هل للملف الرئاسي مكانا في مساعي موسكو؟

إن الحراك السعودي باتجاه روسيا للبحث في الملف الرئاسي اللبناني جديد نسبيا ولو كان غير معلن، إذ أن روسيا تشكل لاعبا أساسيا مباشرا في الاستحقاق اللبناني، بمساعدة حلفائها في المنطقة، وتحديدا دمشق التي كانت اللاعب الأبرز لموسكو على مدى سنوات عدة.
والجدير بالذكر، أن هناك تصورا عميقا لدى بعض مراقبي التحركات الروسية-السعودية، أن يكون الأسد حاسم في كثير من النواحي في موضوع ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، ويبدو أنه مستعد لفرض آرائه الجازمة في ما يخص الملف الرئاسي اللبناني، كون السعودية تعمل وروسيا على حلحلة ملف الحوثيين، كما جاء في تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان اليوم، بعد زيارته موسكو، الذي أكد “رغبة بلاده في الوصول إلى تسوية لضمان الأمن والاستقرار في اليمن من خلال وقف إطلاق نار دائم، وإطلاق حوار ينهي الصراع.”

كيف تقارب روسيا الملف اللبناني، وهل سياسة النأي بالنفس ما زالت سارية المفعول؟
التعويل بقدر كبير على المفاوضات السعودية-الحوثية التي تتقدم بوساطة سورية ومباركة ايرانية ورعاية روسية، إذ تضع موسكو والسعودية في مفاوضاتها قائمة أولية بالملف الرئاسي اللبناني الذي سيذهب ضحيته مقايضة يركز المفاوضون فيها على إعطاء حزب الله حقه في لبنان بتعيين رئيس.
وفي التفاصيل، بعد إعلان الثنائي الشيعي عن موقفه الواضح في ترشيح فرنجية رئيسا للجمهورية، فقد كان التعويل بقدر كبير على المفاوضات السعودية-الحوثية التي تتقدم بوساطة سورية ومباركة ايرانية ورعاية روسية، إذ تضع موسكو والسعودية في مفاوضاتها قائمة أولية بالملف الرئاسي اللبناني الذي سيذهب ضحيته مقايضة يركز المفاوضون فيها على إعطاء حزب الله حقه في لبنان بتعيين رئيس.
وبما أن لبنان هو البلد الوحيد في الشرق الأوسط، حيث يمكن لموسكو الاعتماد على مجتمعه المسيحي، ومع وجود الكنيسة الأرثوذكسية التابعة لبطريركية أنطاكية حاليا، إذ يشكل المجتمع الأرثوذكسي حوالي الثمانية في المئة من سكان لبنان، يرأسهم غسان حاصباني، إلياس أبو صعب، يعقوب الصراف، والذي بحسب ما ذكرته وسائل الاعلام الروسية أنه يعمل على بيع الأسلحة الروسية إلى لبنان، فإن بوتين يتبع المثل القديم القائل ب”عدم وجود أعداء دائمين ولا أصدقاء دائمين”، ويعمل على تعزيز المزيد من الهستيريا المعادية لأمريكا مع الحفاظ على شرعيتها التي تسمح له بالتوسع أكثر في الشرق الأوسط ولا سيما في لبنان الداعم لطهران في ظل تمسكها بالبرنامج النووي، إضافة إلى وجود عينات من اليورانيوم المخصب بنسبة 84 في المئة.
إصرار ايران والسعودية على السيطرة التامة على الموقع الرئاسي
إن إصرار السعودية وايران على السيطرة التامة على الموقع الرئاسي الأول في لبنان بمساعدة حزب الله ما هي إلا ورقة ضاغطة تدفع باتجاه تسهيل ملف السعودية والحوثيين على قاعدة “خذ وأعطي”، عبر شخصية من صلب الفريق اللاعب.
فقد اعتبر معظم اللبنانيون أن مع انتهاء ولاية مرشح حزب الله الرئيس السابق ميشال عون ستنتهي سيطرة حزب الله لموقع رئاسة الجمهورية، غير آبهين أساسا للتقلبات الخارجية التي تفصل في أي استحقاق انتخابي في لبنان.
ومع مواصلة حزب الله تمسكه بالاستحقاق الرئاسي الذي يعتبر نقطة التوازن والارتكاز الرئيسية في النظام اللبناني إلى جانب حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري المتحكم بالبرلمان، تتخذ المفاوضات الروسية بالفعل الخطوة الأولى تجاه تحقيق أهداف ايرانية تسهل مهمة تغيير وجه لبنان التاريخي لإقامة نظام جديد.
ويكون النظام الايراني قد حصل على مبتغاه بتغطية من روسيا بعد تقديمهما جائزة الترضية للسعودية وأوصل رئيس جديد للجمهورية من صلب الخط التي لا تقبل ايران تخطيه.
الملف السعودي- الحوثي جزء لا يتجزأ من الملف الرئاسي اللبناني
إن مسارعة حزب الله وحركة أمل إلى إعلان ترشيح فرنجية بهذه الطريقة والأسلوب الحاسم، يدل على أن موسكو وضعت لبنان “الورقة الضاغطة” هدفا لها بطريقة ممنهجة وبالتناغم مع كل من السعودية وايران، وعلى الرغم من سعادة ايران بملاحقة الملف اللبناني فقد اعتبرت السعودية أن الملف الحوثي أولوية على الملف اللبناني الذي ستخرج منه خاسرة بعض الشيئ بما يمثله الرئيس الحليف من تهديد مباشر لها، لا سيما أنها تحدت اقترابه من كرسي الرئاسة معتبرة أنه لا يتمتع بمواصفات الرئيس السيادي والاصلاحي.

موقع رئاسة الجمهورية مرحلة”ضاغطة” من مراحل انتاج تسوية سعودية-حوثية
بناء على تقدم، يبدو أن معركة رئاسة الجمهورية قد فتحت باكرا، فالملفات الإقليمية -الدولية لم تنته بعد في مواجهة روسيا والدول التي من المحتمل أن تشن حربا في أي وقت تطلب منها الولايات المتحدة الأميركية ذلك، مع العلم أن أي اتفاق يتمحور حول حرب إقليمية يضمن اتفاق أميركي-روسي شامل عبر فتح قنوات على خط دمشق ولبنان، كما أن موضوع الحوثيين والسعودية حاله حال النفط والغاز في لبنان، عليه أن يمر بمراحل عدة من بينها الملف الرئاسي اللبناني كي يتضح مساره الحقيقي. ويبقى السؤال، هل من تسويات أخرى سيدفع ثمنها لبنان في الملف السعودي والحوثي الذي تعمل عليه موسكو بغطاء أميركي؟