هل تتفوق الرياض على دبي في جذب الأثرياء؟
تشهد المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة تدفقاً متزايداً لأصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، في إطار الجهود اتجاه المملكة نحو تنويع اقتصادها وجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث رصدت نحو تريليون دولار لإقامة بنى تحتية متطورة، وأطلقت سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ضمن رؤيتها 2030.
وعزا خبيرا اقتصاد في إفادة لـ “العربي الجديد”، الظاهرة إلى ما اعتبراه “ملاذاً آمناً للاستثمار المريح” في المملكة، التي باتت تمثل حجم السوق الكبيرة والمؤهلة لتدفق الزوار المستمر بالملايين سنوياً، فضلاً عن السياسات الاستقلالية المستقرة التي تتبناها المملكة حالياً في علاقاتها الدولية. كما أشار الخبيران إلى أن الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والمبادرات الطموحة، مثل مشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر، تعزز من جاذبية السعودية وجهةً استثمارية، رغم المنافسة القوية من إمارة دبي التي تتمتع ببيئة تجارية مرنة وبنية تحتية متطورة.
ملاذ آمن لاستثمارات الأثرياء
يشير الخبير الاقتصادي، رائد المصري، إلى أن التحول الاقتصادي الحاصل في المملكة العربية السعودية يرتبط برصد نحو تريليون دولار لإقامة بنى تحتية كاملة، على التوازي مع تبني إصلاحات على مستوى التشريعات ذات انعكاس على الاجتماع والثقافة والبنى الفوقية للمجتمع السعودي، بما يعزز من إيرادات قطاعات اقتصادية عديدة، على رأسها السياحة، بحسب ما صرح لـ “العربي الجديد”.
ووفقاً لتقرير صادر عن وزارة السياحة السعودية، في مايو/أيار الماضي، استقبلت المملكة أكثر من 18 مليون سائح في الربع الأول من العام الجاري، بزيادة قدرها 15% عن الفترة نفسها من العام السابق، كما أعلنت الوزارة خططاً لافتتاح 315 فندقاً جديداً بحلول نهاية عام 2025. ورغم الانفتاح الكبير لدولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة إمارة دبي، يرى المصري أن منافستها للسعودية في مضمار جذب رؤوس الأموال بات محصوراً بمستوى إعادة الدورة الاقتصادية وإنتاجها، خاصة في ظل اكتمال البنى التحتية والقطاعات الاقتصادية من الناحية الهيكلية، ما فتح المجال لهجرة أصحاب الملايين إلى المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة.
وسجل تقرير صدر في إبريل/نيسان الماضي عن شركة Knight Frank للاستشارات العقارية، زيادة بنسبة 35% في عدد المستثمرين الأثرياء الذين اشتروا عقارات في السعودية خلال عام 2023 مقارنة بعام 2022. ويؤكد المصري أن العديد من الشركات الكبرى تنقل عملها، أو جزءاً كبيراً من أعمالها، من الإمارات إلى السعودية، التي باتت تشكل “الملاذ الآمن والقوي والاستثماري المريح” لأنها “بلد صاعد على المستوى الاقتصادي، ولديها أريحية من ناحية التشريعات التي تضبط الاستثمارات وتحافظ على جذب المستثمرين، بحسب توصيفه.
ويلفت المصري، في هذا الصدد، إلى أن السعودية بلد كبير ولديها تدفق من الزوار بالملايين سنوياً، وهي في حالة تجدد دائم على هذا المستوى. وإزاء ذلك، يرى المصري أن منطقة الخليج بانتظار دورة اقتصادية كاملة تعيد فيها ترتيب علاقات الإنتاج، خاصة في ظل فترة حروب ألغت المفاهيم الاقتصادية الكلاسيكية، ودفعت المنطقة إلى “مرحلة جديدة” بحسب تقديره.
ويضيف المصري أن أحد الأسباب المهمة لتفوق السعودية في المنافسة على جذب أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة يتمثل في اتجاه المملكة مؤخراً إلى “تحييد نفسها، عن مسارات الصراع والنزاع في المنطقة، بعد خروجها من حرب اليمن”، ومن ثم باتت تنتهج سياسات استقلالية مستقرة، وتوازن في علاقتها بين الشرق والغرب، وبين الصين وروسيا، وبين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، ما شكل عامل توازن مع بقية دول الخليج باستثمارات وتدفقات كبيرة تشجع النخب الاستثمارية والاقتصادية للانتقال برؤوس أموال كبيرة إلى المملكة.
مبادرات وإصلاحات
في السياق، يشير عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في لبنان، بيار الخوري، إلى أن إمارة دبي تتمتع بامتيازات كثيرة تجعلها وجهة مختارة لأصحاب الملايين، على رأسها البيئة التجارية المرنة، الناتجة عن قوانينها التسهيلية التي تدعم ريادة الأعمال وتوفير بيئة مثالية لتأسيس الشركات، بحسب ما صرح لـ “العربي الجديد”.
ورغم تمتع دبي ببنية تحتية متطورة وحديثة تشمل المطارات العالمية والموانئ الرائدة، بالإضافة إلى شبكة مواصلات عامة متقدمة، ونمط الحياة الفاخر، مع خيارات ترفيهية وثقافية عالمية المستوى، ومرافق سياحية وسكنية عالية الجودة، إلا أن المؤشرات تشير إلى أن “الرياض قد تتقدم في هذا السباق” بحسب الخوري. ويعزو الخوري التفوق السعودي إلى مبادرات المملكة الطموحة وإصلاحاتها الجذرية، والتي تشمل التوسع في مجالات متعددة والاستثمار في رأس المال البشري والتكنولوجي.
فالرؤية السعودية 2030 هي مبادرة شاملة تهدف إلى تنويع الاقتصاد وجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال تحسين بيئة الأعمال وإطلاق مشاريع ضخمة مثل مدينة نيوم ومشروع البحر الأحمر، ما يعزز من جاذبية السعودية وجهةً استثمارية، بحسب الخوري. ويخلص الخوري إلى أن الاقتصاد السعودي “قد لا يكون أكثر تنافسية من نظيره الإماراتي في اللحظة الحالية، ولكن فرص العائد على الاستثمار في السعودية واعدة على المدى الطويل مقارنة بحالة إشباع الاستثمارات واستقرار معدل الربح في الإمارات”.
يشار إلى أن الهيئة العامة للاستثمار السعودية أعلنت، في يونيو/حزيران الماضي، خططاً لإطلاق منصة رقمية متكاملة لتسهيل إجراءات الاستثمار وتأسيس الأعمال في المملكة، ما يعزز من قدرتها التنافسية في جذب رؤوس الأموال العالمية.