هل سنشهد تعيين في حاكمية مصرف لبنان؟

في مشهد سياسي قد يبدو في بداية مرحلة مظللة بالاحتقان والتأزم، عاد ملف تعيين حاكم مصرف لبنان ليشكل محور الخلافات بين القوى السياسية و هو ما سبق ان اعتاده اللبنانيون، مما ألقى بثقله على زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت. وبينما هدفت الزيارة إلى التحضير لزيارة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون إلى باريس، اتجهت الأنظار الى الأزمات الداخلية اللبنانية التي بدأت تلوح في الأفق، وعلى رأسها ملف التعيينات، وهو ما يعكس تعقيدات المشهد السياسي اللبناني ومدى تداخل العوامل الخارجية بالمصالح المحلية. ليبدأ الحديث عما اذا كان سيُطلب العون من فرنسا للمساعدة على تحقيق اختراق في هذا الملف متجاوزتًا الحسابات الداخلية التي قد تبقى العائق الأكبر أمام أي خرق.
جاءت زيارة لودريان في سياق سعي فرنسا لحجز موقع لها في إعادة إعمار لبنان، وسط محاولات موازنة الحضور الأميركي المتنامي في المنطقة. لكن العقبة الأكبر التي تواجهها باريس ليست فقط في الجانب الاقتصادي، بل في تعقيدات المشهد السياسي اللبناني، حيث تسعى الأطراف المحلية والدولية لتأمين مصالحها في أي تسوية مرتقبة.
وبرز التحدي الأكبر في الخلاف حول تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وهو منصب حيوي في ظل الأزمة المالية الحادة حيث قد تحول المواقف الداخلية اللبنانية دون حسم الملف. ومع استمرار التجاذبات بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، يبدو أن التعيين سيبقى رهينة المفاوضات والمساومات السياسية. فيما يؤكد مسؤولون أميركيون وأوروبيون على سياسات بلدانهم تجاه لبنان و التي تتلخص بأن واشنطن وباريس ودول الخليج متّفقة على الحفاظ على الحياد والامتناع عن دعم أي مرشّح لمنصب حاكم مصرف لبنان.
يرى مراقبون أن إصرار الرئيس جوزاف عون على طرح اسم كريم سعيد لمنصب الحاكمية، يقابله رفض رئيس الحكومة نواف سلام لهذا الخيار، يعكس أزمة أعمق تتعلق بالصلاحيات وتقاسم النفوذ. وإذا ما استمر التصعيد، فإن ذلك قد يؤدي إلى تعطيل العمل الحكومي، وربما يدفع رئيس الحكومة إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددًا، تصل الى حد التلويح بالاستقالة.
في ظل هذا الواقع، تقف فرنسا أمام معضلة معقدة: كيف يمكنها التأثير في القرار اللبناني دون أن تصطدم بالمصالح الأميركية والخلافات الداخلية؟ وهل ستنجح في إقناع المانحين الدوليين بفصل مسار إعادة الإعمار عن الإصلاحات المطلوبة؟
ستحاول فرنسا كعادتها فرض تسوية سياسية تُرضي جميع الأطراف اللبنانية والدولية، دون ان يؤثر التأخير في تعيين حاكم مصرف لبنان على الاستقرار الاقتصادي في البلاد فيما يبرز الخوف من تكرار سيناريو تعطيل التعيينات في مناصب أخرى، و الذي قد يؤدي الى شلل الحكومة.
فإذا ما بدأ الجمود ، يبدو أن لبنان مقبل على مرحلة جديدة من التجاذبات، حيث يبقى ملف التعيينات اختباراً حقيقياً لقدرة الأطراف المختلفة على التوصل إلى تسويات مستدامة. فهل سيفرض الواقع الاقتصادي ضغوطاً تدفع نحو حل قريب، أم أن لبنان سيبقى رهينة صراعاته الداخلية وحسابات القوى الدولية؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة.
*رأي سياسي*