رأي

هل تسعى إسرائيل إلى جر أمريكا في حرب مع إيران؟

كتبت د. نورة صالح المجيم في صحيفة القبس.

يتبين منذ اليوم الأول من انطلاق حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى مباشرة، أن إسرائيل قد عقدت العزم على توسيع نطاق هذه الحرب إلى حرب شاملة تستهدف إيران ووكلاءها. حيث بدأت مباشرة في استهداف مواقع لحزب الله اللبناني، وأهداف للحرس الثوري في سوريا والعراق.

وتطور نطاق الاستهداف الإسرائيلي كميا ونوعيا، ليشمل تكثيف العمليات على حزب الله، وتوسيع نطاق الاغتيالات لقادة حزب الله والحرس الثوري الإيراني، وبلغت ذروة الاستهداف ضرب القنصلية الإيرانية في سوريا، والذى أدى إلى مقتل حوالي سبعة من قادة الحرس الثوري الإيراني. مما دفع إيران إلى الرد على إسرائيل بصورة مباشرة لكنها بصورة محدودة أيضا؛ كإنذار وتحذير لإسرائيل، وحفظ ماء الوجه أيضا.

والسؤال الذي يجب إثارته هنا: لماذا تسعى إسرائيل بقوة إلى حرب مع إيران؟ وهل تسعى أيضا إلى توريط واشنطن فيها؟. في واقع الأمر، إن إصرار إسرائيل على الحرب مع إيران بعد طوفان الأقصى تحديداً، تتداخل فيه اعتبارات عديدة، دافعة كلها – من منظور الكيان الصهيوني – إلى حتمية الحرب مع إيران.

ترى حكومة تل أبيب أن إيران كانت المحرض والمخطط الرئيسي لعملية طوفان الأقصى، والتي جعلت الكيان الصهيوني في حالة دفاع عن البقاء. وبالتالي، فاعتبار الانتقام من إيران الملاصق باعتبار الدفاع عن البقاء حافزاً قوياً للحرب مع إيران. وربما هو الحافز الأقوى، إذ إن هزيمة إيران قد أصبحت مرادفاً لبقاء وأمن إسرائيل، ولا سيما أن جميع حركات المقاومة المحيطة بإسرائيل، والتي تشكل تهديدا أمنياً مستمراً لها، تعتبرها اسرائيل مدعومة من إيران.

وترى الحكومة الإسرائيلية أيضا أن طوفان الأقصى قد شكل فرصة ذهبية سانحة لتبرير الحرب على إيران والقضاء على كابوس برنامجها النووي، خاصة في ظل ضبابية مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، والتي تسمح لإيران بكسب الوقت لإتمام عملية التخصيب الكامل لليورانيوم وامتلاك القنبلة النووية. ومن زاوية أخرى، ستكسب الحرب مع إيران مزيداً من الشرعية والاستمرارية لحكومة نتانياهو التي تواجه مأزقاً رهيباً من جراء هزيمة طوفان الأقصى والفشل في تحرير الرهائن لدى «حماس».

ثمة معطيات ثابتة عدة متفق عليها تقليدياً أو تاريخياً بين إسرائيل والولايات المتحدة، وهي الالتزام بالدفاع عن أمن إسرائيل، لكن في حالة وجود تهديد خطير لها أو تعرضها لعدوان. ومن ثم، فمن ضمن المتفق عليه أيضاً حتى ولو ضمنياً، عدم انجرار إسرائيل في حرب أو صراع كبير دفاعي أو ردعي بالأساس من دون إذن واشنطن. إذ يجب أن تراعي إسرائيل في حساباتها مصالح واشنطن في المقام الأول، في حال إصرارها على حرب ضارة بمصالح أمريكا.

لكن من الواضح أن تمادى إسرائيل في التحرش بإيران، والتي وصلت إلى ضرب قنصليتها في سوريا – الذي يعد إعلان حرب في القانون الدولي – أن إسرائيل قد عقدت العزم على جر واشنطن في حرب مع إيران. فإسرائيل بالقطع – وهي تعلم ذلك – لا تقوى بمفردها على حرب مع إيران.

موقف وحسابات واشنطن

من حيث المبدأ – وهو ما تعلمه إسرائيل علم اليقين – ترفض واشنطن مطلقاً الانخراط في حرب مع إيران، ولا حتى التورط في أي حرب كبرى في العالم، عداً إمكانية الحرب مع الصين كخيار اضطراري إذا ضمت تايوان بالقوة. والمفارقة هنا، أن إيران أيضاً غير راغبة مطلقاً في حرب مع واشنطن. إذ كلا الطرفين على بينة تامة للتداعيات الكارثية لهذه الحرب.

لكن مع ذلك، تجد واشنطن الآن نفسها في مآزق شديد للغاية. إذ أصبحت تلقى صعوبة في إقناع إسرائيل على وقف التصعيد الإقليمي الواسع، بما في ذلك عزم إسرائيل على اقتحام رفح.

بعبارة أخرى، أصبحت إسرائيل بقيادة حكوماتها اليمينية المتطرفة خارج السيطرة الأمريكية بصورة كبيرة وغير مسبوقة أيضاً. وعلى إثر ذلك أيضاً، بدأت منذ شهرين توترات وشد وجذب بين الطرفين لم تشهدها العلاقات من قبل، حيث زار وزير الخارجية بلينكن إسرائيل نحو 6 مرات للضغط على إسرائيل لوقف التصعيد. وضغط بايدن على إسرائيل للاكتفاء بالرد المحدود على إيران رداً على ردها.

هذا فضلاً عن التهديد العلني والضمني بعدم مساندة إسرائيل في حرب مع إيران، وفرض عقوبات على إسرائيل إذا اقتحمت رفح، وأيضاً فرض عقوبات على مستوطنين يهود في الضفة الغربية.

الخلاصة، تسعى إسرائيل جاهدة لتوريط واشنطن في حرب مع إيران، وهو ما ترفضه واشنطن جملةً وتفصيلاً. ومع ذلك، فهي في مأزق شديد، فقد تورطها إسرائيل في هذه الحرب في تصعيد طائش من دون إذن واشنطن بالطبع، وستجبر على الدفاع انطلاقاً من التزامها الأبدي بالدفاع عن إسرائيل. ولتفادي ذلك المأزق الرهيب في تقديرنا، يجب على واشنطن تكثيف ضغوطها على إسرائيل بوسائل شتى، والإسراع بإنهاء الحرب في غزة، وفتح حوار مع إيران، وتكثيف حضورها العسكري في المنطقة لردع هذه الحرب من الأساس.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى