رأي

هل من سقف لتمسك الدبيبة وحفتر بمقاليد الحكم؟

كتب الحبيب الأسود في صحيفة العرب.

من يتابع تحركات المهندس عبدالحميد الدبيبة والجنرال خليفة حفتر ومواقفها يدرك أن لا أحد منهما ينوي التخلي عن الحكم لا اليوم ولا غدا ولا بعد تنظيم الانتخابات.. هذا إذا انتظمت طبعا.

لا يمكن التنكر لموقع المهندس عبدالحميد الدبيبة كرئيس لمجلس وزراء حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، وكلاعب أساسي في العاصمة طرابلس، وكذلك كصاحب ارتباطات قوية من داخل منظومة التوازنات القائمة مع أغلب العواصم الإقليمية والدولية المؤثرة في الملف الليبي، لاسيما أنه يحظى بالشرعية الدولية، ولديه مفاتيح القرار المالي والاقتصادي وختم التوقيع على الصفقات الكبرى وخاصة في مجالات النفط والغاز.

قبل أيام، أكد الدبيبة، أنه لن يغادر منصبه إلا عبر انتخابات تشريعية ورئاسية، وقال بوضوح تام ضمن فعاليات أيام طرابلس الإعلامية “لن أترك الكرسي إلا لمن يستحق، ومن يقرر هو الشعب، ونحن نسعى للانتخابات”، في إشارة واضحة إلى رفضه البند الخاص بتشكيل حكومة جديدة، الوارد في القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6 في يونيو الماضي والمصادق عليه من قبل مجلس النواب في الثاني من أكتوبر، والذي لا يزال تنفيذه شرطا أساسيا لسلطات شرق ليبيا للانضمام إلى أي مشروع جدي لحلحلة الأزمة السياسية.

أغلب الفرقاء الأساسيين في البلاد يرفضون المشاركة في انتخابات يكون فيها الدبيبة خصما وحكما في نفس الوقت سواء مباشرة أو غير مباشرة، ويرون أن تنظيم الانتخابات في ظل حالة الانقسام الحالية يعني تكريس ذلك الانقسام والسير بالبلاد نحو المزيد من الفوضى. كان الدبيبة قد تجاوز الاتفاق الصادر عن مؤتمر الحوار الوطني الذي جاء به إلى الحكم بعد اجتماع جنيف في فبراير 2021، وأعلن ترشحه للسباق الرئاسي الذي كان مقررا للرابع والعشرين من ديسمبر من ذلك العام، وهو ما ساهم بدور كبير في إلغاء الاستحقاق وترحيله إلى أجل لم يجر تحديده بعد رغم مرور أكثر من عامين عليه.

قال الدبيبة “صحيح أن الكرسي له جاذبيته، لكن سأتركه” لكنه كلام للاستهلاك الإعلامي فقط، وهو يدرك جيدا أنه جاء للحكم ليبقى فيه، وأنه لا يمثّل نفسه وإنما يمثل قوى سياسية واجتماعية ولوبيات اقتصادية ومالية وشبكات علاقات إقليمية ودولية، وهو يقدم نفسه في كل الأحوال على أنه رجل التوافقات، وهو أكثر مدنية من القوى المدنية، وأكثر سلفية من أنصار “شيخه” الصادق الغرياني، ولديه قدرات واضحة على ملاعبة أمراء الحرب وقادة الميليشيات وضمان ولائهم لشخصه وأسرته، كما بإمكانه كسب ورقة القوى الناعمة من خلال شبكة علاقات واسعة يديرها وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية وليد اللافي الذي يعتبر أحد أبرز العقول المدبرة لكل ما يجري في طرابلس وانطلاقا منها.

لن يتخلى الدبيبة عن السلطة، وهو الذي يمتلك “عصا الغرياني” التي يتوكأ عليها ويهش بها من حوله كما حدث لمواجهة خلافه الحاد مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، ولديه المال الذي لا يحتاج إلى غيره في ترتيب وترطيب علاقاته مع الميليشيات، ولديه الجرأة على ممارسة السلطة من خارج الشرعية البرلمانية والاتفاق السياسي، كما لديه رصيد مهم من الدهاء الذي يستعمله في المساهمة بدور كبير في تكتيكات تأجيل الحل، ومن ليونة الحركة في كل الاتجاهات، بحيث يستطيع الظهور تماما بعكس ما يضمر، كأن يكون داعما أساسيا لتنظيم الانتخابات، وساعيا من وراء الستار لعرقلتها اعتمادا على شبكات كبيرة من عناصر وآليات التأجيل أو الإبطال.

وبالرغم من أن بعض مراكز النفوذ في مصراتة، ومن بينها تلك التي يمثلها رجل الأعمال محمد الطاهر عيسى، تسعى إلى تسمية شخصية توافقية لتشكيل حكومة جديدة، إلا أن هناك نقطة معينة تخدم الدبيبة، وهي أن الفعاليات الاجتماعية في المدينة ترفض بشكل قاطع تعريض السلم الأهلي للتهديد المباشر أو غير المباشر، وترى أن من المعقول أن تقوم حرب أهلية بسبب الصراع على الحكم بين أبناء مصراتة، خصوصا بعد النجاح في احتواء الخلاف السابق بين الدبيبة والرئيس السابق لحكومة الاستقرار المنبثقة عن مجلس النواب فتحي باشاغا الذي استقال من منصبه في مايو 2023.

يستفيد الدبيبة من جملة حسابات إقليمية ودولية من بينها تقديمه نفسه للعواصم الغربية وفي مقدمتها واشنطن، إنه يمكن أن يكون أمينا على المسار الديمقراطي ويتبنى خيار الدولة المدنية ويتصدى للنفوذ الروسي ويضمن الأمن والاستقرار في منابع النفط والغاز، ويؤمّن مصالح الأصدقاء المقربين الذين يعرف ما يمكن لهم من دور في تكريس بقائه في السلطة وخاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية والعربية المؤثرة.

وبالمقابل، يتمترس الجنرال خليفة حفتر وراء مشروعه السياسي في مناطق نفوذ قواته بشرق وجنوب البلاد، وهو ينطلق في ذلك من نجاحه في مواجهة الإرهاب وتحرير مدن كبنغازي ودرنة من الجماعات المسلحة التي كانت تهدف منذ العام 2011 إلى تحويل ليبيا إلى دولة دينية تحكمها ميليشيات متشددة تحاول أن تفرض على الشعب نمطا اجتماعيا وثقافيا مستوردا، وقد دشنت مسارها نحو هدفها باغتيال المئات من الضباط العسكريين والأمنيين ومن الناشطين السياسيين والحقوقيين والإعلاميين ومن أئمة المساجد والقضاة والصحافيين والزعماء القبليين وغيرهم، وهو ما جعل القيادات الاجتماعية ووجهاء القبائل والأعيان يتجهون إلى الجنرال حفتر في أوائل العام 2014 ليطلبوا منه إعلان الحرب على تلك الجماعات، وليعلنوا أمامه أنهم مستعدون لدعمه بتوجيه أبنائهم للانخراط في القوة التي سيقودها، وهو ما تم فعلا، كما انضم ضباط وجنود من الجيش السابق إلى القوات التي أطلقت في مايو 2014 معركة “الكرامة” بحوالي 400 مسلح، لتصبح حاليا جيشا وطنيا قوامه حوالي مئة ألف عسكري.

نجاح حفتر في مهمته، لا يعني أنه لا توجد أسئلة كثيرة تحيط بمشروعه السياسي بعد فرض أبنائه والمقربين منه في المراكز القيادية الأساسية، وآخرهم ابنه أبوالقاسم الذي تم تعينه قبل أيام مديرا تنفيذيا لصندوق إعادة إعمار مدينة درنة والمدن والمناطق المتضررة من الفيضانات المدمرة الناجمة عن العاصفة دانيال التي اجتاحت مناطق الجبل الأخضر في سبتمبر الماضي.

كما أن تقديم صورة الجنرال على أنه القائد والزعيم وصاحب القرار الأول والأخير في مواطن نفوذ قوات الجيش، يطرح إمكانية استجابة تلك القوات لأي خطة عملية لتوحيد المؤسسة العسكرية، وما إذا كان ذلك يحتاج إلى شرط أساسي وهو تبعيتها لحفتر وأبنائه، الأمر الذي لن يقبل به بقية الليبيين وخاصة في المنطقة الغربية، أم أن خيارات الجنرال تؤسس لمشروع أقلمة البلاد، وتحويل المنطقة الشرقية إلى نسخة ثانية من نظام حكم عائلة بارزاني في كردستان العراق.

نجحت حالة الفوضى التي جاءت بها عاصفة الربيع العربي في تكريس دكتاتوريات ناشئة، ولكن بقبول شعبي واسع، فالقبضة الحديدية تعتبر بالنسبة إلى عامة الناس أفضل بكثير من الانفلات الأمني والسياسي ومن انتشار السلاح وتمرد الميليشيات وخضوع البلدان لسيطرة القوى الخارجية، ومن يتجول في مناطق نفوذ الجيش الليبي بقيادة الجنرال حفتر، سيجد نفسه في أجواء آمنة ومستقرة تعطيه انطباعا بأنه يتحرك تحت سيادة دولة قادرة على حماية حدودها وتأمين مقدراتها، وهو ما يسعى الدبيبة لعكسه على واقع المنطقة الغربية ولكن دون جدوى، فوجود الميليشيات المسلحة وانتشار السلاح يمثلان هاجسا حقيقيا للجميع، وكلما قيل إن الأمن استتبب، ترتفع أصوات الرصاص كما حدث أول أيام العام الجديد في تاجوراء، وقبلها في طرابلس وغريان وغدامس والعجيلات وورشفانة وغيرها.

قد يكون الحل المناسب، أو الذي يتم الإعداد له في الخفاء، هو تقسيم البلاد إلى إقليمين هما طرابلس وبرقة، بينما لا يزال الصراع قائما على من سيضع يده على الإقليم الثالث، ومن يتابع تحركات المهندس الدبيبة والجنرال حفتر ومواقفهما يدرك أن لا أحد منهما ينوي التخلي عن الحكم لا اليوم ولا غدا ولا بعد تنظيم الانتخابات، هذا إذا انتظمت طبعا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى