هل سنشهد عودة قوية للمحاور السياسية من بعد الضربة الشعبية؟
تُجري كل قوة سياسية حساباتها الإنتخابية حيث بدأت ماكيناتها بإحصاء الأصوات وتقدير حجم التراجع الذي “ضربها” بعد انتفاضة 17 تشرين.
ومن بين هذه القوى، يدخل الحزب “التقدمي الإشتراكي” على الخطّ، صحيح أن النائب تيمور جنبلاط هو رئيس “اللقاء الديموقراطي”، إلا أن والده وليد جنبلاط لا يزال المخطط الأول لزعامة المختارة وللخريطة السياسية التي يجب أن يسير عليها. يحاول جنبلاط الأب السير بين النقاط في بلد التقلبات والوحول، فقد اختار بعد حادثة الطيونة زيارة صديقه الرئيس نبيه برّي لتعزيته والوقوف على خاطره، ولم يقصد معراب متضامناً مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع خصوصاً بعد محاولة استدعائه إلى اليرزة. لكنّ جنبلاط الذي لا يستطيع العيش من دون بُعد إقليمي، يُدوزن حساباته بطريقة توفّق بين البعد الإقليمي وبين مصالح الداخل.
وفي السياق، كان الزعيم الدرزي أول من أعلن نيّته التحالف مع “القوات اللبنانية” في الجبل في الإنتخابات النيابية، ثمّ أكّد ضرورة عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان من أجل إستكمال المعركة وعدم السماح بوقوع البلد في يد المحور السوري – الإيراني.
وفي قراءة للموقف الجنبلاطي، فإن زعيم المختارة، يضرب على الوتر السياسي والإنتخابي في آن واحد، ويحاول التنسيق بين مصلحته الإنتخابية والسياسية، ويعلم جيداً مدى الغضب السعودي على الحريري، لا بل هو كان أول من كشف أن الرياض لا تريد الحريري في السراي ودعاه إلى التراجع عن التكليف وقال له “إذا كنت تريد أن تنتحر فاذهب وحدك إلى الإنتحار ولا تأخذنا معك”. وعلى رغم معرفة جنبلاط بالغضب السعودي على الحريري، إلا أن تحالفه مع تيار “المستقبل” في ظلّ القانون النسبي أكثر من ضروري، فهو بحاجة إلى فائض الأصوات السنية في إقليم الخرّوب كي يضمن المقعدين الدرزيين في الشوف ولا يُخرق من الوزير السابق وئام وهاب، وكذلك هو بحاجة إلى أصوات “المستقبل” في بيروت الثانية للحفاظ على المقعد الدرزي لأن أعداد الدروز هناك قليلة مقارنة بالحاصل الإنتخابي، والأمر نفسه ينطبق على دائرة البقاع الغربي وراشيا حيث أن تحالف جنبلاط مع “المستقبل” ضروري لتأمين فوز النائب وائل أبو فاعور.
وجنبلاط يعرف جيداً مدى العلاقة القوية التي تربط “القوات” بالسعودية، لذلك فإن التحالف معها إنتخابياً يُكسبه رضى سعودياً وخليجياً، من هنا أتى الإعلان الجنبلاطي عن النية بالتحالف مع “القوات” لعله يخفّف بعض الغضب السعودي في حال بقي موقف المملكة متصلّباً تجاه الحريري.
ومن جهة ثانية، فإن جنبلاط بحاجة إلى حليف مسيحي قوي في الجبل، و”القوات” لديها وجودها وتتنامى، وإذا إستطاع نسج مثل هكذا تحالف ثلاثي، فإن بإمكانه تحصين الجبل من خرق كبير لقوى تنافسه على الساحة الدرزية.
عندما سار جنبلاط بحكومة ميقاتي في العام 2011 إنفصل عنه عدد من نواب “اللقاء الديموقراطي”، فأطلق على كتلته اسم “جبهة النضال” ولم يبق معه سوى 6 نواب، لكن تأثيره السياسي بقي كما هو، لذلك فإن الدور لا يرتبط بعدد النواب بل بالوجود والتأثير، لذلك هو يحاول التوفيق بين الحجم بالتحالف مع “المستقبل” وبين السياسة والإمتداد العربي والخليجي بالتحالف مع “القوات”.