هل تفكيك ميتا من مصلحة الولايات المتحدة؟

يتعين على الولايات المتحدة الحفاظ على قدرة شركات التكنولوجيا الكبرى لدينا على المنافسة عالمياً. روبرت أوبرايان – ناشيونال إنترست
بدأت لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) في عهد جو بايدن محاكمتها ضد شركة ميتا في قضايا مكافحة الاحتكار. ويلوح الآن شبح تفكك الشركة، وتحديداً البيع القسري لانستغرام وواتساب، بقوة. وبينما يتمثل هدفها المعلن في الحد من الممارسات الاحتكارية وتعزيز المنافسة، فإن نهج لجنة التجارة الفيدرالية يهدد بتقويض الأمن القومي الأمريكي، وقوتها الاقتصادية، وريادتها التكنولوجية على الساحة العالمية.
في الوقت الذي تخوض فيه الولايات المتحدة منافسة شرسة مع الصين على التفوق التكنولوجي، فإن تفكيك أحد أنجح مبتكرينا المحليين سيمنح بكين نصراً استراتيجياً، كما أنه يتعارض مع أجندة الرئيس دونالد ترامب التجارية، التي تعطي الأولوية لمرونة الاقتصاد الأمريكي. ويجب على لجنة التجارة الفيدرالية إعادة النظر في استراتيجيتها قبل أن تلحق ضرراً دائماً بأمريكا.
تعتبر ميتا، التي تمتلك منظومة تطبيقات مثل فيسبوك وإنستغرام وواتساب، واحدة من أبرز المبتكرين الأمريكيين. وتوفرهذه المنصات مجتمعة التواصل والتجارة والثقافة لمليارات المستخدمين حول العالم بشكل لا مثيل له. وكذلك ازدهرت شركة إنستغرام، التي تم الاستحواذ عليها في عام 2012 مقابل مليار دولار، وواتساب، التي تم شراؤها في عام 2014 مقابل 19 مليار دولار، تحت إدارة ميتا.
تُعدّ المنافسة التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين السباق العلمي الأبرز في عصرنا، حيث يشكل أمننا القومي محور اهتمامنا. فعلى عكس الصين، التي تمتلك شركات ضخمة مملوكة للدولة ومشاريع بحثية حكومية، تعتمد الولايات المتحدة بشكل شبه كامل على شركات القطاع الخاص في المنافسة.
وتحافظ شركات التكنولوجيا الأمريكية الرائدة، مثل ميتا، على تفوقنا في تطوير التقنيات المستقبلية، حيث تستثمر الصين بكثافة لتتفوق علينا. ولذلك فإن إجبار ميتا على التخلي عن إنستغرام وواتساب من شأنه أن يقوض نطاقها العالمي، ويمنح الشركات المملوكة للدولة في الصين، وحتى شركاتها “العامة” مثل بايت دانس وتينسنت، ميزة حاسمة.
وستهيمن هذه الشركات الصينية، التي لا تعيقها عمليات التفكيك القسرية، والمدعومة من الدولة، على الأسواق العالمية، تاركة الولايات المتحدة متأخرة في الابتكار والتأثير. ومنصات ميتا لا تمثل مجرد شبكات تواصل اجتماعي، بل هي بنية تحتية حيوية للبحث والتطوير، وسبل لنشر القيم الأمريكية مقابل القيم الصينية.
إن تفكيك ميتا سيشير للعالم بأن التكنولوجيا الأمريكية مستهدفة حتى في أمريكا. وستؤدي هذه الخطوة إلى فرض لوائح تنظيمية أكثر صرامة في الخارج، مثل ضرائب الخدمات الرقمية والإفصاحات الإجبارية عن البيانات، مما يستنزف موارد شركات التكنولوجيا الأمريكية بما يتجاوز ميتا بكثير.
كما أن انتشار الضرائب واللوائح وغرامات مكافحة الاحتكار من شأنه أن يعيق قدرة أمريكا على الابتكار، حيث أن خسائر الإيرادات الناجمة عن عمليات التخارج والعقوبات تحد من الاستثمارات في التقنيات الحيوية. وسيتباطأ البحث والتطوير على نطاق واسع في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يشغل أنظمة الدفاع، وتكنولوجيا الكم التي تؤمن الاتصالات، وشبكات الجيل الخامس التي تدعم المرونة العسكرية والاقتصادية، بشكل كبير.
إن تفكيك ميتا سيرسل رسالة واضحة إلى أصدقائها من الجهات التنظيمية العالمية في بروكسل وأماكن أخرى، مفادها أن “موسم الاستحواذ” على أكبر الشركات الأمريكية قد بدأ. ويسخر هذا النهج من سياسة الرئيس ترامب التجارية “أمريكا أولاً”، إذ يخبر الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، أنه مهما خسر من أموال نتيجة زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية، يمكنه تعويض نفسه بأموال من جيب العم سام من خلال إجراءات مكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى.
في غضون ذلك، ستنطلق شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة، متحررة من هذه القيود، مستحوذة على الأسواق ومرسية معايير التكنولوجيا العالمية. وستصبح التطبيقات الصينية مثل وي تشات أو دوين رائدة على الساحة العالمية.
المصدر: ناشيونال إنترست