هل ترامب جاد في التخلي عن أوكرانيا وعدم مراعاة مصالحها؟

كتبت آستريد برانغه دي أوليفيرا, في “DW” :
هل مصير أوكرانيا السياسي غير مهم بالنسبة لترامب؟ المؤشرات على ذلك تزداد. والثابت هو أن كييف لم تعد لها الأولوية في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. كما أن وقف إطلاق النار المنشود لا يزال بعيد المنال.
التهديد بحرب تجارية مع الصين وأوروبا، ونزاع حول الرسوم الجمركية مع الجارتين كندا والمكسيك، والحرب في غزة، وانهيار قيمة الأسهم في البورصة بالإضافة إلى الاحتجاجات الواسعة داخل البلاد ضد التسريح الجماعي؛ على كل هذه الجبهات يكافح ترامب، وبعض هذه المصاعب قد خلقها هو بنفسه.
في سيناريو الأزمة هذا، يطرح هذا السؤال: هل ستتخلى الولايات المتحدة عن أوكرانيا وتتركها تنهار؟ الإجابة بنعم، تبدو أنها مسالة وقت. فعدم نجاح الجهود في التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا، والعديد من العوامل الأخرى تشير إلى هذا السيناريو المرعب.
ترامب: قد لا تنجو أوكرانيا
كان الرئيس دونالد ترامب هو نفسه الذي تناول هذا الموضوع مؤخرا. ففي مقابلة مع شبكة فوكس نيوز بعد اللقاء الفضيحة مع الرئيس الأوكراني في البيت الأبيض، سألته المذيعة فيما إذا كان قادرا على التعامل مع فكرة أن أوكرانيا قد لا تنجو من الحرب مع روسيا؟
أجاب ترامب “حسنا، قد لا تنجو أوكرانيا على أية حال. الأمر دائما يتطلب وجود طرفين لنشوب حرب. في الحقيقة كان يجب ألا تنشب هذه الحرب، لكنها نشبت. ونحن عالقون الآن في هذه الفوضى”.
روبيو: يجب على أوكرانيا تقديم تنازلات
مصير أوكرانيا ليس على رأس أولويات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وهو ما أوضحه وزير الخارجية ماركو روبيو خلال جلسة الاستماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ في الخامس عشر من يناير/ كانون الثاني.
وأكد روبيو أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب أقرب حلفائها، وأشار في هذا السياق بالتحديد إلى إسرائيل وتايوان، بدون ذكر أوكرانيا. وقال “القضايا العالمية التي لا تخدم مصالح الولايات المتحدة، مثل أوكرانيا والتعاون التنموي، ستتم مراجعتها”.
وأضاف روبيو خلال جلسة الاستماع “على أوكرانيا تقديم تنازلات، وكل سنت للمساعدات الخارجية سيتم فحصه فيما إذا كان صحيحا وفعالا”.
بايدن أيضا استبعد إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا
بدأ تراجع السياسة الخارجية للولايات المتحدة حتى قبل ولاية ترامب الأولى، إذ “لم يلتزم أي رئيس أمريكي قبل ترامب بالقتال من أجل أوكرانيا” يقول شتفان فيرتهايم، الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية بمعهد كارنيغي للسلام الدولي، مذكّرا بمقال رأي نشره في صحيفة غارديان البريطانية.
فقد استبعد الرئيس جو بايدن بشكل صريح إرسال قوات أمريكية إلى أوكرانيا، ويضيف فيرتهايم “كذلك لم يدافع أي من الحلفاء في الناتو عن أوكرانيا بشكل مباشر”.
وسبب ذلك واضح: “هذا يعني الدخول في حرب مع روسيا” يشير فيرتهايم في مقاله ويضيف “هذا احتمال لا يزال من الممكن أن يردع الحلفاء في الناتو، بغض النظر عما يحدث في أوكرانيا”. حتى لو أن الأوروبيين لا يرغبون في سماع ذلك، فواضح أن الولايات المتحدة بقيادة ترامب لا تريد الالتزام بالدخول في حرب من أجل أوكرانيا مستقبلا، حسب رأي فيرتهايم.
“التضحية بالبيادق” في أوكرانيا؟
خبير الشؤون الروسية، شتفان مايستر، ينتقد بشدة رفض ترامب تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا. وقال في حوار مع محطة “SWR” التلفزيونية الألمانية “بذلك أضر ترامب بشكل كبير بموقفه التفاوضي وبموقف أوكرانيا” وأضاف “لماذا يجب أن تقبل موسكو بحل وسط في أي قضية، إذا كان الرئيس الأمريكي قد منح روسيا نصف ما تطالب به؟”.
يدير مايستر مركز الحوكمة في أوروبا الشرقية وروسيا وآسيا الوسطى في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية، وهو يخشى أن تتخلف أوكرانيا عن الركب في إعادة تنظيم العلاقات الروسية- الأمريكية، ويقول موضحا “انطباعي هو أن ترامب في النهاية لا يهتم كثيرا بأوكرانيا”. ومن وجهة النظر الأمريكية، يمكن أن تكون أوكرانيا مجرد بيدق يتم منحه لروسيا مقابل الحصول على أشياء أخرى”.
“صفقة” بدون أوروبا
وقد تشمل “الأشياء الأخرى” تلك التي ذكرها وزير الخارجية ماركو روبيو في جلسة الاستماع أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وهي: إسرائيل والسلام في الشرق الأوسط والعلاقات مع الصين والتعامل مع إيران وأخيرا التقارب بين موسكو وواشنطن.
لم تعد هناك أية أوهام لدى الكاتب الأمريكي الجمهوري، روبرت كاغان، الذي قدم الاستشارات للعديد من الرؤساء الأمريكيين، ويقول في حوار مع صحيفة “دي تسايت” الألمانية “لقد أوضح الرئيس ترامب، بأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد مستعدة للدفاع عن أوروبا”.
الفكرة الأمريكية الاصيلة المتمثلة بالدعوة إلى نشر الديمقراطية في أنحاء أخرى من العالم، غريبة تماما بالنسبة لترامب، حسب رأي كاغان، ويضيف “يبدو أنه ليس لديه أي تحفظات بشأن عقد صفقة مع نظام بوتين المجرم، حتى على حساب الأوروبيين”.