كتب حسن نافعة في “الميادين نت”: شيئ ما في “إسرائيل” يتغير نحو الأسوأ، ويشي بخطر ما هو قادم على صعيد التطورات المحتملة في “الصراع” العربي الإسرائيلي. ندرك جميعاً أن “إسرائيل” لم تكن في يوم من الأيام محبة للسلام، ولا راغبة في إقامة علاقات ودية وطبيعية، سواء مع الفلسطينيين الذين احتلت أرضهم واغتصبت حقوقهم بقوة السلاح، أو مع جيران عرب سعت دائماً لبث الفرقة بين صفوفهم وتشتيت شملهم، على الرغم من ادعائها المستمر أنها كانت ولا تزال تسعى لإقامة علاقة ودية وطبيعية معهم.
فتاريخ “إسرائيل” يؤكد أنها ربما تكون الدولة الوحيدة التي استطاع إرهابيون ومجرمو حرب أن يصلوا إلى قمة هرم السلطة فيها وأن يقودوا حكوماتها عبر مراحل زمنية مختلفة. ينطبق هذا على مناحيم بيغن، قائد الكتيبة التي ارتكبت مذبحة كبيرة راح ضحيتها معظم سكان قرية دير ياسين عام 1948، ومن بينهم 100 طفل وامرأة. فقد استطاع هذا المجرم المتمرس أن يصبح رئيساً لوزراء “إسرائيل” عام 1977، بل وشاءت الأقدار أن يكون هو نفسه من يوقّع معاهدة “السلام” التي أخرجت مصر من معادلة الصراع المسلح.
ينطبق ذلك أيضاً على أرييل شارون، قائد المجموعة التي ارتكبت مذبحة كبيرة في قرية قبية الأردنية عام 1953، حيث استطاع هذا المجرم أن يصبح رئيساً لوزراء “إسرائيل” عام 2001. غير أن هذا الجيل من المجرمين الكبار سيبدو قزماً مقارنةً بالجيل المرشح لقيادة “إسرائيل” في المرحلة المقبلة.
ما يثير الانتباه هنا أن جيل المجرمين القدامى من حكام “إسرائيل”، الذي ينتمي إلى معسكر اليمين “العلماني”، سيطر على الحياة السياسية في “إسرائيل” فترة لا تقل عن أربعة عقود، بعد أن تمكن من إزاحة معسكر “اليسار” الذي أدى الدور الأساسي في تأسيس دولة “إسرائيل” وظل يقودها إلى ما بعد حرب 73.
ولأن أحزاب هذا المعسكر توصف عادة بأنها تمثل الجناح “المعتدل” في معسكر اليمين الإسرائيلي، فمن حقنا أن نتساءل عما يمكن أن يحدث للفلسطينيين بصفة خصوصاً وللعرب بصفة عامة، حين يصبح اليمين “الديني”، الذي يضم نماذج من أمثال إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش، المرشح للسيطرة على مفاصل الحياة السياسية في “إسرائيل” في المرحلة المقبلة، وهو ما توحي به نتائج انتخابات الكنيست الأخيرة التي جرت في أول نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
فقد أسفرت انتخابات الكنيست عن حصول أحزاب “الصهيونية الدينية” على أربعة عشر مقعداً، مقارنة بستة مقاعد في الكنيست المنحل، وذلك ضمن 64 مقعداً هي إجمالي ما حصل عليه معسكر اليمين الذي يقوده نتنياهو، وبذلك تصبح كتلة الأحزاب الدينية المتطرفة ثالث أكبر الكتل السياسية في الكنيست.
كما يثير الانتباه أيضاً عدم تمكن حزب “ميرتس” اليساري من الحصول على نسبة الحسم التي تؤهله للفوز بأي مقاعد، وتراجع عدد المقاعد التي حصل عليها حزب “العمل” إلى أربعة فقط، ما يدل على أن الكيان الصهيوني يمر بحالة مخاض وانعطافة كبيرة قد تؤدي إلى انحسار دور اليمين “العلماني” وإلى تمدد دور اليمين الديني الأكثر تطرفاً، ليصبح يوماً ما قد لا يكون بعيداً، صاحب الأغلبية الحاكمة في “إسرائيل”. حينئذ لا ينبغي أن تصيبنا الدهشة إذا وجدنا أن عناصر من أمثال بن غفير وسموتريتش تتناوب على رئاسة الحكومات الإسرائيلية، خصوصاً بعد أن بات في حكم المؤكد أن بن عفير سيشغل في الحكومة الإسرائيلية المقبلة منصب وزير الأمن الداخلي، بصلاحيات موسعة تشمل حرس الحدود في الضفة الغربية، وسيكون هو المكلف في الوقت نفسه شرعنة المستوطنات العشوائية، وأصبح من المرجح أن يتولى سموتريتش إحدى الوزارات الرئيسة كوزارة المال.
من المعروف أن أحزاب “الصهيونية الدينية” في “إسرائيل” ، التي ينتمي إليها بن غفير وسموتريتش، تتبنى أطروحات مخيفة، منها على سبيل المثال لا الحصر: أن الفلسطينيين الذين يعيشون في “إسرائيل” “وجدوا فيها عن طريق الخطأ”، لأن بن غوريون لم يكمل مهمته في القضاء عليهم أو ترحيلهم بعيداً من دولة “إسرائيل” التي يجب أن تحتفظ بنقائها اليهودي، وبالتالي لا تعترف بما يسمّى “عرب إسرائيل” أو بأن لهم حقوقاً يجب أن تحترم، ومنها أيضاً: أن الضفة الغربية هي جزء لا يتجزأ من “أرض الميعاد” أو “الأرض التوراتية” التي يحق لليهود أن يقيموا عليها ما شاء لهم من مستوطنات.
لذا يرجح أن يزداد الاحتكاك العنيف في المرحلة المقبلة بجميع صوره بين اليهود والفلسطينيين، سواء داخل الأرض المحتلة عام 48 أو المحتلة عام 67. ولأن هذه الأحزاب تعتقد أيضاً أن المسجد الأقصى بني على أنقاض الهيكل، ثم يجب هدمه وإقامة الهيكل على أنقاضه، يرجح أن تتزايد الاقتحامات اليهودية للمسجد الأقصى، وربما تستغل بعض أكثر العناصر تطرفاً فيها أجواء التوتر المتصاعد إبّان هذه الاقتحامات لتنفيذ عمليات تخريبية تحوّله إلى أنقاض.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن لدى اليمين الديني الصهيوني اعتقاداً لا يهتز بأن “إسرائيل” دولة يهودية خالصة لا مكان فيها للعرب، مسلمين كانوا أم مسيحيين، ثم يحل طردهم أو حتى قتلهم، فمن الطبيعي أن يرفض هذا التيار “حل الدولتين” وأن يطالب بإلغاء “اتفاقيات أوسلو”.
لذا فليس من المستبعد مطلقاً أن تقدم الحكومة الإسرائيلية المقبلة على اتخاذ إجراءات عنيفة تستهدف ضم أراضٍ فلسطينية، قد يكون غور الأردن في مقدمها، أو الاستيلاء على مزيد من بيوت الفلسطينيين، في حي الشيخ جراح مثلاً أو في غيره من أحياء القدس، أو ترحيل أعداد متزايدة من الفلسطينيين خارج “إسرائيل” والضفة الغربية، ما يؤدي حتماً إلى أن يصبح أي حديث عن “تسوية سلمية” أو “تعاون أمني” مع سلطات الاحتلال مجرد أضحوكة تثير السخرية.
ومن الطبيعي، في سياق كهذا، أن يصبح وضع السلطة الفلسطينية أكثر حرجاً، وخطابها السياسي أكثر ضعفاً وأقل إقناعاً، وأن تصبح الدول العربية التي طبّعت علاقاتها بـ”إسرائيل”، والتي سيكون من الصعب عليها تجاهل ما يحدث للفلسطينيين أو ترك المسجد الأقصى يهدم ليقام الهيكل المزعوم مكانه، في وضع لا تحسد عليه.
على صعيد آخر، يرجح أن تقدم الحكومة المقبلة في “إسرائيل”، خصوصاً أنها ستكون بزعامة نتنياهو مرة أخرى، على تبني سياسة خارجية إقليمية تقوم على محورين:
الأول: تصعيد المواجهة مع إيران: حيث سيحاول نتنياهو الاستفادة من حال الجمود التي وصلت إليها مفاوضات فيينا حالياً، وأن يسعى لإقناع إدارة بايدن بأنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة العودة إلى اتفاق البرنامج النووي الموقّع عام 2015، لأن الحل الجذري للمسألة الإيرانية، الذي يضمن فعلاً “توقف برنامج إيران النووي، والحد من المخاطر المترتبة على تدخل إيران المستمر في شؤون المنطقة، يكمن في إسقاط النظام الإيراني نفسه، سواء من خلال تقديم دعم كبير للجماعات المعارضة له في الداخل واستثمار الاحتجاجات الناجمة عن مصرع مهسا أميني، المواطنة الإيرانية من أصل كردي التي قضت في أثناء اعتقالها، أو من خلال تنسيق أميركي إسرائيلي مشترك يستهدف توجيه ضربة عسكرية إلى إيران أو، في أسوأ الفرضيات منح “إسرائيل” ضوءاً أخضر للمضي قدماً في خططها الرامية إلى توجيه ضربة عسكرية منفردة إلى إيران.
وفي جميع الأحوال يرجح أن تواصل “إسرائيل” غاراتها العسكرية على سوريا، بذريعة تدمير المواقع الإيرانية هناك وقطع خطوط الإمدادات العسكرية على حزب الله.
الثاني: مواصلة الضغط على الدول العربية لتوسيع نطاق التطبيع مع “إسرائيل”، سواء عن طريق ضم دول عربية جديدة إلى ما أصبح يعرف بـ”اتفاقيات أبراهام” أو عن طريق التسريع في وتيرة ومعدلات التطبيع مع الدول العربية التي سبق لها أن وقعت هذا النوع من الاتفاقيات مع “إسرائيل”.
ولأن السعودية كانت ولا تزال الجائزة الكبرى بالنسبة إلى “إسرائيل”، يرجح أن تزداد الخطط الإسرائيلية الرامية إلى الإيقاع بها في شباك مصيدة التطبيع خلال المرحلة المقبلة.
أخلُص من كل ما تقدم إلى أن الحكومة الإسرائيلية التي يجري تأليفها حالياً بقيادة نتنياهو، والتي ستضم متطرفين عنصريين من أمثال بن غفير وسموتريتش، ستكون المصدر الرئيس لعدم استقرار المنطقة، وذلك من خلال:
1- قمع الفلسطينيين وانتهاك حقوقهم والاستيلاء على مزيد من أراضيهم.
2- الضغط على الدول العربية لتوسيع نطاق التطبيع وزيادة وتيرة سرعته.
3- العمل بكل الوسائل الممكنة لإسقاط النظام الإيراني.
لذا أظن أنه لم يعد هناك من بديل أمام الفلسطينيين والعرب للرد على حكومة نتنياهو المنتظرة سوى:
1- إنجاز مصالحة فلسطينية حقيقية تؤدي إلى بناء حركة وطنية فلسطينية جديدة تعتمد المقاومة بكل أشكالها نهجاً وهدفاً إستراتيجياً.
2- تجميد جميع أشكال التطبيع مع “إسرائيل” إلى أن يتحقق الانسحاب الكامل من كل الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الجولان، وتقام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وهو ما يعني التزام المبادرة العربية فعلياً التي جرى تبنيها في قمة بيروت العربية عام 2002.
3- بدء حوار جاد بين الدول العربية وكل من إيران وتركيا لوضع الأساس لحل المشكلات العالقة في المنطقة ولبناء نظام أمن إقليمي جديد يأخذ في الاعتبار مصالح الجميع بعيداً من تدخل الولايات المتحدة و”إسرائيل”.