هل حضور أميركا إلى البحر الأحمر للتفرد وإبعاد الخصوم
كتب د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب, في “العرب” :
السؤال المهم هو هل أصبحت روسيا جاهزة للمسك بكل الحبال خاصة بعد المصالحة بين السعودية وإيران التي كانت بمثابة رسالة قوية للولايات المتحدة لتغير موقفها من الرياض.
الضربات التي تنفذها الولايات المتحدة وبريطانيا ضد الجماعة الحوثية المدعومة من إيران تمثل اختبارا حقيقيا لأسس نفوذ الصين في الشرق الأوسط، رغم رفضها تصرفات الحوثيين المزعزعة للاستقرار، خصوصا بعدما ارتفع مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات بنسبة 161 في المئة منذ 15 ديسمبر 2023 بسبب الإبحار إلى رأس الرجاء الصالح الذي يرفع أسعار الصادرات الصينية المتجهة وبشكل خاص إلى أوروبا التي كانت تنافس الصادرات الأميركية، لذلك لأول مرة يتفوق الميزان التجاري الأميركي مع ألمانيا على الميزان التجاري مع الصين. رغم ذلك امتنعت الصين عن دعم العمليات أو التحالف لأنها لا تود دورا أمنيا موسعا في الشرق الأوسط، خصوصا إذا اتسعت رقعة الصراع، ولا تريد أن تكون ضحية باعتبار أنها أكبر شريك تجاري للعرب.
لذلك في 10 يناير 2024 امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2722 الذي يدين هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر، وقال مندوب الصين إن القرار لم يأخذ ملاحظات بكين وموسكو ودول أخرى في الحسبان. وتنتج عن القرار شرعية ضمنية لتحالف حارس الازدهار الذي تقوده الولايات المتحدة باعتبار أن التوترات في البحر الأحمر مظهر من مظاهر الآثار غير المباشرة للصراع في غزة.
تدرك الولايات المتحدة أن روسيا رغم توريطها في المستنقع الأوكراني لديها آمال وطموحات في العودة إلى قواعدها السابقة في البحر الأحمر، وكانت سقطرى قاعدة عسكرية روسية لم تتركها إلا بعد أن أوشك الاتحاد السوفييتي على التفكك ومع عودة الوحدة إلى اليمن عام 1990.
امتنعت السعودية كذلك عن الانضمام إلى تحالف “حارس الازدهار” ليمتد هذا الحياد إلى حياد روسي أيضا حتى لا تطمع روسيا في إقامة قاعدة عسكرية في اليمن، رغم أن سقطرى تخضع للشرعية اليمنية وليست للحوثيين. لكن، روسيا تطمح لقاعدة تقام على السواحل اليمنية الممتدة على طول 2200 كلم وتتوزع أمامها نحو 186 جزيرة وتختزن ثروات هائلة، وهو هدف إستراتيجي لطالما كان مطلبا بعدما حصلت روسيا على قاعدة عسكرية على السواحل السورية، ومهمة روسيا تتأسس على موازين القوى الحالية، وكيف أنها انتظرت حتى تنضج ظروف توازن القوى بين عامي 1982-1984، وكان السوفييت قد أسسوا قاعدة العند في اليمن عام 1980 في محافظة حجة التي تبعد 60 كلم عن عدن شمالا.
لكن السؤال المهم هل أصبحت روسيا جاهزة للمسك بكل الحبال، خاصة بعد المصالحة بين السعودية وإيران التي كانت رسالة قوية للولايات المتحدة لتغيّر موقفها من الرياض. وكلما تأخرت الولايات المتحدة في توثيق علاقتها بالسعودية تقدمت عليها الصين وروسيا، وهو ما تبدى ببروز معسكر شرقي بزعامة الصين وموسكو نحو عالم متعدد الأقطاب. لكن موسكو ليست مثل الصين فهي تود أن تكون قرب المناطق الساخنة في البحر الأحمر، قبل أن تخرج من يدها إلى الأبد، وهي ترى أنه لا يمكن فصل هذا التداخل عن الصراع مع الغرب في أوكرانيا، الذي كان بمثابة قنبلة في استعادة علاقات أميركا القوية مع السعودية، خاصة بعدما فشل جو بايدن في معاقبة الرياض عقب تحريرها تحالف “أوبك بلس” في خريف 2022 من الهيمنة الأميركية ما جعل الولايات المتحدة تراجع علاقتها مع السعودية، خصوصا بعد أن أبدت الأخيرة استعدادها للانفتاح على إقامة علاقات مع إسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية، وهو ما سيقرب إسرائيل من الاندماج في المنطقة.
ولروسيا علاقات تاريخية مع الدولة المتوكلية اليمنية وتوقيع معاهدة تجارية عام 1928 في صنعاء والاعتراف باستقلال اليمن الشمالي. وفي عام 1967 عندما غادرت بريطانيا عدن أقامت الأخيرة علاقات مع الاتحاد السوفييتي، وقطعت علاقتها مع واشنطن، حتى أصبحت عدن بذلك أحد حلفاء الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة، ولم يتحد الجنوب مع الشمال إلا مع انهيار الاتحاد السوفييتي.
أرادت الجماعة الحوثية أن توقظ الدب الروسي عندما طلب مهدي المشاط من روسيا دعم الحوثي عام 2018، لكن روسيا لم تستجب لدعوات المشاط. فهل توقظ صواريخ أميركا الدب الروسي من سباته الشتوي فيستجيب لدعوات الحوثي بعد دعوات ثلاث سنوات، خصوصا بعد العقوبات المشددة التي فرضها الغرب في قمة مجموعة السبع في إيطاليا على روسيا.
وسبق أن عارضت روسيا في أبريل 2015 مسودة قرار خليجي في مجلس الأمن استهدف الحوثي وشريكه علي عبدالله صالح، كذلك وصف القرار الأممي في 2016 الذي يدعو الحوثيين دعم المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ، وطالبت روسيا بحظر السلاح على الجميع حتى على الشرعية اليمنية، وفي مارس 2021 اعترضت روسيا على قرار بوقف الحوثيين حربهم على مأرب المنتجة للغاز، وقام اللواء عيدروس الزبيدي قائد المجلس الانتقالي بزيارتين إلى موسكو، لكن التحالف السعودي الروسي في ملف النفط ووقوف السعودية على الحياد في حرب روسيا في أوكرانيا، جعلا بوتين يمسك العصا من الوسط. فهل يزعزع الاتفاق الأمني التاريخي بين السعودية وأميركا هذه التوازنات، أم أن السعودية ستحرص على التمسك بتلك التوازنات، وكما هو موقعها المحايد ستكون أيضا محايدة في التوازنات بين القوى العالمية.