هل دخلت الانتخابات الجزائرية لعبة الدول؟

كتب د.جيرار ديب, في “العرب”:
إعادة انتخاب تبون ستنعكس سلبا على علاقات الجزائر مع الدول الغربية، وهو ما سيضاعف أزماتها الاقتصادية.
تبدو الانتخابات الرئاسية الجزائرية المزمع عقدها في السابع من سبتمبر الجاري ذات شأن داخلي يتعلّق بمزاجية الناخب الجزائري لإيصال الرئيس، ذي المواصفات التي تحاكي آماله وتطلعه لمستقبل أفضل لبلاده، إلى سدة الحكم. وذلك وسط تخوّف في البلاد من أن يكون الإقبال على الانتخابات ضعيفًا، إذ يتساءل المختصون حول مشاركة الشعب الجزائري هذه المرة بكثافة في الانتخابات أو مقاطعتها كما حصل في 2019، خاصة في منطقة القبائل (شمال الجزائر) التي لم تتجاوز نسبة التصويت فيها 12 في المئة، ما سيعزّز فرص الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون.
وفي ظلّ حالة الانتظار لموعد الاستحقاق الانتخابي يعاني المواطن الجزائري أزمات اقتصادية واجتماعية تتمثّل في ارتفاع أسعار المواد الأساسية وانخفاض فرص العمل فضلًا عن الأفق المسدود لمستقبله. لهذا يتوقّع بعض المراقبين أن يلعب العامل الداخلي دورًا في تحديد خيارات الناخب الجزائري لإيصال رئيس يستطيع أن يبعد ارتدادات الأزمات التي تضرب الاقتصاد العالمي عن بلاده، وفي ضوء التوترات العسكرية التي تشتعل في القارة السمراء التي تكاد نيرانها تصل إليه.
ولا تشكّل العوامل الداخلية وحدها التحديات أمام المرشحين، حيث تلفّ البلاد مجموعة من التحديات الخارجية التي على ما يبدو سيكون لها تأثير رئيسي في توزيع أصوات الناخبين؛ إذ عبّرت وزارة الخارجية الجزائرية عن قلقها من قيام قوات حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا وقوات قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر بالتحشيد العسكري على الحدود الجزائرية.
وما يزعج الجزائر، إضافة إلى مخاطر التهديد الأمني المترتّب على مواجهة محتملة بين الفريقين، هو المخاوف من أن تُحدث هذه المواجهة واقعًا أمنيًا وسياسيًا جديدًا يضع قوات حفتر والحكومة التي تتبعه، واللتين لا تعترف بهما الجزائر، على تماسٍ مباشرٍ مع الجزائر في حالة تحقيق الانتصار، ما قد يفرض عليها التصرّف بطرق مختلفة.
وأثارت تلك التحركات العسكرية بين الجانبين قلق الجزائر من نشوب حرب على حدودها في ظلّ برود علاقتها مع مالي والنيجر، ما قد يمسّ بأمنها القومي. لذلك وتفاديًا لأي سيناريو دعت الجزائر جميع الأطراف الليبية إلى التحلي بالحكمة وضبط النفس والتبصّر لتجنيب البلد والشعب التداعيات المأساوية لاستئناف المواجهات التي سيكون أول ضحاياها الشعب الليبي.
وفي الواقع لا يكمن القلق الجزائري في الخوف على مصير الشعب الليبي، بقدر ما تتخوّف الدولة الجزائرية من أن حصول حالة من الفوضى التي ستترتّب على الصدام العسكري في مدينة غدامس الليبية الإستراتيجية المتاخمة للأراضي الجزائرية، هو فرصة للإرهابيين للتسلّل إلى الأراضي الجزائرية، فيصبح أمنها القومي مهدّدًا.
وكما في ليبيا كذلك الأمر في كلّ من النيجر ومالي، إذ تتمثل التحديات الأمنية للجزائر في تأمين المناطق الحدودية للحفاظ على أمن البلاد، خوفًا من استغلال الإرهابيين الفوضى المنتشرة في دول جوار الجزائر، بدءا من مالي والنيجر ووصولًا إلى ليبيا، ما سيسمح لهم بالتسلّل إلى الداخل، لذلك قامت بنشر قوات عسكرية لمكافحة الجريمة العابرة للحدود.
◙ العامل الداخلي يلعب دورا في تحديد خيارات الناخب الجزائري لإيصال رئيس يستطيع أن يبعد ارتدادات الأزمات التي تضرب الاقتصاد العالمي عن بلاده
تقع الجزائر في قلب الانقسام العمودي العالمي ووسط الصراعات الدولية بين الغرب ومحور روسيا والصين. لقد حافظت الجزائر إلى الآن على المركز العاشر عالميًا والأول أفريقيًا ضمن أكبر البلدان المنتجة للغاز الطبيعي، كما احتلّت المرتبة السابعة عالميًا من حيث الطاقة الإنتاجية للغاز الطبيعي المسال، بواقع 25.5 مليون طن سنويًا حتى نهاية فبراير الماضي، حسب تقرير للاتحاد الدولي للغاز الصادر في الثامن من يوليو الماضي.
الموارد الطبيعية التي تختزنها الأرض الجزائرية، إضافة إلى موقعها الإستراتيجي في القارة السمراء، لفتت الأنظار إليها. فهذا بحدّ ذاته شكّل عنوانًا للدول الغربية لاستمالة الجزائر إلى محورها، لذلك يشهد السباق العالمي إلى الجزائر تنافسًا جيواستراتيجيًا.
وفي إطار التحديات الجزائرية المنتظرة عند الرئيس المقبل، هناك التحدي الأبرز وهو العلاقة السيئة مع إسرائيل، والتي ظهرت في أكثر من مناسبة وكان آخرها موقف الجزائر في مجلس الأمن حول غزة، الأربعاء 14 أغسطس الماضي، الذي دعت فيه إلى فرض عقوبات على إسرائيل لارتكاب جيشها مجازر في مدرسة التابعين بحي الدرج في مدينة غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 100 فلسطيني كانوا يحتمون بالمدرسة.
هذا الموقف دفع التقارب الإسرائيلي – المغربي إلى خطّ المواجهة مع الجزائر، إذ ذكرت صحيفة “لوموند” الفرنسية أن المغرب ينوي التحوّل إلى مصنّع للطائرات العسكرية دون طيار بفضل التعاون مع إسرائيل. ونقلت الصحيفة أن شركة إسرائيلية شيّدت منشأة في الرباط ستبدأ تشغيلها قريبًا لإنتاج مثل هذه الطائرات، ما سيشكّل تهديدًا جديًا لأمن الجزائر مع جارتها.
وينتظر الناخب الجزائري من الرئيس المقبل السير على خطَّيْن متوازيَيْن دون أن يقع في لعبة التموضعات، وهذا ما سقط فيه الرئيس الحالي تبون. فعلى المستوى الدبلوماسي يُنتظر منه أن يعزّز علاقات الجزائر مع بعض شركائها الإستراتيجيين على غرار فرنسا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى تسعى الجزائر لكي تكون عضوًا في مجموعة “بريكس” ومنظمة “شنغهاي” ذات التوجّه التنافسي للمنظمات الدولية التي تسيطر عليها الدول الغربية وعلى رأسها مجموعة الدول السبع.
وشكّلت الجزائر برئاسة تبون أزمة على صعيد علاقاتها مع دول الغرب، تحديدًا مع فرنسا، إذ لم يتوصل الفريقان إلى طي صفحة الماضي والسير نحو بناء علاقات جديدة، في حين احتلّت الاستثمارات الصينية والتجهيزات العسكرية الروسية للجيش الجزائري الصدارة في تعزيز العلاقات، ما دفع الجزائر إلى اتخاذ خيارات أقرب إلى التموضع الصيني – الروسي.
هي انتخابات رئاسية لكن بمواصفات دولية حيث إعادة انتخاب تبون ستثبت تحالف البلاد مع روسيا والصين، وستعزّز حضورها أكثر في القارة السمراء، ولكن في المقابل ستنعكس علاقاتها سلبيًا مع الدول الغربية، وهو ما سيضاعف أزماتها الاقتصادية، لذلك يبقى السؤال: هل سيعيد الجزائريون مرحلة تبون؟