رأي

هل يتجه لبنان نحو سيناريو الدولة الفاشلة في يوغسلافيا؟

تحت عنونا “ هل يتجه لبنان نحو سيناريو الدولة الفاشلة في يوغسلافيا؟” كتب العميد نزار عبد القادر مقالاً في صحيفة “اللواء” قال فيه: “حضر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 مرتين إلى لبنان، واجتمع بمختلف القوى السياسية اللبنانية وقدّم لهم برنامجاً إصلاحياً للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية، ووعدوا جميعاً بالالتزام بتنفيذها، ولكنهم سرعان ما تملّصوا من هذه الوعود، والتي كان يمكن لو نُفذت أن تضع البلاد على طريق النهوض. وكانت دوافعهم للتملص من الخطة الإصلاحية حرصهم على الحفاظ على الحد الأعلى من المكاسب التي يمكن أن يحققوها في ظل هذا النظام المفكك والضعيف للدولة ومؤسساتها الدستورية والإجرائية.

واضاف الكاتب في مقاله : “في رأينا، لن تُفضي زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن نتائج أفضل من تلك التي حققتها زيارة الرئيس ماكرون، وستقتصر نتائجها على وعود تقطعها الرئاسات الثلاث أمام الضيف، ولكن من دون وجود أية نية صادقة بالالتزام بتنفيذها، وذلك انطلاقاً من حرص كل منهم على الاستمرار في تحقيق مصالحهم كاملة ومن دون أي نقصان.

جاءت زيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان في وقت يواجه فيه البلد مجموعة من الاستحقاقات الكبرى، التي تضعه أمام الاختيار بين سلوك طريق الإصلاح والنهوض وبين الانهيار ليتحول إلى دولة فاشلة بكل المقاييس الدولية والاقتصادية والمالية. وكان الأمين العام قد استبق الزيارة بتغريدة على «تويتر» ليؤكد وقوفه مع اللبنانيين، من مختلف الخلفيات والشرائح الاجتماعية، ويناقش معهم كيف يمكن أن «نتغلب على الأزمة وأن ندعم السلام والعدالة وحقوق الإنسان»، لكنه سرعان بعد وصوله إلى لبنان واجتماعه بقياداته ما حوَّل هذه الدعوة للنقاش المفتوح إلى انتقاد لاذع، يتركز على مدى أهليتهم لمواقعهم القيادية، وذلك من خلال قوله «على القادة أن يستحقوا شعبهم». ويبدو بأن غوتيريس قد رمى من خلال هذا القول القصير والبليغ في معانيه اختصار كل عبارات النقد التي وجهها ماكرون إلى القوى السياسية اللبنانية بعدما أصابته خيبة الأمل من أدائها السيئ وحنوثها بكل الوعود التي قطعتها بالالتزام ببنود المبادرة الاصلاحية التي أطلقها. وكالعادة فقد أثبتت القيادات اللبنانية عدم رغبتها في الاستفادة من أية فرصة أو مبادرة تقدمها لها الجهات الاقليمية أو الدولية، من خلال تمسكها بقوة بمصالحها الضيقة، وهي لن تشعر بأي حرج في إضاعة الفرصة التي تتيحها لها زيارة غوتيريس، والتي تعني بأن لبنان ما زال مدرجاً على خريطة اهتمامات الشرعية الدولية، إلا أن هذه القيادات قد أظهرت وبسرعة فائقة، رفضها الاستجابة للدعوات الدولية باعتماد الحوار الداخلي والنقاش الموضوعي لوضع البلد على سكة التعافي والإنقاذ.

في الوقت الذي كان يضع فيه الأمين العام خارطة طريق للإنقاذ من خلال تصريحاته بعد لقائه للمسؤولين في تفلت وسائل الإعلام على اختلافها اخباراً حول قرب التسوية على صفقة بين المسؤولين، تسهل عملية قبول المجلس الدستوري للطعن الذي تقدم به التيار الوطني الحر حول التعديلات التي أدخلها المجلس النيابي على قانون الانتخاب وخصوصاً ما يعود منها لانتخاب المغتربين مقابل إجراء تشكيلات قضائية تطاول اعضاء مجلس القضاء الأعلى، ونزع الصلاحية التي يتمتع بها المحقق العدلي طارق بيطار، وعلى أن تفتح هذه التسوية الطريق أمام مجلس الوزراء لمعاودة اجتماعاته، لكن سرعان ما نفاها بعض المستفيدين منها، بعدما أدركوا فداحة النتائج التي يمكن أن تترتب عليها داخلياً وعربياً ودولياً، وخصوصاً أنها ستأتي في الوقت الذي يحاول فيه الرؤساء بذل مساعيهم لاسترجاع ثقة المجتمع الدولي بهم وبرئيسهم في السير قدماً في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وفي مقدمتها السير قدماً في الخطة الإصلاحية تمهيداً لإنجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

وذكّر غوتيريس الرؤساء بواجباتهم تجاه البلاد والشعب بقوله «يتوقع الشعب اللبناني من قادته السياسيين إصلاح الاقتصاد وإعادة تفعيل الحكومة ومؤسسات الدولة، وإنهاء الفساد وحماية حقوق الإنسان»، مع الإشارة إلى أن الرئيس عون تكلم بنفس الاتجاه. ولكنه عاد وأضاف بأن لديه شكوكاً بما يقوله الرؤساء من خلال التشديد على أنه «لا يملك القادة السياسيون الحق في الانقسام وشل البلاد».

وحملت زيارة غوتيريس بُعداً إنسانياً وقانونياً من خلال دعوته لمحاسبة حقيقية للمسؤولين عن انفجار مرفأ بيروت، مؤكداً أن الشعب اللبناني يستأهل معرفة الحقيقة. واللافت أنه ذهب في التعبير عن مشاعره تجاه الضحايا وذويهم، إلى أبعد الحدود، حيث إنه لم يكتفِ بزيارة مكان الانفجار ووضع إكليل على النصب التذكاري، بل ذهب للتعبير بصراحة عن تضامنه مع جميع ضحايا تلك المأساة بقوله: «أدرك معاناة ذوي الضحايا ورغبة الشعب في تحقيق المحاسبة الحقيقية، وأود أن أعبّر عن تضامني مع جميع ضحايا تلك المأساة». ويأتي هذا الموقف الصريح للأمين العام كرد مباشر على ألاعيب السياسيين لتعطيل التحقيق وحماية القوى السياسية، وخصوصاً حزب الله وحركة أمل من المسؤولية الواضحة التي بدأت تظهر معالمها من خلال التحقيق العدلي. وهذا ما يفسّر إصرار السيد حسن نصر الله والرئيس بري على تعطيل التحقيق العدلي من خلال «قبع» القاضي بيطار وكف يده عن التحقيق. في حال نجاحهما في كف القاضي وحرف التحقيق عن مساره القانوني، فستكون لذلك نتائج دراماتيكية قد تعجل في تصنيف لبنان كدولة فاشلة، وسيفتح ذلك الباب أمام إحالة جريمة المرفأ على القضاء الدولي، والذي من المرجح أن لا يكتفي بالنظر بهذه الجريمة بل يذهب إلى النظر بكل الجرائم التي ارتكبها السياسيون بحق شعبهم خلال العقود الثلاثة الماضية، وذلك على غرار المحاكمات التي طالت المسؤولين في يوغسلافيا في القرن الماضي.”

واضاف كاتب المقال: “يبدو بوضوح أن الأمين العام سيترك المسؤولين اللبنانيين مع خارطة طريق لإخراج لبنان من أزماته الراهنة وللحؤول دون تصنيفه كدولة فاشلة، مع كل ما يترتب من مسؤوليات عليهم. وجاءت خارطة الطريق هذه تحت عنوان كبير يتركز على إعادة تكوين السلطة، وتتضمن هذه الخارطة مجموعة من المبادئ والمطالب وأبرزها:

أولاً: البحث عن الحلول من داخل لبنان، وليس من سوريا أو إيران أو المملكة العربية السعودية، والمجتمع الدولي. تضع مسؤولية تشخيص عناصر الأزمة وإيجاد الحلول اللازمة لها من الداخل اللبناني، وأن المجتمعين العربي والدولي سيكونان على جهوزية كاملة للمساعدة وتقديم الدعم السياسي والمالي اللازم للنهوض.

ثانياً: لا بد من اعتماد الإصلاحات البنيوية والمالية، واجتثاث الفساد من أجل استعادة الثقة بالدولة اللبنانية، داخلياً وخارجياً.

ثالثاً: تشكل الانتخابات النيابية الحل الوحيد المجدي لإعادة تكوين السلطة ولإعادة بناء الدولة على أسس راسخة وصلبة.

رابعاً: ضرورة تحقيق العدالة والسير قدماً بالتحقيق القضائي لكشف الحقيقة في جريمة مرفأ بيروت، وأن تعطيل التحقيق سيرتب نتائج لا يمكن للمجتمع الدولي السكوت عنها.

خامساً: رأب الانقسام الحاصل بين الرئاسات ومختلف القوى السياسية وما يستهل البدء بعملية الإنقاذ، وبالتالي فتح الطريق لنجاح المفاوضات مع المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. وسيؤدي الفشل في تحقيق ذلك عاجلاً أو آجلاً إلى تصنيف الدولة بالفاشلة مع ما يتبع ذلك من عقوبات دولية على كل القيادات السياسية.

بعد زيارة الأمين العام للبنان، تبدأ مرحلة جديدة، ويأتي الاستحقاق والعنوان الأبرز خلالها موضوع إجراء الانتخابات النيابية، وذلك في ظل التعقيدات التي سيولدها فشل المجلس الدستوري في إقرار الطعن الذي تقدم به التيار الوطني الحر، مدعوماً من الرئيس ميشال عون. والسؤال المطروح الآن: كيف سيتقبّل التيار هذا الفشل؟ وما مدى تأثير ذلك على التحالف مع حزب الله؟ وعلى تشكيل اللوائح الانتخابية؟

أسئلة محرجة، لا يمكن الإجابة عنها بسهولة، ولكنها لن تسهل رأب الصدع المطلوب دولياً وعربياً، لوقف الانقسامات السياسية بين القيادات، والتي يمكن ان تؤدي إلى الانطلاق نحو تعطيل الانتخابات أو الدفع باتجاه الفتنة، وبالتالي استعجال تصنيف لبنان عربياً ودولياً بالدولة الفاشلة مع كل ما يمكن أن يترك ذلك من نتائج بما في ذلك فرض عقوبات قاسية على السياسيين، والتي قد تصل إلى حد محاكمة بعضهم بارتكاب جرائم بحق شعبهم بالإضافة إلى الفساد والرشوة وتبييض الأموال.

وهكذا يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً ودراماتيكية: هل يذهب لبنان نحو سيناريو الدول الفاشلة في يوغسلافيا؟

لن يكون ذلك مستبعداً أو مستحيلاً في ظل استمرار هذه القيادات الفاسدة في تعنتها واستحفافها بمصالح شعبها وبتحذيرات المجتمع الدولي.”

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى