رأي

هل خسر الغرب معركة أوكرانيا

قدرة أوكرانيا على الحشد للحرب أضعف مما كانت عليه، كما أن الزخم لمدها بالسلاح والمال لم يعد كما كان لدى الغرب.

كتب معقل زهور عدي, في “العرب” :

ثمة خلاف في عدد القتلى من الجيش الأوكراني في الحرب التي مازالت دائرة حتى الآن. فبينما تقدر المصادر الأميركية ذلك العدد بـ70 ألف قتيل و120 ألف جريح، صرح الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في فبراير الماضي أن عدد القتلى من الجيش الأوكراني هو بحدود 31 ألف قتيل مقابل 180 ألفا من القتلى في صفوف الجيش الروسي.

ربما يميل المرء لتصديق المصادر الأميركية باعتبار الولايات المتحدة الحليف الوثيق لأوكرانيا في الحرب وبالتالي فليس لديها مصلحة في تضخيم أعداد الخسائر في صفوف الجيش الأوكراني، كما أن لديها ما يكفي من وسائل الاستطلاع والرصد لتتمكن من تقديم بيانات يمكن أن تكون قريبة من الوقائع على الأرض.

وعلى أيّ حال، فإن كافة البوادر تشير إلى إنهاك غير قليل للجيش الأوكراني، ولا يمكن للمرء أن يعزو أسباب الإخفاقات العسكرية الأخيرة للأوكرانيين فقط لنقص الإمدادات في الأسلحة والذخيرة من الغرب.

وبالنسبة إلى أوكرانيا تبدو قدرة الدولة على حشد وتعبئة القوى البشرية للحرب أضعف مما كانت عليه في أيّ وقت، كما أن الزخم والحماس لمد أوكرانيا بالسلاح والمال لم يعد كما كان لدى الغرب.

وهكذا يمكن القول إن الحرب هناك قد وصلت بالفعل إلى نقطة انعطاف إستراتيجية بحيث لم يعد بالإمكان تصور انقلاب موازين القوى بالاتجاه المعاكس عمّا يبدو عليه اليوم وهو اتجاه يشير إلى تقدم متواصل للجيش الروسي مقابل تراجع الجيش الأوكراني، وربما يصبح سقوط خاركيف بيد الروس علامة مفصلية تشير إلى النتيجة النهائية التي ستنتهي إليها الحرب ليس بعد زمن طويل.

لكن هل حقا أن الغرب قد خسر الحرب في أوكرانيا؟

ليس ثمة من دلائل حتى الآن تشير إلى أن الغرب قد استسلم لترك أوكرانيا لمصيرها القاتم الذي يبدو بالأفق. لكن في المقابل لا يمكن الحديث عن حملة غربية منسقة لإعادة تسليح أوكرانيا ودعمها بطريقة تمكنها من قلب المسار الحالي للحرب، هذا إذا وضعنا جانبا حالة الإنهاك في القوى البشرية المقاتلة بسبب الخسائر الكبيرة التي أصابتها بالنسبة إلى بلد عدد سكانه بحدود الأربعين مليون نسمة هاجر منهم منذ بداية الحرب ما يقارب الأربعة ملايين. في حين لا تبدو الدولة في أفضل أحوالها من حيث القدرة على تعبئة قوى بشرية كافية وتأمين جميع ما يحتاجون إليه من إمدادات. كما لا تمكن الاستهانة بحجم التدمير الذي لحق بالبنية التحتية للبلاد واقتصادها تحت الضربات المميتة التي لم تتوقف للصواريخ الروسية المدمرة.

أما على الجانب الروسي فيبدو أن المشاكل التي يواجهها الرئيس فلاديمير بوتين في تأمين الموارد البشرية والسلاح للاستمرار بالحرب أقل وطأة على روسيا بسبب الحجم الكبير للاقتصاد الروسي وتنوع مصادره والقدرة على إنتاج الأسلحة والعتاد الحربي. وأخيرا علينا ألا ننسى أن عدد سكان روسيا يقارب 150 مليون نسمة مما يمنح روسيا مخزونا أكبر بما لا يقارن من الموارد البشرية للحرب.

لكن ما هي الخيارات المتاحة أمام أوكرانيا والغرب في ضوء التقدم العسكري الروسي المطرد والذي يترك الانطباع بقرب الوصول إلى نقطة الحسم للحرب الأوكرانية؟

بالنسبة إلى أوكرانيا، فالخيارات ستصبح قريبا محدودة جدا إذا لم يبادر الغرب إلى حملة شاملة لإعادة تسليحها ودعمها ماليا بطريقة أشد فعالية مما قام به في أيّ وقت. فإذا وضعنا جانبا مثل ذلك الاحتمال الذي لم تظهر أيّ دلائل تشير إليه حتى الآن فلا يبقى أمام أوكرانيا سوى توقيع معاهدة استسلام أمام روسيا تعترف فيها بسيادة روسيا على جزيرة القرم، وباستقلال إقليم دونباس والاعتراف بضمّه إلى روسيا، وكذلك بضمان حياد أوكرانيا وعدم انضمامها إلى الناتو أو سماحها بوضع صواريخ بالستية في أراضيها لذلك الحلف أو أيّ قواعد عسكرية…الخ، مقابل ألاّ يتقدم الجيش الروسي داخل أوكرانيا أبعد من ذلك وأن تتوقف الحرب بصورة نهائية.

وما من شك في أن ذلك سيمثل هزيمة نكراء ليس لأوكرانيا فقط، ولكن للغرب بزعامة الولايات المتحدة، مما يضع المرء في حالة حيرة حقيقية فيما إذا كان الغرب قادرا على القبول بمثل تلك الهزيمة.

أما روسيا بوتين فإذا تحقق الحسم العسكري وتم إرغام أوكرانيا على الاستسلام فسيعد ذلك واحدا من أهم إنجازات بوتين إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وسيطغى ذلك النصر على آلام الخسائر الباهظة للحرب، ويخلق توازنا مختلفا في موازين القوى الدولية ويدفع بالصين نحو رفع رأسها والحذو حذو روسيا المنتصرة والتفكير في استعادة تايوان.

لم يعد لدى الغرب سوى وقت قليل لاستدراك مثل تلك الهزيمة القاسية، وأفضل ما يمكن أن يحصده بعد انهيار ميزان القوى العسكري لصالح روسيا هو وقف الهجوم الروسي الكاسح عند خاركيف، والدخول في مفاوضات ماراثونية مع روسيا للخروج باتفاق شامل يتضمن رفع العقوبات التي فرضت عليها وتقديم ضمانات أمنية كافية بالابتعاد عن مجالها الحيوي الذي تدخل ضمنه أوكرانيا بالطبع، والاعتراف بسيادتها على جزيرة القرم وإيجاد حل توفيقي لإقليم دونباس مقابل وقف الحرب والانسحاب من أوكرانيا.

ومثل ذلك الحل يمكن أن يغطي ولو بصورة غير كاملة على الهزيمة في أوكرانيا لكن ذلك يبقى مرهونا بحملة إغاثة عاجلة لأوكرانيا لم تظهر أي بوادر لها حتى الآن، فهل قرر الغرب ترك أوكرانيا فريسة للدب الروسي؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى