هل تتهدّد الحياة البشريّة نتيجة انخفاض مستوى الأكسجين في المحيطات؟
اكتشف فريق علمي أميركي بقيادة جامعة روتغرز في ولاية نيوجيرسي الأميركية، أن مستويات الأكسجين في المحيط الهادي كانت أعلى خلال فترة العصر الميوسيني الدافئ -منذ حوالي 16 مليون سنة- عندما كانت درجة حرارة الأرض أعلى مما هي عليه اليوم.
وبحسب بيان صحفي صادر عن جامعة روتغرز في 28 يونيو/حزيران الماضي، فإن الباحثين قاموا بتحليل رواسب المحيطات في منطقة رئيسية في المحيط الهادي، فوجدوا ما يدل على تعرض المحيطات إلى انخفاض في مستوى الأكسجين، شكّل مخاوف لدى خبراء البيئة من أن يتوسع هذا الانخفاض في الأجزاء الرئيسية من محيطات العالم، ويضر بالحياة البحرية بشكل أكبر.
من ناحية أخرى، ووفقا للدراسة المنشورة في دورية “نيتشر” (Nature)، فإن محيطات العالم كانت قد شهدت في العقود الأخيرة انخفاضا في مستوى الأكسجين الذي يحافظ على الحياة بالمحيطات.
قام العلماء بفحص رواسب المحيطات المتكونة خلال منتصف العصر الميوسيني في شرق المحيط الهادئ الاستوائي
العلماء اكتشفوا انخفاض منسوب الأكسجين في شرق المحيط الهادي لدى فحص رواسب المحيطات المتكونة خلال منتصف العصر الميوسيني (شترستوك)
لماذا انخفض مستوى الأكسجين في المحيطات؟
وأرجع العلماء الانخفاض في مستويات الأكسجين إلى ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، والذي يؤثر على كمية الأكسجين التي يمكن امتصاصها من الغلاف الجوي.
تقول أنيا هيس المؤلفة الرئيسية للدراسة وطالبة الدكتوراه في كلية العلوم البيئية والبيولوجية في جامعة روتغرز، “تُظهر دراستنا أن المحيط الهادي الاستوائي الشرقي، والذي يعد اليوم موطنًا لأكبر منطقة تعاني من نقص الأكسجين في المحيطات، كان مليئًا بالأكسجين فترة العصر الميوسيني الدافئ. وعلى الرغم من أن درجات الحرارة العالمية في ذلك الوقت كانت أعلى مما هي عليه حاليا، فإن هذا يشير إلى أن واقع الأكسجين في المحيطات قد يتغير في النهاية”.
من ناحية أخرى، قال البيان الصحفي إن أسرع معدلات فقدان الأكسجين في العقود الأخيرة تحدث في المناطق التي تعاني بالأساس من نقص الأكسجين، ومن المتوقع أن تستمر تلك المناطق في التوسع وتصبح أكثر ضحالة، مما يهدد مصايد الأسماك من خلال تقلص الموائل، وبالتالي فإن تباينت النماذج المناخية في تنبؤاتها حول كيفية استجابة تلك المناطق لما بعد عام 2100، فإنها تلهم الفريق مزيدا من البحث والرصد والتقصي.
تحليل رواسب المحيطات
ووفقا للبيان فإن الباحثين اختاروا منتصف العصر الميوسيني لاختبار النماذج المناخية الحالية، بالنظر إلى تشابه الظروف المناخية في تلك الفترة مع الظروف المناخية المتوقعة خلال القرون القليلة المقبلة من العصر الحالي، حيث قاموا بفحص رواسب المحيطات المتكونة خلال منتصف العصر الميوسيني في شرق المحيط الهادي الاستوائي، وذلك بعد أن تم جلب الرواسب من قاع البحر بواسطة العلماء على متن سفينة الأبحاث “جويدس ريزوليوشن” التي تمولها المؤسسة الوطنية للعلوم، كجزء مما يُعرف الآن باسم البرنامج الدولي لاكتشاف المحيطات.
وخلال عملية التحليل، قام الباحثون بعزل البقايا المتحجرة لكائنات دقيقة بحجم حبيبات الرمل الفردية التي تعيش في عمود الماء المسمى فورامينيفيرا، قبل أن يقوموا بتحليل التركيب الكيميائي للمنخربات والذي يعكس المظهر الكيميائي للمحيط القديم.
وقام الباحثون أيضا بالكشف عن مستويات الأكسجين في رواسب المحيطات القديمة بعدة طرق، بما في ذلك استخدام نظائر النيتروجين -وهي أشكال من العنصر لها كتلة ذرية نسبية مختلفة- ويمكن اعتبارها ككاشفات، كما تعتبر النظائر حساسة لعملية تسمى نزع النيتروجين والتي تحدث فقط عند مستويات منخفضة جدا من الأكسجين.
إضافة إلى ذلك، استخدم الباحثون طريقة تحليل تقارن مستويات اليود والكالسيوم وتعطي قراءات دقيقة يمكن أن تفرق بين الظروف المؤكسدة جيدا والظروف المعتدلة الأكسجين.
نتائج البحث والتحليل
وقد أظهرت الطرق المتبعة في تحليل الرواسب أن رواسب المنطقة قيد الدراسة كانت مليئة بالأكسجين بشكل جيد خلال ذروة الدفء في العصر الميوسيني، حتى أنها اقتربت من مستويات العصر الحديث التي شوهدت في المحيط المفتوح جنوب المحيط الهادي.
يقول يائير روزنتال، أستاذ علوم البحار والأرض في جامعة روتغرز، “كانت هذه النتائج غير متوقعة وهي تشير إلى أن فقدان الأكسجين الناتج عن الذوبان والذي حدث في العقود الأخيرة ليست آخر فصول تأثير التغير المناخي على نسب الأكسجين”.