رأي

هل تنضم كندا للاتحاد الأوروبي؟

كتب مدى الفاتح, في “العربي الجديد” :

بالتزامن مع تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضم كندا لتصبح الولاية الأميركية الحادية والخمسين، ومع ضيق الخيارات، التي تملكها أوتاوا، في حال لجأ الأميركيون لتسييل الحدود أو فرض شراكة أو وحدة قسرية، فإن كتاباً مثل ستانلي بغنال من مجلة إيكونومست بدأوا بطرح أسئلة حول إمكانية انضمام كندا للاتحاد الأوروبي.

هذا الانضمام، الذي يعتمد على فكرة الشراكة المربحة للكل، والتي تفتح من خلالها كندا أرضها الواسعة لأعداد من القادمين الباحثين عن فرص عمل وهجرة قد يمثل خطوة ناجحة، لكنه لن ينهي الأزمة الجيوبوليتيكية، التي تواجهها أوتاوا حالياً، والتي تجعلها لا تجرؤ على الخروج عن طاعة واشنطن، التي بدأت تفرض عليها بالفعل رسوماً جمركية عالية مع تذكيرها بالأموال، التي تم توفيرها، خلال السنوات الماضية، من أجل حماية الأمن الكندي.

سيصبح الاتحاد الأوروربي أقوى بالطبع في حال انضمت كندا، الغنية بالأراضي والموارد المعدنية إليه، لكنه سيظل بعيداً عن مضاهاة القوة الأميركية، التي لا يزال يعتمد عليها مظلةً لصد أي تهديد، لاسيما من روسيا. ومجرّد طرح هذه الفكرة في دوائر بحثية وإعلامية مهمة، وما وجدته من ردود فعل واستحسان، يمكنه أن يثبت الحقيقة، التي لا مفر من مواجهتها، وهي أن تلك المعايير والاشتراطات المعقدة، التي يجري الحديث عنها وطرحها بشأن مطلوبات الانضمام للاتحاد، كلها بلا معنى، وأن القرار بشكل ذلك سياسي أكثر من كونه تقنياً أو إجرائياً.

يقدم الانضمام للاتحاد الأوروبي عدة مزايا، في مقدمها تكريس دولة الرفاه الاجتماعي، وهو النموذج المقابل للنموذج الأميركي القائم على الرأسمالية الجشعة

على سبيل المثال، تقول المادة 49 من معاهدة الاتحاد الأوروبي أن الانضمام للاتحاد مفتوح لأي دولة أوروبية تحترم الحرّيات والكرامة الإنسانية وغيرها من مجموعة “القيم الأوروبية”. على الرغم من أن هذا الاشتراط يستبعد كندا الواقعة في القارّة الأميركية بالضرورة، إلا أن طرح الموضوع ولجوء البعض للمراوغة عبر التذكير بوجود جزيرة في المحيط تابعة لكندا، وبالتالي بأن من الممكن اعتبار البلد جزءاً من أوروبا، كل هذا يؤكد مدى سيولة تلك المعايير.

يؤكد ذلك أيضاً أن الاتحاد منفتح على سكان الشمال البيض والمسيحيين، وأنه ليس مجرّد نادٍ لدول يجمعها الفضاء الأوروبي. هذا الاستحسان، الذي تواجهه فرضية انضمام كندا، يمكن أن يقارن بما حدث في الثمانينات، حينما تم رفض طلب المغرب الانضمام للاتحاد بذريعة أنه بلد غير أوروبي، كما يذكر بما ظلت تواجهه تركيا من مساعٍ لعرقلة انضمامها سواء إلى الاتحاد أو إلى مساحة التحرك الحرة “الشنغن”، حتى تقلصت طموحاتها حالياً للاكتفاء بتسهيل تأشيرات الدخول الأوروبية لمواطنيها.

هناك سؤال مهم حول معايير الانضمام وما إذا كانت كندا ستستجيب لها، خاصة وأنها تتضمّن مجموعة من التنازلات فيما يتعلق بقوانين الهجرة والعملة واللوائح التجارية، لكن الأهم من ذلك هو السؤال حول الموقف المتوقع للولايات المتحدة من هذه الخطوة، فصحيح أن كندا تتمتع بعلاقة جيدة مع مجموع دول الاتحاد، إلا أن الانخراط ضمن هذا التكتل بشكل رسمي ربما يُنظر إليه خطوة لتحدّي النفوذ والضغوط الأميركية.

الأكيد أن العلاقة مع الولايات المتحدة لا يمكن المقامرة بها، فهي تظل الشريك الأقرب والأكثر أهمية لكندا. هذا بجانب أن الاتحاد الأوروبي لم يعد بالإغراء نفسه، الذي كان عليه حتى بداية هذا القرن، حيث أثرت الأزمات الاقتصادية والاختلافات في وجهات النظر على تماسكه وصلابته، وهو ما نتج منه خروج دولة مهمة ومرتبطة بوشائج سياسية واقتصادية مع كندا، كبريطانيا، من تحت مظلته.

الاتحاد الأوروبي منفتح على سكان الشمال البيض والمسيحيين

الشعب الكندي أيضاً سيكون إزاء خيارين صعبين، فالتقارب مع الولايات المتحدة، على أهميته من ناحية الأمن القومي، إلا أنه سيفرض تذويباً للخصوصية الكندية ويجعل هذا البلد الكبير أشبه بولاية أو مقاطعة أميركية، وهو ما بدأ بالفعل عبر مناداة ترامب ومن بعده رفيقه إيلون ماسك جاستن ترودو بلقب “حاكم” كندا. الاندماج في أي نوع من الوحدة مع الأميركيين قد يقود إلى انتقال التشريعات المتعلقة بالحق في حمل السلاح لكندا، ما يعني استجلاب فوضى إطلاق النار والجريمة وهو ما يخشاه المواطنون الكنديون. في المقابل، يقدم الانضمام للاتحاد الأوروبي عدة مزايا، في مقدّمها تكريس دولة الرفاه الاجتماعي، وهو النموذج المقابل للنموذج الأميركي القائم على الرأسمالية الجشعة، وعلى تخلّي الدولة عن أبنائها، الذين لا يستطيعون تحمّل نفقات معيشتهم. ومن ناحية أخرى يمكن قراءة هذا الخيار في إطار انعدام الثقة في الأميركيين، فيمكننا أن نلاحظ أن أغلب حلفاء الولايات المتحدة باتوا يحاولون البحث عن خطط بديلة وخيارات يمكن اللجوء إليها في حال حصول تهديد، خاصة مع سياسة ترامب، الذي صرّح أكثر من مرة أن ليس من واجبه حماية أحد.

المحرج في موضوع الانضمام الكندي أن الاتحاد يتردد منذ فترة طويلة في ضم دول أوروبية تقع على تخومه الشرقية، وهذا يجعل بحث ضم كندا، مع ما يقال عن ارتباطها بأوروبا، مثيراً لحفيظة تلك الدول، التي كان يجري إخبارها بأن الأمر معقد، وأنه يحتاج لأكثر من عقد من أجل تحقيقه. الخيار الأكثر واقعية ربما يكون تبني نوع من الشراكة، التي تخدم الطرفين وتعمّق العلاقات بينهما. للتذكير فإن النرويج، العضو في “المنطقة الاقتصادية الأوروبية”، ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهناك دول أعضاء في الاتحاد لكنهم خارج منطقة “الشنغن”، أو خارج نطاق “اليورو”، ما يعني أن الأمر فيه متسع.

نقطة أخرى يجب وضعها في الاعتبار وهي أن أوروبا أيضاً تتغير، فإذا كان المقصود هو الاحتماء من آثار فوز ترامب، الذي يمثل الشعبوية اليمينية، فإنه يجب أن نتذكر أن القارة العجوز تتجه هي أيضاً للتحول إلى جغرافية يمينية بتصدر أحزاب النازية الجديدة، التي ينظر إليها الثنائي ترامب/ ماسك بإعجاب، وتقدمهم في أغلب الدول المؤثرة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى