رأي

هل ستتجاوب الفصائل الفلسطينية مع دعوات التهدئة؟

كتب الأستاذ طارق فهمي ل”اندبندنت عربية” :

انتهت وزير الخارجية الأميركي إلى منطقة #الشرق-الأسط وعاد #أنتوني-بلينكن إلى #واشنطن، لتبدأ القاهرة ماراثون جديداً بدعوة #الفصائل_الفلسطينية تباعاً من أجل تقريب وجهات النظر وتثبيت حالة #الهدنة.

القاهرة بدأت بحركة “الجهاد” الإسلامي بهدف الاستماع لوجهة نظرها والانتقال إلى الجانب الآخر مع استمرار الانفتاح على السلطة الفلسطينية عبر تنسيق مصري- أردني من جانب، وتجاه الحكومة الإسرائيلية من آخر، في إشارة إلى أن التحرك يجري في مسارات متعددة وباتجاهات عدة، وبهدف السيطرة على المشهد تخوفاً من انفلات الأمور في أي توقيت.

لكن يبقى التساؤل: كيف تفكر حركتا “حماس” و”الجهاد الفلسطيني” في هذا التوقيت؟ وما وراء تكثيف الاتصالات، واللقاءات الجديدة التي يعمل عليها الوسيط المصري؟ وكيف سيتجاوب معها الجانب الإسرائيلي في توقيت بالغ الأهمية بالنسبة إلى استقرار المنطقة؟

موقف “الجهاد”

تدرك حركة “الجهاد” أن الدخول في أي مواجهة في الوقت الراهن غير محسوبة، وقد تؤدي إلى خسائر كبيرة لجملة من الأسباب، أهمها وجود انقسامات داخل الحركة في التعامل الآني مع إسرائيل. فتيار يرى أن التهدئة مهمة ومطلوبة في الوقت الراهن لاعتبارات تتعلق بالداخل الفلسطيني، والإنصات إلى نصائح الوسيط المصري ولاستمرار حالة التجاذب داخل الحركة والخلافات التي لم تظهر على العلن مع حركة “حماس”، إضافة إلى وضع إيران الراهن في الإقليم، وعدم وجود مساحة كبيرة للمناورة من قبل حركة “الجهاد” في ظل وضعها المالي الراهن، الذي لم يمنع من استمرار تطوير منظومة سلاحها، وهذا التيار هو الغالب الذي تقبل إنهاء المواجهة الأخيرة مع إسرائيل بعد ثلاثة أيام محددة من المواجهة الأخيرة لاعتبارات عدة.

وتيار مقابل يرى أنه لا ضرورة حقيقية للالتزام بما يجري، وأن الحركة ستفقد حضورها الشعبي والجماهيري الذي حققته في الفترة الأخيرة جراء مواقفها في مواجهة إسرائيل، ومن ثم فإنه من الضروري الاستمرار في إدارة المشهد بمنهج يقوم على التكتيك الاستراتيجي، وعدم العمل وفق استراتيجية التجاوب، بخاصة أن الحكومة الإسرائيلية ستصعد في مواجهة غزة، وأن المسألة في عنصر الوقت ليس أكثر، وهو ما يجب وضعه في الاعتبار والتعامل معه، لكن الإشكالية الراهنة في الحركة أن هناك تخوفات من صدامات مكتومة مع حركة “حماس” قد تظهر على العلن في أي توقيت.

ومن ثم، فإن أي تحرك للحركة سيحكمه عدة عوامل مقابلة: أولها التجاوب الحذر مع الوسيط المصري، وتقبل مقترحاته في التهدئة، بخاصة في ملف الأسرى، والعمل وفق معادلة الأمن مقابل الأمن، والتهدئة مقابل التهدئة. وهو ما برز في لقاءات القاهرة أخيراً، وتركز في تأكيد قيادة الحركة أن التهدئة في الضفة يجب أن تكون في إطار اتفاق واضح، وليس مجرد تفاهمات أو تعليمات من جانب حكومة نتنياهو، وأن فصائل المقاومة تملك ما يجعلها نداً قوياً لإسرائيل في الفترة الراهنة، كما هو الحال في غزة، وأن جميع المعادلات تغيرت، ويجب التعامل مع الوضع الراهن في ضوء هذه التغيرات، كما حذرت من أن المساس بأي قيادات سواء عسكرية أو سياسية سيعتبر رسالة ببدء حرب واسعة جديدة، ولن تفلح وقتها أي وساطات في منعها.

ثانيها، استمرار التنسيق الأمني والاستراتيجي مع الفصائل الفلسطينية في الداخل كي يكون ظهير الحركة مؤمناً، إضافة إلى الانفتاح في التنسيق مع “حماس” التي تتخوف من أي رد فعل مفاجئ للحركة، ومن ثم فإنها تعمل على احتواء أي توتر معها، بل والعمل وفق استراتيجية محددة، مع تأكيد إحياء دور لجنة التنسيق بين الفصائل الفلسطينية في القطاع، تحسباً لأي طارئ يمكن أن يحدث وفي ظل إقدام القوات الإسرائيلية على استهداف واعتقال قادتها وكوادرها بمحافظة جنين، ومنهم اعتقال الشيخ خضر عدنان والقائد خالد غوادر وغيرهما.

ثالثها، طرحت حركة “الجهاد” الفلسطيني مطالب محددة، على رأسها عدم اقتحام الأقصى، والحفاظ على وضعية المسجد الأقصى، وعدم انتهاك اتفاق المقدسات الموقع بين الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، إضافة إلى رفض ما تقوم به إسرائيل في موضوع الخان الأحمر، وتجميد البناء في المستوطنات في شمال الضفة، ووقف مشروع الحكومة الإسرائيلية الخاص بالاستيطان.

والواضح أن هذه المطالب لن يجري الاستجابة لها، بخاصة أن هناك ملفات أخرى هي الأهم في إطار الوصول التدرجي إلى حالة التهدئة المرحلية، وهو ما تستهدفه الأطراف المصرية والأردنية والأميركية.

توجه “حماس”

تدرك حركة “حماس” أن الحفاظ على الاستقرار في قطاع غزة أولوية يجب أن تستمر على رغم كل ما يجري من تهديدات من اتجاهات عدة لجملة من الاعتبارات.

الأول، سعي حركة “حماس” إلى جني ثمار مواقفها السياسية والاستراتيجية السابقة، التي دفعتها إلى عدم الدخول في المواجهة الأخيرة مع حركة “الجهاد”، الأمر الذي دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تقديم مزيد من التسهيلات، ونفذت إسرائيل بالفعل سلسلة من الإجراءات أهمها دخول العمالة الفلسطينية لإسرائيل وعدم اعتراضها، وتيسير حركة التنقل في المعابر، وغيرها من التدابير التي حفظت الاستقرار الهش طوال الفترة الأخيرة، وهو ما دفع الحركة وبعد تولي الحكومة الإسرائيلية رسمياً إلى التوجه بفتح ملف الأسرى مجدداً، والدعوة إلى التفاوض عبر الوسيط المصري، وهي رسالة من الواضح أن حركة “حماس” أرادت إطلاقها مع تولي رئيس أركان إسرائيلي جديد معروف بتوجهاته ولمغازلة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، ومحاولة اختباره كيف سيتعامل أمام الجمهور الإسرائيلي، بخاصة مع حالة التظاهرات التي تعم الشوارع في إسرائيل نتيجة لتعامل الحكومة مع القضاء.

الثاني، أن حركة “حماس” ستتجاوب مع طرح الوسيط لاعتبارات متعلقة بتوجه الحركة في نطاقها الإقليمي، والانفتاح على النظام السوري، والعمل على تطوير علاقاتها مع الأردن، وبناء دوائر جديدة في النطاقات الآسيوية، وتجاه روسيا، لهذا فإن الحركة عينها بالأساس على تحقيق مكاسب داخلية، تساعدها على جمع الصف، وإدارة المشهد في القطاع من دون خلافات مع أي فصيل، بخاصة حركة “الجهاد”، ومن ثم فإن أي بنود للتهدئة ستشمل معادلة الأمن مقابل الأمن، واستمرار الحصول على قائمة تحفيزية مع تقبل بعض الأفكار في إتمام صفقة تبادل الأسرى، ولن تمانع في إتمامها، بخاصة أن الجناح العسكري للحركة بيده الملف بأكمله، ويسعى إلى إتمامه لاعتبارات تكتيكية في المقام الأول نقل رسالة للرأي العام الفلسطيني، مما سيعود على حركة “حماس” في الداخل والخارج في مواجهة سعي السلطة الفلسطينية إلى تصدر المشهد الفلسطيني بأكمله، وهو ما تتخوف من تبعاته حركة “حماس”، بخاصة أن الحديث عن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بات مؤجلاً، وفي ظل عدم وجود أية مؤشرات لإجرائها.

ومن ثم، فإن العمل على الأرض سيتطلب بالفعل تحركاً سريعاً، للحفاظ على مكاسبها الراهنة والبناء عليها، بخاصة أن الوسيط المصري له خبراته المتراكمة، وقادر على أن يزن المشهد مع الحكومة الإسرائيلية، ويعاون بحسم في إتمام صفقة تبادل الأسرى.

موقف السلطة

مع قيام الوسيط المصري والجانب الأردني بالتركيز على الانفتاح على السلطة الفلسطينية من خلال اتصالات رسمية تمت مع رأس السلطة الفلسطينية بعد ساعات من انتهاء لقاء الرئيس محمود عباس، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فإن السؤال المطروح ما الذي تملكه السلطة ورئيسها في هذا الوقت وماذا تريد؟

الواضح أن هناك توجهاً إيجابياً من السلطة في إمكانية الدخول في تفاوض مباشر مع الحكومة الإسرائيلية، وهو ما نقل مكتوباً إلى بلينكن.

الرسالة أنه لا يوجد ما يمنع من إتمام هذا التوجه، إن ضغطت الحكومة الإسرائيلية على الأطراف المعنية والمباشرة في هذا التوقيت لإتمام هذا الغرض والبناء على ما سيتم في حال استمرار حالة التهدئة، وتحييد أي تصعيد يمكن أن يجري من قطاع غزة، وهو ما سيقوم به الوسيط المصري عبر سلسلة الاجتماعات المباشرة مع حركتي “الجهاد الفلسطيني” و”حماس”، وهو ما قد يدفع إلى الانتقال إلى الخطوة التالية، وهي العمل في اتجاه استئناف الاتصالات، ولو الاستكشافية بين الأطراف المختلفة، بخاصة أن الإدارة الأميركية تريد تحقيق إنجاز عاجل في الشرق الأوسط في مواجهة الإخفاقات المتتالية في جنوب شرقي آسيا وأفغانستان وغيرهما، وهو ما سيتطلب الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف ما يجري داخل إسرائيل من مهاترات قد تفجر المشهد السياسي.

لهذا كان حرص بلينكن على تأكيد العمل معاً ومناقشة المعارضة الإسرائيلية -على رغم وضعها المهتز والضعيف- أن من مصلحة إسرائيل البقاء في حالة استقرار، وأن التصعيد من قبل بعض وزراء الحكومة سيؤدي إلى خسائر كبيرة، وعلى رغم التسليم الأميركي بأن حكومة نتنياهو حكومة قوية ومتماسكة، فإن الإشكالية في إقناع الطرف الفلسطيني أولاً، والعربي ثانياً بإمكانية التعامل معها بصورة جدية، وتسريع معدل السلام الإقليمي بدلاً من بقائه في موقعه على اعتبار أن هذا الأمر يحظى بأولوية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، على اعتبار أنه أحد مكتسباته الحقيقية.

في هذا السياق ستقبل السلطة الفلسطينية بالتجاوب مع الطرح الإسرائيلي المدعوم أميركياً، بخاصة أن الراعي الأميركي سيقدم بالفعل على تقديم إجراءات وتدابير عدة لن تقتصر على فتح القنصلية الأميركية أو مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والإفراج عن أموال “الأونروا” المجمدة، لكن قد يدخل في تفاصيل بعض اللقاءات الفلسطينية – الإسرائيلية كوسيط، وهو ما قد يقوم به بعض أعضاء السفارة الأميركية في تل أبيب، الذين يقفون إلى جوار رئيس الوزراء نتنياهو، وأسهموا معه بصورة علانية في تشكيل الحكومة الراهنة.

ومن ثم فإن تقبل السلطة الفلسطينية لما هو مطروح سيكون على المحك، بخاصة أن الهدف الأميركي – الإسرائيلي سيتركز في ضرورة التوصل إلى تهدئة أمنية، والوصول إلى حالة الاستقرار، وهو ما سيتطلب تنسيقاً أمنياً قد يعود مرحلياً، وبقرار علوي من الرئيس محمود عباس من دون العودة إلى اللجنة المركزية التي جمدت التنسيق، ومع ذلك تواصلت لجان الارتباط على الجانبين، والمعنى أن السلطة الفلسطينية في حاجة بالفعل إلى حضور في إدارة المشهد، باعتبارها السلطة الشرعية وليس أي فصيل آخر، ومن ثم ستتكثف التعاملات بالتنسيق مع الأردن ومصر، ويأتي ذلك في الوقت الذي تستعد فيه القاهرة لجولة مفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي سيزور القاهرة قريباً، للمشاركة في مؤتمر دعم القدس الذي تنظمه الجامعة العربية خلال الأيام المقبلة، تحديداً في 12 فبراير (شباط) الجاري.

الخلاصات الأخيرة

في كل هذه الأجواء من التفاعلات الجارية وتحرك الراعي الأميركي والوسيط المصري يمضي الأردن وعبر ملكه عبدالله الثاني في نقل رسالة مباشرة للإدارة الأميركية عبر لقاء الرئيس جو بايدن والملك عبدالله الثاني، بضرورة الحفاظ على وضع المقدسات الإسلامية والمسيحية وإبقاء الإشراف الأردني عليها، ورفض أية ممارسات يمكن أن تجري في هذا السياق.

وقد التقي الملك عبدالله الثاني رئيس الوزراء نتنياهو بعد أيام من توليه موقعه رسمياً ونقل له الرسالة نفسها، وهو ما كررها في واشنطن، ومن ثم فإن الأردن يتحرك في بؤرة ما يجري من تطورات، كما سيظل الوسيط المصري هو نقطة الارتكاز المهمة والمباشرة، ومنها ستكون مسارات التحرك، وتحديد الاتجاه بالنسبة إلى ما سيجري في القطاع بفصائله، بخاصة حركة “الجهاد الفلسطيني” مع التعامل مع الإدارة المنضبطة لحركة “حماس”.

وليس بمستبعد أن تقدم القاهرة على استئناف الاتصالات مع الحكومة الإسرائيلية ودعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو للقاهرة لإتمام الاتصالات الرسمية والانفتاح على المشهد الإسرائيلي، وللتأكيد بأن القاهرة لديها كل الإمكانات والقدرات للتحرك تجاه كل الأطراف بما يؤكد الهدف المرجو إحداث نوع من الاستقرار في المنطقة بالتنسيق مع الأطراف المعنية، وعلى رأسها الإدارة الأميركية بالأساس والأردن كشريك مهم وأساس في هذا السياق.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى