هل ولدت اللحوم النباتية وماتت سريعا؟
هل وصلت اللحوم النباتية [وتعرف أيضاً بالبديلة أو المزيفة وهي منتج غذائي مصنوع من مكونات نباتية أو نباتية صرفة ويجري تناولها كبديل للحوم] إلى نهايتها؟ لفترة من الزمن، كانت شركة الطعام النباتي الصرف “بيوند ميت” Beyond Meat أحدث شيء في مجال الطعام، إذ كان البرغر والسجق الاصطناعي الخاص بها شائعين للغاية، حتى إن الجميع من “ماكدونالدز” إلى “أونست برغر” بدآ في استغلال هذه الكباب الغريبة المظهر قليلاً والمصنوعة من بروتين البازلاء. ولكن اليوم تراجعت إيراداتهم بمقدار الثلث وتبدو معه صناعة اللحوم النباتية أمام مفترق مخيف.
بعد طرحها للاكتتاب العام في 2019 – عندما قدرت قيمتها بأكثر من 10 مليارات دولار – صعدت أسهم “بيوند ميت” صعوداً صاروخياً. استمر هذا طوال فترة الجائحة، عندما ورد أن واحداً من كل خمسة بريطانيين تقريباً كان يأكل مزيداً من الأطعمة النباتية الصرفة [الخضرية] و/أو النباتية. بدا الأمر كما لو أن الخضرية تسيطر على العالم. ولكن بعدها تغير شيء ما.
في العام الماضي، أعلنت شركة اللحوم النباتية “ميتليس فارم” Meatless Farm ومقرها ليدز (التي قدمت منتجات خضرية إلى “بيرون برغرز” Byron Burgers و”إتسو” Itsu و”بريت”Pret) عن تعسرها المالي. أغلقت شركة “بريت أ مانجيه” Pret A Manger نصف مواقعها النباتية والنباتية الصرفة. وفي الوقت نفسه، خفضت ماركة النقانق “هيك” Heck ومقرها يوركشير أصنافها النباتية الصرفة من 10 منتجات إلى منتجين. وقامت علامات تجارية أخرى، بما في ذلك “أوتلي” Oatly و”إنوسينت” Innocent و”نستله” Nestlé بإزالة المنتجات الخضرية من تشكيلاتها العام الماضي.
علاوة على كل هذا، كانت المطاعم الخضرية تعاني أيضاً، إذ أعلنت شركة “فورغر كو” Vurger Co تعسرها مالياً، وأغلق موقعان لـ”نادي كلين كيتشن” Clean Kitchen Club في لندن بعد 18 شهراً فقط من افتتاحهما، وناشد مقهى “فان غوغ في بريكستون” Brixton’s Van Gogh الحصول على الدعم في مايو (أيار) بعد الكشف عن أن الانخفاض في العملاء أدى إلى تهديد بإغلاق محتمل.
بالطبع، الحقيقة هي أن أزمة كلف المعيشة دفعت المتسوقين إلى إعادة تقييم نفقاتهم. من يرغب في الاستثمار في برغر نباتي فاخر (عبوة تحتوي على اثنين من كباب برغر “بيوند ميت” تكلف أربعة جنيهات استرلينية [خمسة دولارات] في متجر تسكو) أو في شراء مثلجات خالية من الألبان عندما لا يمكنهم تقريباً تحمل فاتورة الكهرباء الخاصة بهم؟ عندما يكون تقليص الكلف هو الأولوية، يصبح الالتزام بأي نوع من النظم الغذائية أكثر صعوبة قليلاً، بخاصة عندما يكون هذا النظام الغذائي معروف بكلفه المرتفعة.
بشكل عام، النباتية الصرفة أو الخضرية هي واحدة من أصعب أنماط الغذاء المتاحة. أو في الأقل هذا هو ما يبدو عندما تدخل إلى فرع من متاجر “وول فودز” وترى صفوفاً من أشرطة الشوكولاتة بسعر ستة جنيهات استرلينية (7.5 دولار) ورغيف الخبز بسعر 15 جنيهاً استرلينياً (20 دولاراً). يبدو أنه يمكنك الحصول على أي شيء ترغب فيه بشكل فعلي في شكل نباتي، سواء كان الأمر يتعلق بالجبن أو التونة أو البرغر أو حتى البيض – طالما أنك على استعداد لدفع زيادة كبيرة في السعر.
وحتى بمجرد أن تقوم بذلك، لا توجد ببساطة نهاية لعدد الأطعمة الفائقة التي يمكنك إضافتها إلى كوكتيل الصباح الخاص بك لتكملة كل الفيتامينات التي تتجاهلها. كما لا يوجد حد للأطباق التي يمكنك رش بعض بذور الشيا عليها بسعر 6.99 جنيه استرليني (تسعة دولارات) أو بعض رقائق الخميرة بسعر 4.99 جنيه استرليني (6.5 دولار) عليها التي يقال لنا جميعاً إنها ضرورية إذا كنا سنتبنى نظاماً غذائياً نباتياً صرفاً. ما عليك سوى سؤال أي من صانعي المحتوى الذين سيغمرون صفحة “إنستغرام” الخاصة بك بوصفات ونصائح في اللحظة الأولى التي تبدأ فيها بالبحث عن أي شيء يتضمن عبارة “على أساس نباتي”.
كانت هذه بعض الأمور التي وجدت نفسي أنجذب إليها عندما جربت أن أكون خضرياً قبل بضعة أعوام. بدأت بإضاعة ساعات طويلة في مشاهدة صانعي المحتوى على “يوتيوب” ذوي شعر كثيف وبشرة لامعة يغطون وجباتهم بالسبيرولينا [مادة تستخدم كمكمل غذائي] وإنفاق مبالغ غير معقولة على منتجات نباتية متخصصة لا يمكنني تحمل كلفها، كل ذلك لأنه بدا جزءاً من الحزمة.
لم يكن أي من هذا ضرورياً. كل ذلك كان يخالف تماماً ما يجب أن يتضمنه نظام غذائي قائم على النباتات. النظام الغذائي الخضري الصحي لا يحتاج إلى أي من الزخرفة والبهرجة التي يريدنا المجتمع الرأسمالي أن نتبناها. في الواقع، تتألف وجبة نباتية صرفة بسيطة غالباً من أرخص العناصر الموجودة على رفوف محال السوبرماركت لدينا، بما في ذلك البقوليات والحمص والرز مع الخضراوات الطازجة. ليست هناك حاجة إلى الاستثمار في كميات كبيرة من المال في بدائل اللحوم النباتية، كثير منها معالج بشكل مفرط وخالٍ من القيمة الغذائية.
ومع ذلك، هذه ليست الصورة التي تسوق لنا عن الخضرية. لماذا؟ ببساطة، لأنها صورة غير قابلة للتسويق بالقدر نفسه. هل ترى أي شخص يحاول جعل علبة حمص بسعر 55 بنساً جذابة؟ ماذا عن علبة حبوب كانيليني بسعر 65 بنساً؟ أو كيلوغراماً من الجزر بسعر 50 بنساً؟ بالطبع لا. وربما هذا جزء من المشكلة. في هذه المرحلة، نحن جميعاً نعلم أن النباتية والنباتية الصرفة هما نمطان غذائيان أكثر صداقة للبيئة لاعتمادهما من النظام الغذائي اللاحم. في الشهر الماضي، على سبيل المثال، أظهرت دراسة واحدة أن النظم النباتية الصرفة تنتج ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تنتجها النظم العالية في اللحوم. وأظهر الباحثون من جامعة أكسفورد الذين درسوا عادات تناول الطعام لدى 55 ألف شخص أن اعتماد نظام غذائي قائم على النباتات له تأثير بيئي أقل بكثير في استغلال الأراضي وأخطار تلوث المياه واستهلاك المياه وفقدان التنوع البيولوجي.
بالتالي، لا تزال هناك جاذبية كبيرة لهذا النمط من الحياة، في الأقل من وجهة نظر بيئية. في الواقع، يمكنك أن تجادل أنه نظراً إلى التقارير الأخيرة عن الطقس المتطرف في جميع أنحاء العالم، فإنه أكثر ضرورة من أي وقت مضى. ولا يزال الناس يخوضون غمارهم فيه – في شهر فبراير (شباط) الماضي، أفادت منظمة “فيغانواري” Veganuary أن أكثر من 700 ألف شخص شاركوا في تعهدهم السنوي لاعتماد النظام الخضري لمدة شهر.
قد يكون مفهوم تناول “اللحوم النباتية” هو الذي يتلاشى من الأذهان بدلاً من الخضرية نفسها، كما يقترح مارك سامرز، مؤسس المطعم النباتي بوبالا Bubala. ويقول “دائماً شعرت بأنه مفهوم غريب، محاولة تقليد منتجات اللحوم بدلاً من التركيز على الخضراوات ذاتها ومحاولة إظهار أفضل ما فيها”.
لا يساعد الأمر أن إنتاج بدائل اللحوم النباتية أمر مكلف أيضاً. “الكلف مرتفعة وأشعر بأنه كان مبتكراً وجديداً في ذلك الوقت ولكنه ليس شيئاً يمكن أن يلبي الطلب على المدى البعيد”، يضيف سامرز، الذي لطالما تجنب استخدام منتجات اللحوم الاصطناعية في أطباقه، مفضلاً الخضراوات والأطعمة الأخرى النباتية بطبيعتها بدلاً من ذلك.
ويتابع “يمكن أن يكون الطعام النباتي والنباتي الصرف ميسراً أثناء أزمة كلفة المعيشة”، مضيفاً “فقط أنظر إلى رف الخضراوات في السوبرماركت المحلي في منطقتك بدلاً من المنتجات المعالجة. إذا كنا مبدعين باستخدام الخضاوات، هناك كثير من الطرق لإعداد أطباق رائعة تكون أرخص بكثير من نظرائها من منتجات اللحوم النباتية”.
لذلك، مع استمرار انحسار “بيوند ميت” ومنتجات نباتية أخرى من الثقافة السائدة، ربما لا ينبغي لنا أن نستبعد الخضرية تماماً، وبدلاً من ذلك نعيد التفكير في كيفية مقاربتها [من جديد]. بالتأكيد، قد يتطلب الأمر جهداً أكثر لإعداد وجبة مثيرة من علب بقوليات وخضراوات. ولكنه أمر ممكن، ومن يعلم، إذا قمت بذلك بشكل صحيح، ربما توفر المال بدلاً من تبذيره.