رأي

هل وصلت إيران للقنبلة النووية بالفعل؟

كتب خالد أبو بكر, في “الشروق” :

على وقع الحرب الدائرة فى الشرق الأوسط والهجوم المتبادل بين إيران وإسرائيل والذى جرى تنسيقه وهندسته أمريكيا، افتتح مجلس محافظى الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعماله الإثنين الماضى، وفى ذلك المجلس يمكن للمراقب أن يتبين مواقف اللاعبين على تنوع مشاربهم فيما يخص الأزمات المتعلقة بالسلاح والتكنولوجيا النووية وقضايا الانتشار النووى فى العالم.
اللافت منذ اللحظات الأولى أن الترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، وألمانيا) أعلنت اعتزامها التقدم بمشروع قرار أمام المجلس الذى ينهى أعماله بعد غد الجمعة، يدين إيران لعدم تعاونها مع الوكالة، وفى حيثيات ذلك التوجه الأوروبى أن «الوضع فى إيران خطير للغاية»، وأنها تعرقل جهود وكالة الطاقة الذرية فى التأكد من سلمية برنامجها النووى، وأن ذلك البرنامج يفتقد إلى الشفافية، بعد منع وصول المفتشين إلى الكثير من المواقع، وانتهاج سياسة كسب الوقت والمماطلة التى تتبعها طهران، التى وصلت حد استغلال حادث مقتل رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسى ووزير خارجيته لربح المزيد من الوقت.
بحسب دبلوماسيين غربيين فإن إعلان إيران عن أنها «قد تراجع عقيدتها النووية» على لسان القائد الكبير بالحرس الثورى الإيرانى، أحمد حق فى أبريل الماضى، عزز الشكوك بشكل لا مثيل له بشأن وصول طهران بالفعل لـ«نقطة اللاعودة» نحو إنتاج القنبلة النووية، لتصبح الدولة العاشرة فى نادى الدول التى تمتلك ذلك السلاح الفتاك، إلى جوار: روسيا، الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، الصين، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، وإسرائيل.
التوجه الأوروبى نحو إدانة إيران لعدم التعاون مع وكالة الطاقة الذرية، واجهته طهران بتصعيد مماثل زاد من الشكوك بشأن وصولها بالفعل إلى امتلاك سلاح نووى، فحذّر على شمخانى، المستشار السياسى للمرشد الأعلى الإيرانى على خامنئى، قبيل انعقاد مجلس المحافظين من خلال حسابه على منصة إكس X من أنه إذا «تبنت بعض الدول الأوروبية المضلَّلة موقفا عدائيا تجاه إيران.. فى مجلس المحافظين، فإنها ستواجه ردا جديا وفعالا من بلادنا».
*
رفائيل جروسى، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية من خلال كلمته الافتتاحية فى اجتماع مجلس محافظى الوكالة عزز من المخاوف الغربية بشأن إيران من خلال تأكيده على عدم تعاونها مع الوكالة، ومن ضمن ما قاله فى ذلك الصدد: «إن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب يتزايد باستمرار، بما فى ذلك المخزون المخصب بنسبة تصل إلى 60% (القريب من النسبة المطلوبة لإنتاج قنبلة نووية) وفقدت الوكالة استمرارية المعرفة فيما يتعلق بإنتاج وجرد أجهزة الطرد المركزى، والماء الثقيل، وتركيز خام اليورانيوم. لقد مرت أكثر من ثلاث سنوات منذ أن توقفت إيران مؤقتًا عن تطبيق بروتوكولها الإضافى، وبالتالى فقد مرت أيضًا أكثر من ثلاث سنوات منذ أن تمكنت الوكالة من إجراء وصول تكميلى إلى إيران».
وأضاف جروسى أنه «بخصوص اتفاقية ضمانات معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مع إيران لم يتم إحراز أى تقدم فى حل قضايا الضمانات المعلقة. ولم تقدم إيران للوكالة تفسيرات موثوقة من الناحية التقنية لوجود جزيئات اليورانيوم الناجمة عن نشاط بشرى فى موقعى فارامين وتركيز آباد غير المعلنين، ولم تبلغ الوكالة بالموقع (المواقع) الحالى للمواد النووية و/ أو المعدات الملوثة. ويؤسفنى بشدة أن إيران لم تتراجع بعد عن قرارها بمنع العديد من مفتشى الوكالة ذوى الخبرة من دخول إيران».
*
هذا الغضب الأوروبى العارم حيال طهران، يقابله هدوء أمريكى حذر، جرى تفسيره فى أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى فيينا بأن واشنطن لا تريد المزيد من إشعال الموقف فى الشرق الأوسط بالتصعيد ضد إيران فى وقت تحاول فيه التوصل لوقف لإطلاق النار فى الأراضى الفلسطينية، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تتخذ خطوات كبيرة فى هذا الملف إلا بعد انتهاء الانتخابات الأمريكية المقررة فى شهر نوفمبر المقبل، وهو ما يراه حلفاؤها الأوروبيون فترة طويلة لا يمكن أن تترك فيها إيران تمارس لعبة المماطلة مع الوكالة والمجتمع الدولى.
الملاحظ أن واشنطن ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية جروسى يريان أن زيادة الضغط على إيران فى الظروف الراهنة قد تدفع بالأخيرة للمزيد من التشدد والإقدام على تصنيع السلاح النووى إذا لم تكن بعد قد صنعته، وأن الأمريكان من خلال المحادثات السرية مع طهران قد يعودون معهم لـ«لعبة الاحتواء» بعد الانتخابات الأمريكية المقبلة فى حال نجاح بايدن عبر إحياء المفاوضات فى فيينا، للبناء على التفاهمات الكبيرة التى وصلت بينهما مؤخرا، خصوصا فى تنسيق وهندسة الهجوم الإيرانى على إسرائيل فى أبريل الماضى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى