هل يتعظ حلفاء أميركا في لبنان..؟

كتب نور نعمة في صحيفة “الديار”:
الرئيس الاوكراني قالها علنا ان بلاده تُركت وحيدة في مواجهة روسيا، علما ان التحريض الاميركي بلغ أوجه في دفع اوكرانيا للانضمام الى “الناتو” فضلا عن لغة التهديد والوعيد لموسكو اذا اقدمت على اجتياح اوكرانيا. ولكن ما ان بدأت القوات الروسية باجتياح مناطق اوكرانية، اتخذت واشنطن ودول اوروبية معها موقفا باردا من التطورات، وحتى اللحظة وضعت الولايات المتحدة وباقي الدول المعارضة للكرملين عقوبات اقتصادية على موسكو ولكنها لم تحم الشعب الاوكراني كما تعهدت.
لطالما وعدت اميركا حلفاءها بالدفاع عنهم في حال تعرضهم لهجوم، ولكن على ارض الواقع الامثلة كثيرة عن تخليها عنهم، آخرها أفغانستان عندما تركت القوات الافغانية التي قاتلت مع الجيش الاميركي لقمة سائغة امام طالبان في انسحاب حصل بين ليلة وضحاها من هذه البلاد.
واليوم، ها هي واشنطن مرة جديدة تظهر عدم وفائها مع الدول الصديقة لها كأوكرانيا، اذ من يسمع الرئيس الاميركي جو بايدن يتوعد روسيا بعظائم الامور ودفع الثمن والتهديد بعواقب وخيمة ويشاهد التطورات الاخيرة في اوكرانيا، يرى ان هذه الوعود تبخرت وظهرت انها كلام فارغ لم يترجم على ارض الواقع.
ما يعنينا من الحرب التي تجري في أوكرانيا، هو ان بعض الاطراف اللبنانية من بينها احزاب تتمتع بقاعدة شعبية كبيرة، فضلا عن بعض التيارات من المجتمع المدني التي أنتجتها “ثورة 17 تشرين”، نسجت علاقات وطيدة مع واشنطن، وتتلقى دعما ماليا واسعا، ليس فقط لخوض الانتخابات النيابية، بل للمساهمة في الحياة السياسية اللبنانية من باب الشارع اللبناني الذي قد تحركه الولايات المتحدة لاعتبارات خاصة بها.
والحال أن اي حزب او اي مؤسسات غير حكومية انخرطت مع واشنطن في العمل السياسي ستلمس دعما ونشاطا في بدء الامر لتعزيز موقعها في اللعبة السياسية. انما السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيدوم هذا التأييد المالي والسياسي طويلا لهؤلاء؟ الجواب طبعا لا. ستستغل واشنطن بعض الاحزاب وبعض “المجتمع المدني” الذي يتعاون معها لتحقق غاياتها، ولكنها حتما ستنقلب عليهم لاحقا وتبيعهم في المزاد العلني للمقايضة من اجل هدف آخر يستجد في اجندتها.
نعم، بعض المجتمع المدني وبعض الاحزاب اللبنانية التي تدور في الفلك الاميركي تعتقد ان واشنطن تريد التغيير الايجابي في لبنان وتسعى بحسن نية لدعمهم للوصول الى ديموقراطية حقيقية في بلدنا. اما الحقيقة فهي بعيدة كل البعد عن الوعود الاميركية التي تطلقها وتقولها لهذه الاطراف اللبنانية، حيث سيكونون بمثابة حصان طروادة لزرع المزيد من البلبلة في هذا البلد الصغير الذي عانى الكثير من الويلات، وابرزها من التدخل الخارجي. ولذلك من باب الحرص على مجتمعنا وعلى كل من يشترك في الحياة السياسية، نأمل ان تتعظ الاطراف اللبنانية المرتبطة بالولايات المتحدة مما حصل في اوكرانيا حاليا، وقبل اشهر قليلة في افغانستان وقبل سنوات في العراق، عندما هدمت الجيش العراقي وحوّلت بلاد ما بين النهرين الى دويلات تتقاتل في ما بينها.
ما نقوله ليس تطرفا ضد واشنطن، بل بكل بساطة حسن نية تجاه شعبنا الذي عانى الامرّين، وبالتالي لا يجوز ان يغامر بعض من المجتمع المدني بمصير الوطن، وهو الذي اسس لحركة 17 تشرين والانتفاضة على المنظومة الفاسدة. وبمعنى آخر، لا يريد الشعب اللبناني ان يقع ضحية مرة اخرى لرهانات خاطئة، حيث ان المنظومة الفاسدة تلفظ انفاسها وستتراجع شعبيتها بشكل نسبي كبير، خلافا للانتخابات النيابية السابقة، ولكن في الوقت ذاته لا نريد ان يغرق الشعب اللبناني في دوامة اخرى تجعل منه وقودا في تجاذبات سياسية لا مصلحة له فيها.