أبرزرأي

هل نصل إلى تسوية السيادة مقابل السلاح؟

حسين زلغوط, خاص – “رأي سياسي”:

أعاد دخول الموفد الأميركي توم براك إلى دائرة الاتصالات السياسية حول لبنان، فتح باب النقاش حول إمكانية بناء تسوية جدّية تضع السلاح تحت سقف الدولة، مقابل توفير ضمانات اقتصادية وسياسية للطرف الذي يملكه.
مما لا شك فيه أن براك يعمل على محاولة صياغة “تفاهم ناعم” يعيد ضبط ميزان القوى في لبنان، تحت عنوان: وضع حدّ لدور السلاح خارج الدولة مقابل تقديم دعم اقتصادي شامل، وإعادة دمج لبنان في النظام المالي والسياسي العربي والدولي.
منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في عام 2005، تصاعدت الدعوات إلى حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، خصوصًا بعد اتهام “حزب الله” باستخدام قوته العسكرية كأداة نفوذ داخلي وإقليمي. لكنّ كل المحاولات الإصلاحية والدولية، من قرارات مجلس الأمن (1559، 1701) إلى المبادرات العربية والغربية، اصطدمت بجدار الواقع اللبناني القائم على التسويات، لا الحسم.
اليوم، يعاد طرح المعادلة نفسها لكن بزاوية مختلفة: السيادة مقابل شبكة أمان دولية شاملة. بمعنى آخر، إذا تم التفاهم مع “حزب الله” على تقليص حضوره المسلح في الحياة العامة، أو على الأقل ربطه بقرارات الدولة، فإن المقابل سيكون خطة إنقاذ شاملة: ضخ أموال عبر صندوق النقد الدولي، عودة الاستثمارات الخليجية، وتطبيع سياسي واقتصادي مع المحيط العربي.
وفق مصادر سياسية متابعة أن توم براك لا يتصرّف كمبعوث رسمي، لكنه يتمتع بـ”رخصة تفاوض غير معلنة”، تدعمه فيها بعض دوائر القرار في واشنطن وباريس. وهو يحاول استخدام علاقاته الشخصية والمالية لترميم الجسور التي تهدمت بين بيروت والعواصم الخليجية، من جهة، وبين الدولة اللبنانية والدول الغربية، من جهة أخرى.
يُنظر إلى براك كشخصية “غير استفزازية” لـ”حزب الله”، على عكس بعض الوجوه الأميركية السابقة التي اتسمت بالعداء الصريح. هذا ما يسمح له بلعب دور الوسيط الواقعي، الذي لا يطرح نزع السلاح بالقوة، بل التفاهم على تنظيمه سياسيًا مقابل مكاسب ملموسة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكن لـ”حزب الله” أن يقبل فعلاً بالتنازل عن سلاحه ودوره مقابل تسهيلات اقتصادية؟ وهل هناك ضمانات حقيقية بعدم انقلاب موازين القوى لاحقًا إذا خرج من المعادلة المسلحة؟ وهل يثق الحزب – ومعه طهران – بأن الغرب لن يستخدم هذه التسوية كمنصة لتقويض نفوذه؟
لا شك أن لبنان يمرّ بأخطر مراحله، اقتصاديًا وسياسيًا. ومثلما فرضت اتفاقية الطائف نهاية للحرب الأهلية تحت مظلة تفاهم إقليمي دولي، قد تفرض الأزمة الحالية تسوية مشابهة، لكن تحت عنوان مختلف: توازن السيادة والسلاح، لا انتصار أحد على أحد.
إذا نجح توم براك في جمع خيوط هذه المعادلة، فقد يتحول اسمه من رجل أعمال دولي إلى مهندس مرحلة انتقالية لبنانية، تنهي زمن الصراع المفتوح وتدخل البلاد في منطق الدولة. أما إذا فشل، فسنكون أمام نسخة جديدة من مبادرات كثيرة وُلدت ميتة، لأن السلاح بقي أقوى من السيادة، ولأن الخوف أقوى من الثقة.
بين الواقعية السياسية والمثالية السيادية، يقف لبنان على حافة تجربة جديدة. “السيادة مقابل السلاح” قد تكون عنوان المرحلة، لكن نجاحها مشروط بشيء واحد: ثقة متبادلة لا تزال غائبة بين أطراف الداخل والخارج.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى