هل بمقدور أمريكا تجنب دوامة العنف السياسي؟
كتب أستريد برانغ دي أوليفيرا في DW.
أعرب خبراء عن مخاوفهم من انزلاق الولايات المتحدة باتجاه دوامة عنف سياسي عقب محاولة اغتيال دونالد ترامب. وحذرت دراسات من تزايد احتمالات استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية.
عقب محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كتب الباحث السياسي الأمريكي إيان بريمر تغريدة اعتبر فيها الواقعة بأنها تشكل “أسوا حدث يمكن وقوعه في أمريكا التي تئن تحت وطأة الاستقطاب في الوقت الراهن، وهو الأمر الذي ينذر بمزيد من أعمال العنف السياسي واندلاع اضطرابات اجتماعية”.
كان ترامب يعقد تجمعا انتخابيا السبت في بتلر بولاية بنسلفانيا عندما تمكن شاب عمره 20 عاما يحمل بندقية من الاقتراب بدرجة كافية لإطلاق النار عليه من سطح أحد المباني القريبة. وأصابت رصاصة طرف أذن ترامب اليمنى ليتلطخ وجهه بالدماء، لكنه لم يصب بجروح خطيرة في هجوم وصفه مكتب التحقيقات الفيدرالي بأنه “محاولة اغتيال”.
تزايد جرائم العنف السياسي
وتشير دراسة نشرتها رويترز في أغسطس / أب الماضي 2023 إلى وجود أسس تبرر المخاوف التي حذر منها بريمر، إذ وجدت الدراسة أن الولايات المتحدة في خضم أكبر زيادة في معدل جرائم العنف السياسي منذ سبعينيات القرن الماضي. وقالت الدراسة إن هجمات العنف السياسي الأخيرة كانت تستهدف في كثير من الأحيان الأشخاص وليس الممتلكات.
وأضافت الدراسة أنه منذ اقتحام أنصار ترامب مبنى الكابيتول في السادس من يناير / كانون الثاني عام 2021، سجلت السلطات 213 حالة صُنفت في إطار جرائم العنف السياسي، مشيرة إلى أن ثلثي هذه الحوادث اتسم بالعنف الجسدي فيما انتهت 18 منها بالوفاة.
رؤساء تحت التهديد
ووقعت محاولة اغتيال ترامب قبل يومين من بدء مؤتمر الحزب الجمهوري الذي سيشهد بشكل شبه مؤكد تسمية ترامب كمرشح للحزب من أجل خوض الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم 2024. ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن روبرت بيب، عالم السياسة الأمريكي والمحاضر في جامعة شيكاغو، قوله إن “إطلاق النار على ترامب كان نتاج التشجيع الكبير للعنف السياسي في بلادنا. علينا أن نقلق حيال التهديد بالانتقام من الرئيس بايدن”.
وعزت دراسة نُشرت ضمن مشروع “الأمن والتهديدات” التابع لجامعة شيكاغو، أسباب تصاعد العنف السياسي في الولايات المتحدة إلى تدني ثقة الأمريكيين في زعماء البلاد السياسيين فضلا عن تصديق نظريات المؤامرة.
وخلصت الدراسة إلى هذه النتائج بعد استطلاع شمل أكثر من ألفي شخص في الولايات المتحدة، إذ أفاد 10 بالمائة من المشاركين بأن العنف سيكون مبررا لمنع ترامب من أن يصبح رئيسا مرة أخرى، فيما قال 6.9 بالمائة إنه سيكون من المبرر استخدام العنف لإعادة ترامب إلى البيت الأبيض.
العنف السياسي مخالف للتقاليد الأمريكية
ورغم إدانة محاولة اغتيال ترامب داخل الولايات المتحدة وخارجها، إلا أن منصات التواصل الاجتماعي شهدت محاولات لاستغلال الواقعة لأغراض سياسية بما في ذلك تدشين حملات تشهير.
فقد ألقى جي دي فانس، السيناتور الجمهوري عن ولاية أوهايو والمرشح الأوفر حظا لمنصب نائب الرئيس في حالة فوز ترامب بالسباق الانتخابي، باللائمة في الهجوم على الرئيس الحالي جو بايدن، قائلا: “ما حدث اليوم ليس مجرد حادثة معزولة”.
وأضاف “تسرد حملة بايدن فرضية أساسية تزعم أن الرئيس دونالد ترامب فاشي واستبدادي ما يستلزم إيقافه بأي ثمن. وقد تسبب هذا الخطاب في محاولة اغتيال الرئيس ترامب بشكل مباشر”.
بيد أن عضوة الكونغرس السابقة غابي جيفوردز التي تعد من أبرز المطالبين بوضع قيود على حمل السلاح في الولايات المتحدة، كانت الأكثر جرأة للحديث عن ظاهرة العنف السياسي، قائلة: “العنف السياسي مخالف للتقاليد الأمريكية وغير مقبول على الإطلاق”.
يشار إلى أن جيفوردز قد تعرضت لمحاولة اغتيال عام 2011 اعتبرها خبراء بمثابة نذير شؤم يدل على تصاعد العنف السياسي في الولايات المتحدة. وأفاد غاري لافري، العالم المتخصص في مجال الجريمة بجامعة ميريلاند، أن عام 2016 الذي شهد ترشح ترامب للرئاسة لأول مرة، مثل بداية موجة العنف السياسي في الولايات المتحدة.
بداية ظاهرة العنف السياسي
وفي هذا السياق، قام لافري بإنشاء قاعدة بيانات خاصة بحوادث إرهابية نجمت عن العنف السياسي بين عامي 1970 و 2020 بما شمل محاولة اختطاف فاشلة استهدفت حاكمة ميشيغان جريتشين ويتمر التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي عام 2020. وتضم القائمة أيضا الهجوم الذي استهدف زوج رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة، نانسي بيلوسي، قبل وقت قصير من إجراء انتخابات التجديد النصفي قبل عامين.
وعلى النقيض من دراسة جامعة شيكاغو، كشف البحث الذي عكف عليه لافري “عن زيادة احتمالية استخدام المتطرفين اليمينيين والإسلاميين العنف لتحقيق أهداف سياسية سواء في الولايات المتحدة أو خارجها مقارنة بالمتطرفين اليساريين”.
وينظر خبراء إلى محاولة اغتيال ترامب باعتبارها أكبر جريمة عنف سياسي دراماتيكية في الولايات المتحدة منذ محاولة اغتيال الرئيس الأسبق رونالد ريغان عام 1981 على يد جون هينكلي جي آر. وأعادت الواقعة إلى الأذهان جريمة مقتل الرئيس جون كينيدي عام 1963 وشقيقه روبرت كينيدي خلال حملة الانتخابات الرئاسية في 1968.
تعاون الديمقراطيين والجمهوريين …ضروري
من جانبه، أعرب الباحث السياسي الأمريكي إيان بريمر عن “مخاوفه العميقة من أن تكون محاولة اغتيال ترامب ليس سوى بداية موجة من العنف السياسي تنذر بوقوع اضطرابات اجتماعية في المستقبل”.
وشدد على حتمية أن يقدم السياسيون من كافة الأطياف على “إدانة العنف السياسي بشكل واضح على أن يصاحب ذلك إطلاق ساسة الحزبين دعوات للتهدئة لدفع أنصارهما إلى المضي قدما بعيدا عن العنف السياسي”. ورغم ذلك، ألقى بريمر بظلال من الشكوك حيال ذلك، قائلا: “أشك بشدة في تدشين مبادرات من هذا القبيل”.