هل لـ”حزب الله” مصلحة في إجراء الانتخابات في موعدها؟
كتب شركيس نعوم في صحيفة “النهار”:
تعتقد جهات غربية متنوّعة أن #الانتخابات النيابية المقرّر إجراؤها في لبنان في الخامس عشر من شهر أيار المقبل، لن تعيد الى مجلس النواب الغالبية الحالية التي تقودها “الثنائية الشيعية” والتي يبلغ عدد نوّابها بين 70 و72. لكنها تعتقد في الوقت نفسه أن أخصامها أو أعداءها لن يفوزوا بالغالبية في مجلس النواب المقبل أيضاً، إذ إن المعلومات المتوافرة لديها، سواء من استطلاعات رأي جدّية على قلّتها أو من اتصالات مباشرة مع الأطراف السياسيين المتنوعين الذين يستعدون لخوض المعركة الانتخابية، تشير الى أن “الثنائية الشيعية” وحلفاءها من المسيحيين والسنّة والدروز سوف تنجح في إيصال أقلية نيابية كبيرة الى مجلس النواب المقبل لا غالبية مماثلة للتي كانت لها في المجلس الحالي المشارفة ولايته على الانتهاء. وتشير أيضاً الى أن أياً من الجهات المعادية للـ”الثنائية” المذكورة لن تنجح في “تشليحها” الغالبية النيابية. يعني ذلك أن مجلس النواب المقبل سوف يتكوّن من أقلية كبيرة تقودها “الثنائية الشيعية”، وأقليات صغيرة، واحدة مسيحية وأخرى سنّية وثالثة درزية ورابعة تمثّل المجتمع المدني غير الموحّد طبعاً و”ثوار” 17 تشرين الأول 2019 غير الموحّدين أيضاً. ووضع كهذا لا يريح “الثنائية الشيعية” على الإطلاق بقطبيها “#حزب الله” و”حركة أمل” لأنه يعني أنها ستضطرّ في مجلس النواب المقبل الذي يُفترض أن يتخذ قرارات مهمة عدّة أبرزها انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لأن تسعى الى تسويات وتفاهمات من أجل الاتفاق مع الأخصام والأعداء والحلفاء عليه. وهي قد لا تستسيغ هذا الأمر ولا سيما بعدما نجح الشريك الأقوى فيها أي “حزب الله” بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في تعطيل انتخاب خلف له في قصر بعبدا سنتين وبضعة أشهر، ثم في إيصال حليفه مؤسّس “التيار الوطني الحر” ميشال عون رئيساً للبلاد. طبعاً كان ذلك ممكناً لو لم تسهم تطورات داخلية عدّة في إقناع أخصام لـ”الحزب” مثل “القوات اللبنانية” و”تيار المستقبل” وآخرين، بالالتقاء مع “حزب الله” على ترئيس عون.
طبعاً ربما يستشعر “الحزب” نتيجة كهذه ولذلك فإنه بدأ يعدّ نفسه لتقبّلها وللتعامل معها، وذلك من خلال مواقف إعلامية وتصريحات تشير الى التوافقية في سمة لبنان لا الغالبيات، وتعطي أدلّة على ذلك أبرزها حصول فريق 14 آذار على غالبية نيابية في مجلسي 2005 و2009 وعجزه رغم ذلك عن تنفيذ سياساته ومشروعه، كما عن إيصال رئيس جمهورية ينتمي إليه وحده. لكنه أي “حزب الله” لا يشعر بالارتياح لنتيجة كالتي فُصّلت أعلاه. الى ذلك تفيد معلومات داخلية أن هناك أمراً آخر يُقلق الشيعة عموماً في الانتخابات النيابية المقرّرة بعد أشهر، هو مشاركة الاغتراب اللبناني في الانتخابات تصويتاً وحتى ترشيحاً. فمن جهة يرجّح، استناداً الى عدد الذين سجّلوا أسماءهم منه للتصويت في الدوائر الانتخابية الخمس عشرة داخل لبنان بعد إلغاء مجلس النواب موقتاً الدائرة السادسة عشرة التي تضم المغتربين والمنتشرين في كل العالم والذين كان يفترض أن ينتخبوا ستة نواب ينضمون الى الـ128 نائباً المنتخبين داخل لبنان. يرجح في التحليل الأولي لتصويت المغتربين في الدوائر الـ15 الداخلية أن أخصام أو منافسي “حزب الله” وربما شريكته “أمل” وحليفه “التيار الوطني الحر” قد يحقّقون مكاسب انتخابية مهمة من جرّاء تصويت هؤلاء. وهذا أمر غير مرحّب به طبعاً. إلا أن هناك أمراً آخر يقلق “الثنائية الشيعية” ولا سيما “حزب الله” من اشتراك المغتربين اللبنانيين في الانتخابات سواء الداخلية أو الأخرى التي تجري في مناطق اغترابهم وتمكّنهم من انتخاب ستة نواب يمثلونهم. وهو أن عين الولايات المتحدة ووزارة خزانتها وحتى الغرب الأوروبي ستتركّز على الناخبين الشيعة في أماكن اغترابهم سواء في أفريقيا أو في الولايات المتحدة أو في أميركا الجنوبية أو في أوروبا وحتى في الدول العربية ودول آسيوية أخرى. والهدف من ذلك زيادة المعلومات عن المنتسبين منهم الى “حزب الله” و”أمل” وعن إسهاماتهم في تمويلهما كما عن اشتراكهم معهما ولا سيما مع “الحزب”، في أعمال منتشرة في كل العالم شرعية وغير شرعية يعود ريعها وربحها إليهما معاً. من شأن ذلك إصابة أعمال شيعة الاغتراب بعطب أساسي وربما إثارة استياء هؤلاء من “الثنائية” والتسبب بانفضاض البعض عنها.
الى ماذا يمكن أن تؤدّي كل هذه الحسابات؟ تفيد معلومات الداخل اللبناني أن الحسابات المذكورة ربما تقلّص رغبة “حزب الله” في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وربما تدفعه الى إقناع حلفائه بإرجائها الى السنة المقبلة بعد التمديد للمجلس النيابي الحالي سنة على الأقل. بذلك يتخلّص من إحراج كشف أعضائه ومناصريه ومحبّيه في الخارج والتسبّب في الوقت نفسه بخراب بيوتهم وأعمالهم، كما يتخلّص من احتمال عدم نجاحه في تكوين غالبية نيابية في المجلس الجديد. ويحتفظ بالكلمة الوازنة له ولشريكته “أمل” في انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة.
طبعاً لا شيء نهائي حتى الآن على هذا الصعيد، فالجميع يتصرّفون على أساس أن الانتخابات ستحصل في موعدها. لكن المفاجآت تبقى واردة في لبنان ولا سيما إذا التقت مصالح جهات كثيرة على إرجائها.