رأي

هل حان الوقت لتعديل سياسة السعوديّة تجاه لبنان بعد حرب أوكرانيا؟

كتب محمد بلوط في “الديار”:

هل حان الوقت لتعديل سياسة المملكة العربية السعودية ودول الخليج تجاه لبنان، بعد ترحيبها ببيان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي واعلانه «الالتزام باتخاذ الاجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التعاون «معها ومع دول مجلس التعاون»؟

منذ المبادرة الكويتية، سارع لبنان الى ابداء الرغبة والتجاوب مع معظم بنودها، وقدم عبر وزير خارجيته لنظيره الكويتي رسالة مفصلة في هذا الخصوص، متطلعا الى فتح صفحة جديدة للعلاقات مع دول الخليج عموما والسعودية خصوصا، ومبديا الحرص الكامل على التعاون معها في اطار علاقات سوية وطبيعية.

ورغم التقويم الكويتي العام للرسالة بشكل ايجابي وجيد، فان الرياض فضلت التريث وعدم الرد المباشر على الرسالة، بانتظار ربما خطوات معينة من الجانب اللبناني الرسمي تظهر تجاوبا عمليا مع المطالب الخليجية. وحاولت الحكومة من خلال رئيسها ووزير الداخلية ارفاق الرسالة بقرارات وخطوات تظهر حسن نيتها ورغبتها في التجاوب مع مطالب الرياض ودول الخليج، اكان من خلال تعزيز عمل القوى الامنية في ضبط عمليات تهريب المخدرات من لبنان الى هذه الدول ام من خلال مواقف وقرارات وزير الداخلية تجاه بعض النشاطات التي جرت تضامنا مع المعارضة البحرانية او مع الحوثيين في اليمن.

وفي موازاة ذلك، بقيت الاتصالات جارية بين لبنان والكويت والسعودية والامارات وقطر للدفع باتجاه نجاح المبادرة الكويتية وفتح الابواب مع هذه الدول. وكان لميقاتي دور فعال في تنشيط وتعزيز هذه الاتصالات، اكان على صعيد شخصي ومباشر مع مسؤولين خليجيين بعيدا عن الاضواء، ام على صعيد الاستعانة ايضا بباريس التي دخلت على الخط مجددا لتوفير المناخ الملائم من اجل اقناع السعودية بالتعاون لمساعدة لبنان.

ووفقا لمصدر سياسي مطلع، فان التدخلات اللبنانية الاخرى في هذا الصدد لم يكن هدفها التجاوب مع المبادرة الكويتية، بقدر ما كانت تهدف الى كسب الدعم السعودي والخليجي لفريق سياسي تجاه الفريق الآخر، لاحداث توازن في موازين القوى عشية الانتخابات النيابية في ايار المقبل.

ويضيف المصدر ان الطريقة التي اعتمدتها الحكومة بشخص رئيسها بالتعاون مع فرنسا، ربما لعبت الدور الاساسي في ترحيب السعودية ببيان ميقاتي الاخير، وابداء استعدادها وتطلعها «الى ان ينعم لبنان بالامن والسلام والاستقرار». لكن ثمة عوامل اخرى وراء توقيت البيانين السعودي والكويتي بعد فترة من الانتظار والتريث منذ بدء المبادرة الكويتية.

وبانتظار بلورة وجلاء الصورة، ثمة اسئلة عديدة مطروحة بعد الموقف السعودي الاخير: هل  بيان الرياض مقدمة لدخولها على خط التدخل المباشر في الساحة اللبنانية عشية الانتخابات النيابية من اجل السعي الى مواجهة الخلل في موازين القوى التي تبدو لمصلحة حزب الله وحلفائه؟ ام انه بداية تصحيح مسار تعامل المملكة مع لبنان؟ وهل تريد السعودية فتح صفحة جديدة مع لبنان في اطار تسوية تجري بلورتها على الصعيد الاقليمي؟

هذان السؤالان واسئلة اخرى مطروحة حول هذا الموضوع. لكن الاجوبة عنها تحتاج الى مزيد من الوقائع والوقت.

فالحرب في اوكرانيا كشفت مؤخرا عن نوع من الازمة في العلاقة بين ادارة الرئيس الاميركي بايدن وبعض دول الخليج، وتحديداً السعودية والامارات العربية المتحدة. وهذا ما شجع ويشجع هذه الدول على اعادة حساباتها في رسم سياستها الخارجية، وخلق نوع من التوازن فيها مع جهات دولية اخرى بطريقة دقيقة، لا تغضب وتدفع واشنطن الى اتخاذ مواقف وردود فعل سلبية تجاهها.

كما ان السعودية ودول الخليج، بدأت منذ فترة تعّد العدة لمرحلة ما بعد توقيع الاتفاق الايراني – الاميركي الجديد الذي صار بمتناول اليد منذ اسابيع، والذي يحتاج الى ما يمكن وصفه باخراج جيد يرضي الطرفين وباقي الاطراف المشاركة في مفاوضات فيينا وعلى رأسها روسيا.

وهذه الاجواء والتطورات الدولية والاقليمية تفرض على الرياض وباقي دول الخليج، ان تبادر الى اتخاذ خطوات استباقية لتحسين وتحصين مناعتها تجاه المتغيرات الممكنة، ولاعادة تنشيط دورها على غير صعيد بما في ذلك باتجاه سوريا ولبنان.

وفي غمرة هذه التطورات المتسارعة يسعى حلفاء السعودية في لبنان الى حثها على التدخل المباشر من اجل تقديم الدعم المباشر لهذه القوى قبل ان يحين موعد الانتخابات. ويتطلع هؤلاء الى كسب هذا الدعم من خلال استخدام نفوذها لدى الطائفة السنيّة للمشاركة في الاقتراع لمصلحة لوائح هذه القوى، او من خلال تقديم الدعم المالي ايضا لمواجهة حزب الله وحلفائه.

وغداة صدور بيان السعودية والكويت تفاوتت الآراء السياسية المحلية حول تقويمها. ففيما ذهب البعض الى اعتبار ما صدر عن البلدين، بانه انعطافة مهمة لاعادة اصلاح العلاقات مع لبنان، فضل البعض الآخر التريث وانتظار ما سيصدر عن اجتماع مجلس التعاون الخليجي في 27 الجاري من مواقف وقرارات تبلور مسار هذا الملف.

وبرأي نائب مخضرم على علاقة جيدة مع دول الخليج «ان بياني المملكة العربية السعودية ودولة الكويت جاءا ردا على بيان رئيس الحكومة، وهي بادرة ايجابية في حدّ ذاتها، لكن من السابق لاوانه التكهن في شأن وطبيعة الخطوات العملية التي ستلي البيانين». ويستدرك المصدر ليقول «في كل الاحوال لقد بات واضحا ومؤكدا ان لبنان لن يستطيع الخروج من الحفرة التي هو فيها اليوم، ما لم ينفتح على الاشقاء العرب عموما ودول الخليج خصوصا، وانه دون مساعدة هذه الدول لا سيما السعودية لن نتمكن من مواجهة الانهيار والنهوض من جديد».

ويعتقد المصدر النيابي القريب من السعودية، ان الرهان على مساعدات او دعم اميركي واوروبي اليوم، بعد اندلاع حرب اوكرانيا، هو رهان صعب ولن يحقق نتائج كبيرة، بسبب انشغال الادارة الاميركية والاتحاد الاوروبي في تداعيات هذه الحرب والنتائج التي بدأت تترتب عنها على غير صعيد. اما الرهان على المحور الآخر، اي ما يسمى بمحور الممانعة والمقاومة، يضيف المصدر، فانه لم يحقق نتائج ايجابية بل دفع لبنان الى مزيد من الانكماش والعزلة.

وفي المقابل، يرى احد نواب 8 آذار، ان الترحيب السعودي والكويتي بموقف رئيس الحكومة تجاه دول الخليج يحتاج الى ترجمة عملية، تبدأ برفع الحصار عن لبنان ووقف الضغوط التي مورست وتمارس عليه منذ سنوات. ويشير المصدر الى «اننا لم نكن يوما نعارض اقامة افضل العلاقات مع الاشقاء العرب والخليجيين، لكن بعض هذه الدول بادر الى معاقبة لبنان واللبنانيين انطلاقا من خلفيات سياسية اقليمية». ويلفت ايضا الى ان لبنان وجه رسالة مفصلة الى الدول الخليجية ردا على المبادرة الكويتية بعد ايام قليلة منها، وهو ما زال ينتظر جوابا عمليا عليها. اما البيانان السعودي والكويتي اليوم بعد بيان ميقاتي فهما موضع ترحيب ايضا لكن المهم والعبرة في التجاوب مع رسالة لبنان لتحسين العلاقات معه ورفع الحصار عنه من اجل الانتقال لمرحلة التطبيع العملي على قاعدة الاحترام المتبادل والتعاون لمصلحة لبنان وهذه الدول بعيدا عن منطق العقاب وسياسة الضغوط التي ثبت انها غير مجدية. 

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى