أبرزرأي

هل ستنجح الحرب البرية في غزة؟

كتبت د. نورة صالح المجيم في صحيفة القبس.

وبالتالي السؤال الأهم الآن: هل سينجح الكيان الصهيوني في تحقيق أهدافه في غزة؟ للغزو البري أهداف متعددة، لكن يظل الهدف الأساسي كما أعلن قادة إسرائيل وخاصة نتانياهو ورئيس الأركان الإسرائيلي، هو تفكيك قوة حماس العسكرية وإضعافها تماما. ويتبع نجاح ذلك الهدف، عدة أهداف أخرى، ومنها محاولة السيطرة العسكرية على غزة ولو سيطرة محدودة، تنصيب حكومة مدنية جديدة في القطاع.

بالقطع تعد محاولة استشراف مستقبل العملية البرية في غزة من الأمور المعقدة للغاية، ومحل جدل واسع بين الخبراء العسكريين، حتى الإسرائيليين منهم. ومنبع هذا الجدل معطيات كثيرة، إذ ان موازين القوة الفعلية لا سيما العسكرية ترجح دون نقاشات كثيرة انتصارا لإسرائيل في غزوها البري.

لكن على أرض الواقع الكلام سيكون مختلفا تماما، إذ ستواجه إسرائيل الكثير والكثير من التحديات والصعوبات والضغوط والعراقيل لتحقيق انتصار تام على حماس، أو السيطرة التامة على القطاع.

لا يمكن وصف ما يقوم به الكيان الصهيوني الآن من تحركات عسكرية برية محدودة في قطاع غزة بالحرب البرية. إذ هي مجرد عمليات استطلاع برية لتخويف حماس وقياس رد فعلها ورد فعل الأطراف الخارجية المختلفة الحليفة لإسرائيل والمناوئة لها والأطراف المحايدة، فالحرب البرية الشاملة على وشك الانطلاق ولن تتراجع إسرائيل عنها.
وفقا للمعطيات الاستراتيجية العسكرية، وبالإحالة أيضا إلى سوابق تاريخية لا حصر لها؛ تمثل حروب ما تسمى «العصابات» أو «الشوارع» أي ضد كيانات غير نظامية، أصعب وأعقد الحروب التي تخوضها الجيوش النظامية. وبالإحالة إلى السوابق التاريخية والتي كان اخرها وأبرزها الحرب الأميركية في أفغانستان ضد حركة طالبان، لا تحقق الجيوش النظامية فيها أية انتصارات حقيقية، إذ أقصى ما يمكن تحقيقه هو إضعاف تلك الكيانات شبه العسكرية وبعد سنوات من القتال ذات التكلفة المادية والبشرية الباهظة.

فالحروب ضد الكيانات شبه العسكرية، لا تخضع للقواعد التقليدية للحروب، ولا تنجح معها الوسائل والأسلحة العسكرية التقليدية. إذ تعتمد على حروب المشاة وقتال الشوارع والمعلومات الاستخباراتية، وفيها تستنزف جنود المشاة في عمليات كر وفر لا تنتهى ضد مسلحين يظهرون ويختفون مثل الأشباح.

ستخوض إسرائيل حربا برية في غزة المكتظة بالسكان والمنشآت، ضد مقاتلي حماس الذين يتجاوز عددهم بحسب أقل التقديرات الخمسة آلاف مقاتل، ويختبئون في أماكن متفرقة وانفاق ليس لها خريطة أو حدود معينة، ولا تعرف إسرائيل عنها شيئا والدليل فشلها الذريع الذي كشفته عملية طوفان الأقصى.

وبالتالي ستجابه إسرائيل بمفاجآت كثيرة-وهي تعلم ذلك- في غزوها البري كمائن مسلحة وهجمات خاطفة في جهات متعددة، وإذا نجحت في هذا التحدي، ستواجه التحدي الأصعب هو البحث عن مقاتلي حماس الذي سيرهقها كثيرا، وخوض حروب كر وفر معهم. ناهيك عن أن القتال في شوارع غزة قتال مرهق للغاية.

وعلى هدى ذلك، يمكننا الجزم بأن العملية البرية للكيان الصهيوني لن تكون قصيرة فربما تمتد لأشهر. وهذا يدفعنا إلى التحدي الآخر، وهو قدرة الاقتصاد الإسرائيلي على تحمل تلك الحرب الطويلة في القطاع. فحسب التقديرات يتكبد الاقتصاد الإسرائيلي حاليا خسائر يومية تقدر بالمليار شيكل، جراء استدعاء ما يقرب من 350 الفا من الاحتياطي الذين يمثلون القوة العاملة الرئيسية في إسرائيل، بجانب تكلفة الاستعداد للغزو، والخسائر في قطاعات عدة كالقطاع السياحي.

ومن ثم، فالحرب الطويلة في القطاع ربما ستكبد إسرائيل خسائر تتجاوز نصف تريليون شيكل، مما يضطرها لإيقاف العمليات في غزة دون تحقيق الأهداف المستحيلة.

والحقيقة أن تحديات الغزو البري في غزة كثيرة للغاية لا يتسع المقال لذكرها، وجميعها تشير إلى الصعوبة البالغة في تحقيق الكيان الصهيوني لأهدافه في غزة.

لكن نختم بالقول ان حماس ليست حركة بل فكر مقاومة ضد احتلال مغتصب لأرض. وبالتالي إذا نجحت إسرائيل في القضاء على حماس، ستنشأ ألف حماس أخرى ما دام لا يزال هناك احتلال. وهذا ما يجب أن يعلمه جيدا العقلاء في إسرائيل وهم للأسف أقلية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى