هل من أوراق يمتلكها العرب لثني ترامب عن مقترحه بشأن غزة؟

كتب محمد فرحان في DW.
لم تكن منطقة الشرق الأوسط لتستوعب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن سيناريو “نقل” سكان غزة، حتى أصدر العائد إلى البيت الأبيض مرة أخرى تصريحات أثارت الجدل وصدمة في المنطقة لا تقل عن صدمة تصريحاته السالفة.
فخلال مؤتمر صحافي مع ضيفه رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، اقترح ترامب أن تسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة. وقال ترامب “ريفييرا الشرق الأوسط. هذا شيء يمكن أن يكون بالغ الروعة”.
وبعد دقائق من تصريحات ترامب، خرجت ردود فعل عربية رافضة لما يقترحه الرئيس الأمريكي. في إطار الرفض العربي فكرة نقل الفلسطينيين من غزة إلى خارجه.
ركائز الرفض العربي
ويرى أشرف العشري، الكاتب ومدير تحرير صحيفة “الأهرام” المصرية، أن الغضب الذي أثاره مقترح ترامب “يأتي في إطار الضغوط العربية سواء أكانت شعبية أو رسمية”.
وأضاف في مقابلة مع DW عربية أن الدول العربية قد ترتكن في رفضها على حجم التعاون مع واشنطن، قائلا: “قد تقدم الدول العربية على ما يشبه كبح أي نوع من التعاون مع الجانب الأمريكي فيما يتعلق بالمصالح المشتركة على المستوى الفردي والجماعي مع الدول العربية”.
وقال “هنا سيجد الجانب الأمريكي أنه لا مفر من إعادة النظر في موقفه، لأنه سيرصد موقفا وإجماعا عربيا واسع النطاق برفض التعاون معه، لذا سيعيد النظر في أي مبادرة لا تتفق مع إبقاء الفلسطينيين على أرضهم”.
ولم تقتصر ردود الفعل الغاضبة من تصريحات ترامب على الجانب العربي، بل امتدت البيانات المنددة من حلفاء واشنطن وحتى خصومها على الساحة الدولية.
بدائل الدول العربية؟
بيد أن تصريحات ترامب لم تثر فقط ردود فعل عربية منددة، وإنما أيضا تساؤلات حيال الخطط العربية البديلة عن سيناريوهات ترامب بشأن مستقبل قطاع غزة ومدى نجاعتها.
فقبل أيام، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إن القاهرة لديها رؤية واضحة لإعادة إعمار غزة “دون خروج أي مواطن من أرضه”.
وأضاف عبد العاطي “لدينا رؤية واضحة في إعادة إعمار غزة ولدينا توافق عربي في هذا الشأن، ونتحدث مع الأمم المتحدة في هذا الإطار”.
وفي تعليقه، قال أشرف العشري إنه “عندما يلتقي (العاهل الأردني) الملك عبد الله الثاني و (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي بترامب في الأيام والأسابيع القادمة، سيعرضون عليه هذه الخطة. هناك توافق عربي على دعم هذه الخطة”.
وأشار العشري إلى “الخطة المصرية والأردنية والعربية المحددة بثلاث أو أربع سنوات ستغير المعادلة وتتيح الفرصة لأموال عربية وأوروبية للمساهمة في إعمار غزة دون نقل شخص واحد من قطاع غزة إلى الخارج”.
وأضاف “ستساهم الدول الخليجية بقسط وافر من المال، بجانب الاتحاد الأوروبي، وصندوق الأمم المتحدة للتنمية والإنماء، وغيره من المنظمات الدولية، والبنك الدولي. هذا الأمر سيؤدي إلى تراجع ترامب خاصة في حالة عقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة”.
ويرى مراقبون أن ترامب قد ضرب عرض الحائط السياسة الأمريكية المتبعة منذ عقود حيال الصراع في الشرق الأوسط.
واعتبرت المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيزي أن خطة ترامب “غير قانونية” و”غير منطقية بتاتاً”.
وأكد المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك على أنّ “الحق في تقرير المصير هو مبدأ أساسي في القانون الدولي ويجب أن تصونه جميع الدول.. أي نقل قسري أو ترحيل للسكان من الأراضي المحتلة محظور تماما”.
وتحكم حماس، وهي جماعة إسلاموية تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى كمنظمة إرهابية، غزة منذ عام 2007.
“مقترحات متأخرة”
ويعتقد ناثان جيه براون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، أن “أي محاولة لثني ترامب عن تقديم الاقتراح متأخرة”. وفي مقابلة مع DW عربية، قال براون، الباحث غير مقيم في مؤسسة كارنيجي، “تم تقديم الاقتراح بالفعل. سوف ترفض هذه الدول استقبال أعداد كبيرة من سكان غزة، مما يجعل الخطة غير قابلة للتنفيذ”.
وأضاف أن “الأردن و مصر لديهما أدوات قليلة لمواجهة ترامب، من المحتمل أن تحاول القاهرة و عمان تنسيق استجابة إقليمية متعددة الأطراف مع تعزيز التنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا لمعارضة اقتراح ترامب”.
وجاء تصريح ترامب بعد اقتراحه الصادم بإعادة توطين سكان القطاع الذين يتجاوز عددهم مليوني شخص في دول الجوار بشكل دائم. وأظهر تقييم للأضرار أصدرته الأمم المتحدة في يناير/ كانون الثاني الماضي أن إزالة أكثر من 50 مليون طن من الأنقاض التي خلفها القصف الإسرائيلي في غزة قد تستغرق 21 عاما.
“صفقة سلام إقليمية”
ويرى محللون أن التهجير قضية حساسة جداً سواء للجانبين الفلسطيني أو العربي.
وتعيد أي محاولة لإخراج الفلسطينيين من أرضهم إلى الأذهان ذكرى “نكبة” 1948 عندما نزح مئات الآلاف منهم لدى قيام دولة إسرائيل. فيما تخشى الدول العربية من أن تطلق هذه الخطة رصاصة الرحمة على أمل حلّ الدولتين.
وفي ذلك، قال ناثان جيه براون إن البديل الوحيد القابل للتطبيق الذي قد ينال قبول ترامب ويصرفه عن مقترحه الأخير قد يتمثل في “صفقة سلام إقليمية تشمل إقامة دولة فلسطينية”.
وأضاف “لكن إذا كان الوعد بدولة فلسطينية حقيقيا، فإن إسرائيل ستقوضه أو ترفضه”.
وشدد الباحث غير مقيم في مؤسسة كارنيجي على أن “الضغط الشعبي لن يعني شيئا لترامب، لكن ما سيخلق التأثير عليه هو الخروج بنهج دبلوماسي منسق وقوي”.