هل ترفع بكركي راية التوازن السياسي؟
تأت عظة البطريرك الماروني بشارة الراعي، لمناسبة السنة الجديدة، من فراغ، بحسب صحيفة “المدن”. جملة المواضيع التي تناولها فيها، هي أفكار يسعى البطريرك إلى وضع إطار سياسي لها. فهو يعتبر أن التشتت السياسي والضياع والاختلافات في الاتجاهات بين القوى المختلفة، سيؤدي إلى استمرار الفراغ والانهيار، طالما أن لا أحد من القوى السياسية جاهز للإقدام على خطوة من شأنها أن تحدث أي تغيير.
قبل عطلة الأعياد وخلالها كان للبطريرك سلسلة لقاءات متعددة مع زوار الصرح من طوائف مختلفة، إلى جانب لقاءات ونقاشات سياسية حصلت بين مقربين من بكركي وبعض من انقطعوا عن زيارتها منذ فترة طويلة، على خلفية الاختلاف في المواقف. والمقصود هنا حزب الله الذي اعترض على دعوات الراعي إلى عقد مؤتمر دولي بشأن لبنان.
كان الهدف بالنسبة إلى بكركي من هذه اللقاءات والمشاورات إيجاد قواسم مشتركة، يمكن أن يبنى عليها للوصول إلى تسوية تخرج لبنان من الفراغ الرئاسي.. سواء عبر اللقاءات مع شخصيات مسيحية، أبرزها رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل، ووفد من القوات اللبنانية برئاسة ستريدا جعجع، بالإضافة إلى لقاء مع الحزب التقدمي الاشتراكي، وشخصيات سنية متعددة، كان آخرها زيارة الرئيس فؤاد السنيورة إلى الصرح البطريركي على رأس وفد. تندرج هذه اللقاءات في سياق البحث عن مسعى سياسي جديد تقوده بكركي، والذي يجتمع السياسيون على مطالبتها به. إلا أن هذا التحرك يختلف عن ما حصل بين العامين 2014 و2016 والذي اقتصر فيما بعد على لقاء بين الزعماء الموارنة الأربعة، الذين اتفقوا فيما بينهم على تبني نظرية الرئيس القوي، أي خيار السير بواحد منهم لرئاسة الجمهورية.
وفق ما تقول مصادر بكركي، فإن الراعي لم يكن موافقاً على مثل هذا الطرح، ولذلك هو لا يريد تكراره، ولم يوافق على كل الدعوات التي وجهت إليه للقيام بالدعوة إلى حوار مسيحي مسيحي.
في مختلف لقاءاته كان الراعي واضحاً، بأنه لا بد من الاتفاق على شخصية قادرة على استعادة ثقة المجتمع الدولي والداخل اللبناني، ولا يتم التوافق عليها وفق المنطلقات السابقة لـ”التوافق” التي حتّمت على رئيس الجمهورية أن يكون مقيداً بشروط سياسية أو تحالفات حزبية.
يعبّر الراعي بوضوح عن أسفه لحالة التشتت على الساحة اللبنانية. ولدى مناقشته في ملفات لاسا والعاقورة، وبلدة رميش، يعبر عن أسفه لما يحصل، وينطلق سريعاً إلى إبداء الاستياء من حالة التشتت القائمة، والتي تجعل حزب الله في موقع الطرف الأقوى، بالاستناد إلى حالة الضعف لدى الآخرين، الذين لم يتوافقوا فيما بينهم على رؤية سياسية أو على سقف سياسي، يتمكنون من خلاله من إقامة التوازن. ولذلك تبقى الكفة تميل لصالح حزب الله.
بعد تقديم الراعي لهذه القراءة، بادره كثر بالقول: “لا أحد قادراً على رفع راية التوازن السياسي غير بكركي”، ويستعيدون لحظة إعلان البطريرك مطابلته بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان لحلّ الأزمة. وحينها كانت الاستجابة السياسية والشعبية سريعة له، وتوجهت الناس إلى بكركي في تظاهرة كبيرة. مثل هذه الفكرة حضرت في اللقاءات الأخيرة للبطريرك، بالإضافة إلى استذكار كثيرين حقبة البطريرك نصر الله صفير، والتحضير للقاء قرنة شهوان وبعده لقاء البريستول.
في اليومين المقبلين، سيستقبل الراعي المزيد من الوفود والشخصيات السياسية، التي ستطالبه مجدداً بضرورة حمل راية الحوار السياسي في بكركي، بناء على دعوة لا يمكن لأحد أن يرفضها سواء كان من قوى المعارضة أو من القوى الوسطية. ويعرف هؤلاء أنه لا بد من تقديم رؤية سياسية غير مستفزة لحزب الله، لعدم إفشال هذا التحرك. وثمة من يحاول أن يستفيد من بعض الاتصالات التي حصلت على خط المقربين من بكركي مع الحزب، بالإضافة إلى اتصال الراعي مع الرئيس نبيه برّي، لتقديم طرح سياسي لا يستفز أي طرف ولا يدفعه إلى إجهاضه في مهده.
من بين الأفكار التي ستناقش مع البطريرك في اليومين المقبلين، هي ورقة سياسية، تم البحث بها مسبقاً مع شخصيات سياسية مسيحية وإسلامية، تكون عبارة عن خريطة طريق يتم وضعها للخروج من المأزق الرئاسي، أو بالحد الأدنى تكون قادرة على جمع القدر الأكبر من القوى السياسية، التي لا يمكن استثناؤها من المعادلة، ولا يمكن إنجاز أي تسوية من دونها.
إنها عملياً تجربة جديدة يسعى لها بعض السياسيين مع بكركي إلا أنها لن تكون مضمونة النتائج.