تيريز القسيس صعب
خاص_ رأي سياسي
لم يمر رد وزير الخارجية الايراني امير عبد اللهيان على ما اعلنه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون متهما ايران” بزعزعة الاستقرار في الاقليم”، مرور الكرام، بل على العكس، فقد وصلت اصداؤه الى العاصمة الفرنسية، وخرقت جدار قصر الاليزيه، التي اعتبرت مصادره “ان ماكرون وصف الحالة الحقيقية والواقعية للتدخل الايراني في لبنان، في ظل تعثر اي افق للحل”.
وكشفت المصادر ان اسبابا عدة كانت وراء اللهجة القوية والعنيفة التي استخدمها الرئيس الفرنسي ضد ايران امام السلك الديبلوماسي الفرنسي عندما اتهمها بأنها وراء “زعزعة الاستقرار في لبنان.”
وقالت بغض النظر عن الازمات المتتالية من احتجاز وخطف اربعة فرنسيين في طهران، وأنشطة إيران النووية وسياستها الإقليمية الغير واضحة والملتبسة، فإن تطرق ماكرون للوضع اللبناني تحديدا امام السفراء، جاء بعدما لمست باريس في الفترة الماضية تخاذل وعدم تجاوب إيران مع المقترحات او الطروحات الديبلوماسية في خصوص لبنان، واصفة اياها ب “المسهلة والمنطقية”، والتي من شانها احراز تقدم على خط التسوية الرئاسية.
الا ان االغموض والتحفظ الذي يتمسك بهما الطرفان الفرنسي والايراني في عدم كشف الاسباب الحقيقية الكامنة وراء هذا التصعيد، اثار تساؤلات وحفيظة الاوساط الديبلوماسية العربية والاجنبية في باريس لمعرفة الاسباب الكامنة وراء هذا التصعيد.
وفي هذا الاطار استغرب سفير دولة عربية مقيم في باريس خروج ماكرون عن صمته وسياسته الديبلوماسية المعهودة مع ايران، بعدما خاض معارك ضد حلفائه الدوليين بهدف نسج علاقات طيبة مع ايران.
ففرنسا التي اعتبرت ان ايران يمكن ان تكون ممر عبور لاي تسوية ممكنة في لبنان، خاب ظنها عندما لمست انها وراء فشل المبادرة الفرنسية، وانها لم تتجاوب او تسهل نجاحها، اضافة الى ان الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان حمل إيران وحلفاؤها في لبنان فشل اي تسوية او حل ما لم تكن هي من نسجته وحاكته.
فالرفض المستمر والتعنت في عدم وصول مرشح يحظى بموافقة إيران وحليفه حزب الله إلى الرئاسة، دفع ماكرون إلى الخروج عن طوره والتحدث عن واقع تجاهله لفترة وبات اليوم واقعا.
ويلاحظ أن فرنسا تسعى اليوم الى الضغط على ايران عبر تخليها عن انشطتها وتدخلاتها “المزعزعة للاستقرار في الإقليم”.
وهي ترى ان هذا التدخل يؤثر بشكل او بآخر على لبنان عبر تعطيل مؤسساته وعدم التمكن من انتخاب رئيس للجمهورية، لذلك تطالب بتوضيح التدخلات الاقليمية، وبشكل اوضح التدخلات الايرانية
توصلا الى حل في لبنان.
فالرئيس الفرنسي الذي استبق زيارة موفده الخاص الى لبنان جان إيف لودريان خلال الايام المقبلة اراد ايصال رسائل واضحة وشفافة الى كل من يعنيهم امر لبنان، فوضع النقاط على الحروف، وللمرة الاولى حمّل طهران وعبرها حزب الله، مسؤولية تعسر الخروج من الفراغ الرئاسي والأزمة السياسية في لبنان.
فهل سيتمكن لودريان من خلط اوراق التسوية المبعثرة، ويعيد السكة على مسارها الصحيح قبل فوات الأوان؟
وحدها الايام المقبلة هي الكفيلة في إعطاء الاجوبة الوافية لكل التساؤلات والمخاوف قبل الدخول في المجهول.
وعلى الرغم من مساندة ماكرون ايران في لبنان عبر دعم ترشيح سليمان فرنجيه، والسعي الى عقد طاولة حوار، الا ان ايران وحلفاؤها في لبنان لم يسلفوا فرنسا نقطة واحدة ايجابية، بل أصروا على الاستمرار في دعم مرشحهم وكانها تقول قبل وصول لودريان ان نتائج الحوار معروفة سلفا، ولن نتراجع عن دعم مرشحنا، مما يعني أن مبادرة لودريان سقطت قبل ان تنفذ. وفي الاطار عينه، يبدو ان الغضب الفرنسي ربما يترجم ايضا في اطار انزعاج باريس من الكلام حول توصل ايران الى عقد صفقة مع اميركا وليس مع فرنسا، وهذا ان حصل فإنه سيفقد فرنسا نفوذا كبيرا في الشرق ويعيد اللعبة الدولية الى ايدي أميركا وإيران من جديد.