هل تنجح خطة دونالد ترامب لإضعاف قيمة الدولار؟
من بين السياسات الاقتصادية العديدة التي وعد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب باتباعها إذا عاد إلى البيت الأبيض العام المقبل ــ وهي القائمة التي تتضمن زيادات ضريبية هائلة على الواردات، وحرب تجارية عالمية، وعجز ميزانية متفجر ــ فإن إصراره على إضعاف الدولار الأميركي يبدو مثيراً للجدل.
على مدى عقود من الزمان، كان ترامب يطالب بإضعاف الدولار، أولاً بصفته مطوراً عقارياً مثقلاً بالديون، ثم كمرشح رئاسي، ثم كرئيس، والآن مرة أخرى كمرشح لإعادة انتخابه.
اكتسبت مساعي ترامب لإضعاف الدولار دعماً من شخصيات رئيسية مثل روبرت لايتهايزر، قيصر التجارة السابق، الذي قد يلعب دوراً محورياً في إدارة ترامب الثانية، بحسب تقرير سابق لـ “فورين بوليسي”، ذكر أن “متابعة مثل هذه السياسة من شأنها أن تتعارض بشكل مباشر مع الشيء الوحيد الذي يدعي ترامب أنه يحاربه، والذي يبدو أنه لا يزال يقلق الأميركيين أكثر من أي شيء آخر: الأسعار المرتفعة.
على الجانب الآخر، يرى مستثمرون أن خطة دونالد ترامب لخفض قيمة الدولار إذا فاز في الانتخابات الأميركية تبدو “من غير المرجح للغاية” أن تنجح لأنها ستقوضها سياسات مثل التعريفات الجمركية وتخفيضات الضرائب، حسبما نقل تقرير سابق لصحيفة “فانانشال تايمز”.
الخبراء حذروا من أن الخطط الرامية إلى خفض قيمة الدولار ستكون مكلفة وقصيرة الأجل، في حين أن السياسات الشعبوية مثل فرض الرسوم الجمركية على السلع الأجنبية من شأنها أن تعرقل تأثيرها.
بحسب التقرير، فإن العقبة الكبرى التي يواجهها ترامب وفانس في مساعيهما لإضعاف العملة هي أن سياساتهما الأخرى قد تدعم الدولار، فيما يتعلق بالرسوم الجمركية على الصين والدول الأخرى.
الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY”، الدكتور نضال الشعار، قال في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
المحددات الأساسية لسعر صرف الدولار تشمل السياسات التجارية والمالية والإنفاقية، بما في ذلك الضرائب بمختلف أشكالها.. هذه العوامل تلعب دوراً حاسماً في تحديد قيمة العملة الأميركية.
ترامب كان قد أعلن في عدة مناسبات عن رغبته في تخفيض سعر صرف الدولار بهدف تعزيز التصدير وإنعاش الصناعات المحلية.
هذا التوجه يعد عنواناً عاماً ولا يعكس التناقضات الكامنة في سياساته الاقتصادية.
وقدم الشعار تحليلًا للسياسات المقترحة من ترامب، مشيرًا إلى أنها لا تخدم الهدف المعلن لخفض الدولار لسببين رئيسيين:
السياسات الحمائية: فرض رسوم جمركية عالية سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار محلياً، وبالتالي زيادة معدلات التضخم. هذا سيتطلب تدخل الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، مما سيدفع إلى ارتفاع سعر صرف الدولار، كما حدث في عام 2023.
خفض الضرائب: تقليص معدلات الضرائب على الأفراد سيزيد من الدخل المتاح للإنفاق، مما يرفع الطلب الكلي ويؤدي إلى ضغط تصاعدي على الأسعار، وبالتالي زيادة التضخم. وهنا أيضًا سيتعين على الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة.
في ختام حديثه، أكد الشعار أن رغبة ترامب في تخفيض سعر صرف الدولار تتناقض مع السياسات المقترحة، حيث من المتوقع أن تؤدي تلك السياسات إلى ارتفاع سعر الدولار بدلًا من انخفاضه، وهو عكس الهدف الذي يسعى إليه ترامب.
وكان جي بي مورغان، قد شدد الأسبوع الماضي، على أن مساعي ترامب لإضعاف الدولار ستواجه عقبات. وبحسب ما نقلته وكالة بلومبيرغ، فقد كتب كبير خبراء الاقتصاد الأميركي في جي بي مورغان، مايكل فيرولي، في مذكرة، إن موضوع قوة الدولار يتصدر أذهان ترامب وزميله في الترشح السناتور جيه دي فانس من ولاية أوهايو، الذي أعرب أيضاً عن رغبته في انخفاض قيمة الدولار.
وأشار المعلقون إلى أن رغبة ترامب في خفض قيمة الدولار تتعارض مع تفضيلات سياسته التجارية، حيث تتوقع النظرية أن عملة الدولة التي تفرض التعريفات الجمركية يجب أن ترتفع قيمتها بعد فرض رسوم جمركية أعلى على الواردات.
خبير الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، أفاد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بأنه خلال فترة رئاسة ترامب السابقة تبنى سياسات اقتصادية شملت تخفيضات ضريبية كبيرة وزيادة في الإنفاق الحكومي، مما أدى إلى ارتفاع العجز الفيدرالي.
وفقاً لمكتب الميزانية في الكونغرس، ارتفع العجز من حوالي 665 مليار دولار في عام 2017 إلى 984 مليار دولار في العام 2019، ووصل إلى مستويات قياسية خلال جائحة كوفيد-19 في العام 2020 حيث بلغ 3.1 تريليون دولار.
زيادة العجز قد تضع ضغوطاً على الدولار من خلال زيادة العرض النقدي وتقليل الثقة في الاستدامة المالية للولايات المتحدة.
وتابع أرشيد: على الصعيد التجاري، اعتمد ترامب سياسات حمائية، بما في ذلك فرض رسوم جمركية على الصين والاتحاد الأوروبي. هذه السياسات أدت إلى توترات تجارية أثرت على الأسواق العالمية. وعلى الرغم من أن الهدف كان تقليل العجز التجاري، إلا أن العجز التجاري الأميركي ارتفع إلى 678.7 مليار دولار في العام 2020، وهو أعلى مستوى منذ العام 2008.
وأوضح أن التوترات التجارية يمكن أن تؤدي إلى تقلبات في قيمة الدولار، حيث يسعى المستثمرون إلى الملاذات الآمنة أو يتجنبون الأصول الأمريكية بسبب عدم اليقين.
وفي اعتقاد أرشيد، فإنه:
إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فمن المحتمل أن يستمر في سياساته الاقتصادية والتجارية السابقة.
قد يؤدي ذلك إلى استمرار ارتفاع العجز الفيدرالي إذا تم تنفيذ المزيد من التخفيضات الضريبية أو زيادة الإنفاق دون تعويضات مالية.
بالإضافة إلى ذلك، قد تتجدد التوترات التجارية إذا أعاد فرض الرسوم الجمركية أو انسحب من الاتفاقيات التجارية.
هذه العوامل يمكن أن تؤدي إلى إضعاف الدولار بسبب زيادة العرض النقدي وتقليل الثقة الدولية.
على سبيل المثال، إذا ارتفع العجز الفيدرالي مرة أخرى إلى مستويات قياسية، فقد يتجاوز 4 تريليونات دولار، مما يزيد من نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي بلغت حوالي 125 بالمئة في عام 2023. ارتفاع هذه النسبة يمكن أن يؤدي إلى تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، كما حدث في عام 2023 عندما خفضت وكالة فيتش التصنيف الائتماني الأميركي من AAA إلى AA+. ووفق أرشيد، فإن تخفيض التصنيف يزيد من تكاليف الاقتراض ويضعف الثقة في الاقتصاد الأمريكي، مما يؤثر سلبًا على قيمة الدولار.
من جهة أخرى، يبقى الدولار عملة الاحتياط الرئيسية في العالم، ويستفيد من دوره كملاذ آمن خلال فترات عدم اليقين. قد يؤدي عدم الاستقرار في الاقتصادات الأخرى أو الأزمات الجيوسياسية إلى زيادة الطلب على الدولار، مما يعزز قيمته حتى في ظل السياسات المحلية غير المواتية، بحسب الخبير في الشؤون الاقتصادية.
في السياق، رفض أحد كبار المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المخاوف من أن مرشح الحزب الجمهوري قد يضعف الدولار أو يخفض التجارة إذا أعيد انتخابه، مؤكدا أنه يريد أن تظل الولايات المتحدة العملة الاحتياطية العالمية ويستخدم التعريفات الجمركية كتكتيك تفاوضي.
تأتي أهمية تعليقات مدير صندوق التحوط، سكوت بيسنت، لكونه برز كمستشار بارز لترامب في مجال الاقتصاد والمالية في السنوات الأخيرة.
في حديثه لصحيفة فاينانشال تايمز، قال بيسنت إنه يتوقع أن تدعم الإدارة الجديدة المحتملة لترامب الدولار القوي بما يتماشى مع السياسة الأميركية على مدى عقود من الزمن ولن تحاول عمدا خفض قيمته. وأضاف أن ترامب “يقف إلى جانب الولايات المتحدة باعتبارها عملة احتياطية”.
وكما أردف قائلاً: “إن العملة الاحتياطية قد ترتفع وتنخفض وفقاً للسوق. وأعتقد بأنه إذا كان لديك سياسات اقتصادية جيدة، فمن الطبيعي أن يكون لديك دولار قوي”.
كما دافع بيسنت، الذي حذر من أنه لا يتحدث باسم ترامب، عن تعهد الرئيس السابق بفرض رسوم جمركية شاملة على الواردات، بما في ذلك فرض رسوم شاملة تصل على جميع السلع. وقال إن هذه مواقف “متطرفة” من المحتمل أن يتم تخفيفها في المحادثات مع الشركاء التجاريين. وقال: “وجهة نظري العامة هي أنه في نهاية المطاف، هو من أنصار التجارة الحرة. إنه تصعيد من أجل خفض التصعيد”.
على الجانب الآخر، قالت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن ترامب قد يتسبب في إضعاف قيمة الدولار عمداً؛ بهدف تعزيز فرص التصدير والتصدي للحروب التجارية المتوقعة نتيجة سياساته الحمائية، وخاصة تجاه الدول المصدرة للتكنولوجيا مثل الصين، موضحة أن ضعف الدولار سيُعتبر محفزاً لارتفاع أسعار الأصول، مثل البيتكوين والذهب والفضة، بالإضافة إلى مؤشرات الأسواق المالية.
وأشارت إلى أن استراتيجية ترامب الاقتصادية تتضمن -في تطبيقها العملي- خفض قيمة الدولار لاستعادة الوظائف وتحفيز الأسواق، إلا أن هذه السياسة قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد الأميركي والعالمي؛ إذ أن عامل مثل تخفيض الضرائب على المواطنين قد يرفع سقف الدين الأميركي، مما سيدفع الحكومة للبحث عن موارد بديلة لتمويل العجز المتزايد في الميزانية.
وأبرزت رمسيس أن سياسة ترامب تجاه الهجرة، قد تؤدي كذلك إلى تفاقم عدم الاستقرار في السوق المحلية، مضيفة: “عندما تتأثر أميركا بأية أزمة، فإن الاقتصاد العالمي كله يشعر بالتبعات”. وتابعت بأن الاقتصاد العالمي قد يواجه مرحلة من الانكماش جراء هذه السياسات، مما يعزز المخاوف من عودة ترامب وتأثيره المحتمل على الأسواق الدولية.
اتفق معها رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، والذي قال لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن “ترامب يسعى بشكل واضح إلى إضعاف الدولار لجعله أكثر تنافسية على المستوى الدولي، حيث يرى أن قوة الدولار تضر بقدرة الولايات المتحدة على التصدير”.
وأضاف يرق أن ترامب وعد بزيادة الضرائب بنسبة 10 بالمئة على المنتجات المستوردة و100 بالمئة على السيارات الصينية، مع فرض رسوم إضافية على السلع القادمة من أوروبا، في إطار سياساته الحمائية لدعم الاقتصاد المحلي.
وأشار إلى أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى تعزيز الصادرات الأميركية من خلال جعل الدولار أضعف. ومع ذلك، فإن هذه السياسات قد تؤدي إلى زيادة العجز المالي بمقدار 10 تريليون دولار، نتيجة لزيادة الاقتراض تحت إدارة ترامب. هذا العجز قد يعرض الاقتصاد الأميركي لمزيد من الضغوط والتحديات.
واختتم يرق تصريحه بالإشارة إلى أن تجربة ترامب الاقتصادية معروفة بتدخله في قرارات الاحتياطي الفيدرالي، مما قد يثير مخاوف جديدة في الأسواق المالية. وأضاف: “رؤية ترامب الاقتصادية وأهدافه ستظل محورًا للنقاش والصراعات الاقتصادية، وسيكون للانتخابات القادمة دور حاسم في تحديد اتجاه هذه السياسات”.