هل تعطّل الكهرباء الانتخابات؟
كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:
يفترض ظاهر إقفال اللوائح الانتخابية منتصف ليل أمس، إنجاز المرحلة الأولى من انتخابات 15 أيار، تمهيداً للانتقال الى المرحلة التالية: يوم فتح الصناديق والاقتراع. كل ما حصل الى اليوم حسن. إلا أنه ليس كل ما ينبغي أن يكون
أرسل إقفال اللوائح الانتخابية آخر الإشارات الإيجابية الى أن انتخابات 15 أيار في موعدها المقرر، بوفرة عدد المرشحين واللوائح، وانخراط الأحزاب والتيارات في الحملات الانتخابية، فضلاً عن التحالفات وتبادل التشهير والتخوين بعضها مع بعض، وتجييش الرأي العام لحمله على التصويت.
ما تم الى الآن لم تصدمه أي مفاجأة. الأفرقاء جميعاً متحمّسون لإجراء الانتخابات، وليس من بينهم أحد يقول بتأجيلها وتمديد الولاية، أو يتذرّع، في الظاهر على الأقل، بعرقلة وشيكة لها. على أن ذلك كله غير كاف بالضرورة للقول بأن لا صدمة يمكن أن تقطع الطريق على الاستحقاق. المعلن، تبعاً للمواقف المدلاة، أن مجلس النواب لن يكون في صدارة الحدث بأن يفتعل حجة للتعطيل على غرار تمديدَي 2013 و2014. بيد أنه هو الوحيد المعني بإنجاز التأجيل عندما يحين أوانه ــــ إذا حان ــــ كونه صاحب الصلاحية القانونية في تشريع تمديد الولاية. آنذاك دارت الشبهات كلها من حوله، والحجة الأبرز عدم التوافق على قانون جديد للانتخاب.
الصدمة الجديدة المفترضة أمام 15 أيار 2022، لن يكون مصدرها السياسيون ولا الكتل ولا البرلمان حتماً. كذلك لن يظهر موعدها قبل شهر على الأقل. يقتضي إمرار نيسان كله مشغولاً بالحملات الانتخابية الى مطلع أيار المقبل، في الأسبوعين اللذين يسبقان موعد الاقتراع. إذذاك تحدث المفاجأة، إذا كانت واقعة بالفعل. وهو ما حصل أيضاً عام 2013.
يبعث على الشعور بهواجس كهذه على مصير الانتخابات، ما بات يسري في الأيام الأخيرة عن صعوبات لوجستية ومالية، من شأن استمرارها الحؤول دون إجراء الانتخابات في موعدها. الأدهى هو انحسار موجة النصائح الدولية، وكانت متلاحقة يومياً تقريباً، بلسان سفراء الدول أو هيئات دولية، في الحض على إجراء الانتخابات في موعدها والتمسك بها. تدنّت النبرة كثيراً، وأظهرت تراجعاً في الاهتمام بعدما لاح في الأشهر المنصرمة أكثر من تهديد دولي للطبقة السياسية اللبنانية بتوقّع تعرّضها لعقوبات دولية صارمة، في حال إهدارها فرصة إجراء انتخابات نيابية عامة.
العلامات السلبية الجديدة ــــ وقد لا تقتصر على كونها علامات فحسب ــــ باتت تدور من حيث لا يفترض أن تكون ثمة مشكلة، ومرتبطة بآلة إجراء الانتخابات وأدوات إدارتها. أولى العقبات التي باتت في نهاية الأسبوع المنصرم تتخذ جدية مقلقة، ولم تعد مجرد توقعات أو تكهنات، ما أبلغ به رئيس مجلس إدارة كهرباء لبنان كمال حايك، الجمعة الفائت، وزير الداخلية بسام مولوي من أن مؤسسة كهرباء لبنان لن يسعها توفير الكهرباء لثلث أقلام الاقتراع على الأقل، ما يوجب البحث عن حلول وبدائل أخرى. من بين ما أثير، لإنقاذ الانتخابات، استئجار مولدات كهربائية، وربما أكثر من مولد لكل من المراكز، تحوطاً من احتمال تعطلها في اليوم الطويل من الاقتراع. ذلك يحتم توفير المازوت لها ودفع ثمنه مسبقاً بالدولار الطازج ومراقبة تشغيلها.
رغم أن مجلس النواب أقرّ في جلسته الأخيرة في 29 آذار، فتح اعتماد إضافي في الموازنة لتغطية نفقات الانتخابات النيابية، إلا أن الاعتماد المقرّ لا تدخل فيه مشكلة الكهرباء التي بدا كأنها ظهرت فجأة للعيان، وأضحت سبباً مباشراً للخشية من تعطيل الاستحقاق. معضلة مزمنة تطاول البلاد كلها، غير قابلة للحل في مدى قريب، إلا أن التعامل المحدث معها أنها تهدّد الآن انتخابات أيار.
مع أن ثمة أسباباً أخرى مانعة، أو معرقلة على الأقل، لإجراء الاستحقاق، كالكلام الشائع عن تغيب القضاة والموظفين المكلفين إدارة النهار الانتخابي الطويل، ومن ثم فرز النتائج في اليومين التاليين، وإن تردّد في المقابل أن تعويضاتهم متوافرة لكنها مؤجلة التسديد الى ما بعد انتهاء الانتخابات، فإن ذريعة الكهرباء تمسي الحل الأسهل والأكثر إقناعاً لإعطاب الاستحقاق نهائياً، دونما أن يتحمل أي حزب أو تيار أو مرجعية سياسية وزر تسبّبه في تمديد الولاية. البعض يرى في الكهرباء ذريعة واجبة كي يتفهّم المجتمع الدولي تعذّر إجرائها، من غير تحميل أي فريق التبعة تلك ما دام الجميع يتحضّرون للخوض فيها، وباتوا أقرب من أي وقت آخر في الشوط الأخير إليها.
سواء صحّ أنّ العلّة في الكهرباء، أو في القضاة والموظفين، أو في التحضيرات اللوجستية غير المكتملة، أو في عدم جهوز مراكز الاقتراع في الخارج المدعوّة الى التصويت في 6 أيار و8 منه، في الأسبوع السابق للاقتراع الوطني، إلا أن لانتخابات أيار أكثر من دلالة ترشّحها الى أن تكون أحد أفضل الاستحقاقات أو أسوأها. السبب وجيه هو أن الأفرقاء المعنيين يعرفون باب الدخول إليها لا باب الخروج منها:
أولى الدلالات، مع أن اللوائح المسجلة ذاهبة جميعها الى الانتخابات، ولم يعد يسعها التراجع الى الوراء، إلا أنها تخشى مما لا تتوقعه في حساباتها. بعض الائتلافات الانتخابية أقرب ما تكون الى زواج بالإكراه. الجميع في حاجة الى تعاضد بعضهم مع بعض لجمع الحواصل المؤهلة للمقاعد، وفي الوقت نفسه يتوجّسون من الأصوات التفضيلية المفضية الى الفوز. أبرز ما بات معلوماً في هذه الائتلافات، أن أبطالها يتحدثون عن تعاون انتخابي ليس إلا، يُفضّ للفور على إثر إعلان النتائج النهائية. ذلك ما لم يحدث في انتخابات 2005 و2009 عندما انتهت، على الأقل بالنسبة الى قوى 14 آذار، الى تكوّن غالبية جمعت أفرقاء متنافرين متقاتلين في ما مضى، بيد أنهم أضحوا حينذاك تحت مظلة «قضية» تجمع صفوفهم. لا مغزى للتحالفات الانتخابية الآن، ولا قضية لها أو شعاراً ذا صدقية يحظى بالاحترام، سوى أن الكتل، واحدة بعد أخرى، تريد الانتصار على منافستها في الطائفة نفسها لا أكثر.
تراجع الاهتمام الدولي بالانتخابات، هل يؤذن بـ«تفهّم» تأجيلها في اللحظة الأخيرة؟
ثانيتها، خلافاً لما تشيعه الكتل جميعاً من أنها في انتخابات 2022، ستنتفخ أحجامها أكبر مما كانت عليه في انتخابات 2018، إلا أنها تعرف في قرارة نفسها أنها أمام خيارات غير سارّة لها: إقبال ضعيف يخفّض الحاصل ويطعن إذذاك بشرعية التمثيل، أو خوض انتخابات ستجد الأحزاب نفسها ملزمة توسّل الفوضى والعنف، أو توقّع طعن في الظهر متبادل في أكثر من اتجاه. كل الأفرقاء المنخرطين في انتخابات أيار يحمّلون إجراءها بعداً أكبر مما يحمل، أو يريد أن يحمل. مرة أنها انتخابات على صورة النزاعات الإقليمية يقتضي الخيار في ما بينها، ومرة أنها كيانية لطائفة أو مجتمع أو قوة سياسية، ومرة أنها انتخابات يراد منها تغيير وجه لبنان.