في ذلك، وعلى الرغم من أن تصريحاته لاقت رفضاً من دول عدة، فإنها تشير إلى عمق الأزمة التي تعيشها كييف وجيشها وداعموها، مع تقدم الجيش الروسي على الجبهات، وسيطرته على مدن وبلدات استراتيجية، وتحكّمه بخيوط المعركة، ما يعني أن ثمة هزيمة استراتيجية تلوح في الأفق لأوكرانيا والغرب كله، المنخرط بحرب هجينة ضد موسكو.

قول ماكرون إنه «لا ينبغي استبعاد إرسال قوات غربية إلى أوكرانيا.. سنفعل كل ما ينبغي حتى لا تتمكن روسيا من الانتصار في هذه الحرب»، يعني بالضرورة أن المعطيات على الأرض ليست في مصلحتهم، وهذا يظهر من استغاثة أوكرانيا جرّاء تراجع الزخم القتالي والتمويل، وتخوفها من هزيمة حتمية، قد ترتد آثارها على أوروبا كلها، في ظل ضعف تدفق السلاح والأموال إلى كييف، بسبب عدم اقتناع دول أوروبية عدة بجدوى التمويل، وعدم إقرار الكونغرس الأمريكي حزمة الدعم التي قررت الإدارة الأمريكية تقديمها.

الغرب راهن منذ اللحظة الأولى على أوكرانيا في استنزاف روسيا، ونأى بنفسه عن الدخول في صراع مباشر معها، لذا سارعت واشنطن ودول أوروبية منها لندن وبرلين وغيرهما من العواصم الغربية إلى رفض المقترح الفرنسي مباشرة، خشية زيادة رقعة الصراع، لأن هذه الخطوة تعني الدخول في حرب مباشرة مع روسيا، وهو ما لا يرغب فيه الجميع؛ حيث حذر الكرملين من أن إرسال قوات إلى أوكرانيا «لن يكون في مصلحة الغرب»، مشيراً إلى أن تطبيق هذه الخطوة، يعني حتمية المواجهة معه.

المستشار الألماني شولتز عاد لتأكيد أنه لن يتم إرسال «أيّ جندي» إلى أوكرانيا، سواء من الدول الأوروبية أو «الناتو»، ومضت بريطانيا على النهج ذاته، بأنها لا تخطط لنشر قوات على نطاق واسع، كما استبعد الحلف الأطلسي إرسال قوات إلى ساحة المعركة.

وهذا يؤكد أن الغرب يخشى المواجهة، لأنها ستكون ذات أثمان باهظة، وستجعل الصراع يأخذ منحى آخر أكثر حدة، وستدخله في ثقب أسود لن يخرج منه إلا مفككاً ومدمراً، فروسيا الآن ليست على ما كانت عليه من قبل؛ إذ إنها مضت في طريقها لإثبات نفسها فاعلاً دولياً، وإعادة مكانتها قطباً عالمياً لها كلمتها في القرار الدولي ولن تتراجع، حتى إن واجهت العالم كله مباشرة كما تواجهه الآن بالوكالة على الأرض الأوكرانية؛ لذا ليس أمام أوروبا وأمريكا سوى ضبط النفس، والاكتفاء بالوضع الحالي مؤقتاً، أي استنزاف روسيا عبر أوكرانيا، حتى يُحسم الصراع عاجلاً أم آجلاً لمصلحة أحد الأطراف، ويبدو أن المعطيات ترجح كفة انتصار روسي قريب.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى