أبرزرأي

هل تكون صفقة بايدن الفرصة الأخيرة؟

كتب طوني فرنسيس, في “اندبندنت عربية” :

هل ستسير الرياح كما تشتهي سفن بايدن؟ في الجواب عن هذا السؤال لا بد من عودة لحسابات الأطراف المعنيين الأساس.

في مبادرته الأخيرة لوقف الحرب في غزة، يجعل الرئيس الأميركي الجميع منتصرين في انتظار تسوية نهائية قوامها حل الدولتين.

قدم بايدن أول من أمس الجمعة، وبالتنسيق المسبق مع إسرائيل، خطة لوقف النار وتبادل الأسرى وإعادة إعمار غزة تتألف من ثلاث مراحل.

تتضمن المرحلة الأولى التي تستمر ستة أسابيع وقفاً لإطلاق النار على نحو كامل وشامل، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من جميع المناطق المأهولة وإطلاق الأسرى من النساء وكبار السن والجرحى الذين تحتجزهم “حماس”، في مقابل إطلاق إسرائيل مئات السجناء الفلسطينيين.

وفي المرحلة الثانية يطلق جميع الأسرى وتنسحب إسرائيل كلياً من القطاع، وقد أطلق بايدن على هذه المرحلة عنوان” نهاية دائمة للأعمال القتالية”، والوصول إليها يتطلب مفاوضات بين إسرائيل و”حماس” قد تتطلب أكثر من ستة أسابيع، وسيستمر وقف النار طالما استمرت هذه المفاوضات التي يفترض أن تؤدي إلى إطلاق جميع الأسرى الباقين على قيد الحياة، بما في ذلك الجنود، فيما تنسحب القوات الإسرائيلية من غزة.

على أن كل ذلك رهن وفاء “حماس” بالتزاماتها، فطالما أوفت بالتزاماتها سيصبح وقف إطلاق النار الموقت وقفاً دائماً للأعمال القتالية.

أما المرحلة الثالثة من اقتراح بايدن فتتعلق بإعادة الإعمار واستعادة الجثث، ويقول الرئيس الأميركي “في هذه المرحلة ستبدأ خطة الإعمار الكبرى في غزة، وستعاد رفات الأسرى الذين قتلوا لذويهم”.

بايدن الذي رأى أن إسرائيل دمرت قوات “حماس” التي لم تعد “قادرة على تنفيذ هجوم آخر مثل هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023″، جزم أن الدول العربية والمجتمع الدولي سيشاركون في إعادة الإعمار “بطريقة لا تسمح لـ ’حماس‘ بإعادة التسلح”، وستعمل الولايات المتحدة على إعادة بناء المنازل والمدارس والمستشفيات بالتعاون مع شركائها.

رحبت “حماس” بالخطة الرئاسية الأميركية في رد فعل أولي، بينما قال مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية إن الحرب لن تنتهي حتى تحقق كل أهدافها، وفي الأثناء احتدم التوتر على الحدود اللبنانية وزاد الحوثيون وتيرة خطابهم الهجومي حد الإعلان عن استهدافهم حاملة الطائرات الأميركية “أيزنهاور”، فيما كان وزير الخارجية الإيراني الجديد علي باقر قني، المفاوض الإيراني الأول مع الولايات المتحدة، يستقبل قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني ويبحث معه نشاطات الفيلق المسؤول عن الميليشيات المرتبطة بإيران في الشرق الأوسط.

لم تولد خطة بايدن من فراغ، وهي إذ تقدم فرصة لإسرائيل للخروج من حرب تنهي شهرها الثامن هذا الأسبوع، فإنها تعطي في المقابل فرصة لـ”حماس” والفصائل الحليفة للبقاء والتفاوض، كما تتيح لإيران التي تعمل بمنطق الوصي على غزة أن تنظم انتخاباتها الرئاسية بهدوء، وفي الأثناء ينصرف بايدن نفسه إلى التحضيرات النهائية لمعركته من أجل الرئاسة الخريف المقبل.

لكن هل ستسير الرياح كما تشتهي سفن بايدن؟ في الجواب عن هذا السؤال لا بد من عودة لحسابات الأطراف المعنيين الأساس.

ينطلق بايدن، وهو شريك أساس في دعم الحرب الإسرائيلية على “حماس” إثر هجومها على غلاف غزة، من نقطة المراوحة التدميرية التي بلغتها هذه الحرب والتي باتت ردود الفعل الأميركية والدولية والعربية عليها تؤثر في مصيره السياسي، عدا عن تأثيرها في مستقبل إسرائيل نفسها، ولقد قدمت إدارة بايدن كل شيء لإسرائيل في معركتها وخاضت من أجلها المعارك الدبلوماسية والسياسية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وتبنت موقفها من قرارات محكمتي العدل والجنائية الدولية، ولم تتوقف عن السعي إلى تحسين علاقاتها مع المحيط العربي، وفي المقابل لم تجد من الطاقم الحكومي الإسرائيلي سوى الانتقاد ورفض النصائح الحريصة على مستقبل الدولة العبرية، وعلى رغم تحذيرات الإدارة المعلنة من الهجوم على رفح إلا أن القوات الإسرائيلية اخترقت هذه المدينة وطردت سكانها والمهجرين إليها في أوقات سابقة، وافتخرت بالسيطرة على الشريط الحدودي مع مصر.

ومع ذلك خرج رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي داعياً مواطنيه إلى الاستعداد لحرب تستمر سبعة أشهر إضافية، ورد بايدن في اتصال مع نتنياهو، سبق إعلانه المبادرة بأيام، بأن القتال يجب ألا يستمر حتى نهاية العام.

بايدن لا يريد، بحسب موقع “اكسيوس”، أن تؤدي الحرب في الشرق الأوسط إلى إفساد فرص إعادة انتخابه، ولذلك سارع إلى تقديم مقترحاته، فبالنسبة إليه فعلت إسرائيل كل ما يمكنها فعله في المعارك، بما في ذلك دخول رفح، وآن الأوان لبدء البحث في التسويات التي تخدم، ليس فقط إعادة انتخابه، ولكن أيضاً مشروعه الأوسع للشرق الأوسط.

صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أكدت السبت الماضي أن إدارة بايدن أبلغت إسرائيل مسبقاً بمضمون خطاب الرئيس الأميركي، علماً أن ما ورد فيه يتلاقى مع الاقتراح الذي كانت مصر قد أعدته ووافقت “حماس” عليه بداية مايو (أيار) الماضي، ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إن المسؤولين الإسرائيليين باتوا يدركون أنه “لن يكون من الممكن صياغة عرض أفضل في المدى القريب”.

ويتخوف البيت الأبيض من معارضة كبيرة داخل ائتلاف نتنياهو تؤدي إلى انقلاب الأخير على الاقتراح، ويقول مسؤول أميركي تعليقاً على هذا الاحتمال إنها “مسألة خارجة عن سيطرتنا”.

وفي الواقع أعلن نتنياهو شروطه رداً على الخطة المطروحة التي اعتبرها استجابة للطرح الإسرائيلي، فقال إن “شروط إسرائيل لإنهاء الحرب لم تتغير، وهي القضاء على قدرات ’حماس‘ العسكرية وقدرتها على الحكم وإطلاق جميع الرهائن، وضمان ألا تشكل غزة تهديداً لإسرائيل”.

وسيواجه بايدن صعوبات إسرائيلية مرتبطة بطبيعة التركيبة الحكومية في تل أبيب، لكنه سيتمتع بدعم وقبول من جمهور إسرائيلي عريض واجه الحكومة ونتنياهو في معركة القضاء ثم في المطالبة بالأسرى والمحاسبة على التقصير، وسيدعم المناخ العربي والدولي تحرك بايدن.

الثلاثي، مصر وقطر والولايات المتحدة، دعا كلاً من “حماس” وإسرائيل إلى إبرام اتفاق يجسد المبادئ التي حددها بايدن في الـ 31 من مايو الماضي، وقد يكون موقف “حماس” أقرب إلى القبول بتوجهات الخطة الأميركية، خصوصاً أنها تقول بوقف فعلي لإطلاق النار، لكن السير في هذا المنحى سيكون محكوماً بعاملين أساسين، الأول الموقف الإسرائيلي الذي زاد من حدة عملياته داخل لبنان والقطاع، فيما تخضع الحكومة الإسرائيلية لضغوط رافضة لوقف الحرب تهدد بإسقاطها كما يعلن الوزيران بن غفير وسموتريتش.

وأما الثاني هو الموقف الإيراني الذي سينقله علي باقري خليفة حسين أمير عبداللهيان إلى قادة الميليشيات العاملة مع “فيلق القدس” في سوريا ولبنان.

ولم يتضح ما إذا كانت صفقة بايدن قد نوقشت أيضاً مع الإيرانيين الذين مثلهم باقري خلال محادثات مسقط والدوحة وغيرها، لكنه بات معروفاً أن اجتماع فصائل “محور المقاومة” في طهران إثر تشييع الرئيس إبراهيم رئيسي قرر برئاسة قائد “الحرس الثوري” اللواء حسن سلامي وقاآني، تصعيد المواجهة على كل الجبهات، وعشية قراره المفاجئ بالقدوم إلى لبنان وسوريا التقى باقري قني قاآني في مبنى وزارة الخارجية، وهذه خطوة لها رمزيتها، ليعلن بعد ذلك أن جولته على لبنان وسوريا، عملياً للقاء “حماس” و”حزب الله” وباقي فصائل المحور، تأتي “في مسعى إلى لعب دورنا الرئيس، فإيران تلعب دوراً مهماً في مقاومة الشعب الفلسطيني، و(نحن) كحركة مقاومة نبذل جهوداً لإعادة الأمن والهدوء إلى المنطقة”، ولذلك فقد تكون صفقة بايدن فرصة أخيرة لمختلف الأطراف، ولن تتأخر نتائجها في الظهور سلباً أو إيجاباً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى