
تيريز القسيس صعب
خاص_ رأي سياسي
يتبين بحسب المعطيات والاجواء التي تدور في فلكها كل التسويات والحلول في المنطقة، أن النزاعات الاقليمية والدولية تتظهر يوما بعد يوم، وكانه مكتوب على منطقة الشرق الاوسط العيش في مواجهة هذه الصراعات الراكدة والخلافات المستمرة بعيدا عن السلام والرخاء كباقي دول العالم.
اليوم من جديد، تطل علينا أزمة ديبلوماسية بين السعودية، الكويت وإيران وذلك على خلفية النزاع القائم مند الستينات حول حقل الغاز الدرة، وذلك حينما منح كل طرف حق التنقيب في حقول بحرية لشركتين مختلفتين، وهي الحقوق التي تتقاطع في الجزء الشمالي من حقل الدرة.
فالجدل القائم اليوم تجدد بعدما اعربت طهران عن استعدادها التنقيب في هذا الحقل ما لم يتم ترسيم الحدود البحرية في المنطقة التي يقع فيها، في حين ان السعودية والكويت وقعتا اتفاقا بينهما في العام٢٠٢٢ قضى بتقاسم حصص هذا الحقل، واعلنتا انهما يملكان حق استغلال المنطقة الاقتصادية الخالصة، في وقت دعت الرياض طهران الى التفاوض من أجل ترسيم الحدود وفقاً لأحكام القانون الدولي.
فالكويت والمملكة العربية السعودية تعتبران حقل غاز الدرة ملكهما، لكن إيران ترى أنه جزء من اراضيها، وقد بدأت الأمور تتجه نحو خلافات بين الرياض وطهران بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية منذ اكثر من شهر.
الأهداف المبيتة
يقع حقل غاز الدرة في منطقة بحرية متنازع عليها حدودياً بين ايران والسعودية والكويت، ويقدر احتياطي الغاز القابل للاستخراج منه بنحو 200 مليار متر مكعب.
ويعتبر خبراء دوليون ان ايران تحاول اليوم توظيف هذا الخلاف الجديد مع دول الخليج كورقة ضغط سياسية في المرحلة المقبلة من العلاقات الخليجية-الإيرانية، باعتقاد منها ان الدول الخليجية قد تقدم تنازلات في الملفات الإقليمية العالقة، ورغبة في تفكيك الموقف التفاوضي الخليجي خلال المرحلة المقبلة إلى عدة أطراف في تعاطيهم مع إيران، وبالتحديد السعودية والكويت.
اضف الى ذلك، فإن إيران تحاول إيصال رسالة إلى الدول الخليجية بضرورة الفصل بين أزمة الحقل والملفات الإقليمية والدولية، في إشارة واضحة الى ان الصراع القائم دوليا حول الغاز جراء تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية على أوروبا وبعض الدول الشرق اوسطية، سيبقى ورقة ضغط تستخدمها إيران حسب بوصلة الاوضاع الدولية.
ويسال المتابعون لهذا الملف لماذا أثارت إيران هذا الملف في هذا التوقيت بالذات في ظل وجود مؤشرات جيدة للعلاقة بين إيران ودول المنطقة بعدما شهدت المنطقة العربية عامة، والخليجية خاصة حراكًا دبلوماسيًّا على مستوى وزراء الخارجية لتحسين العلاقات، وحل الملفات العالقة مع تلك الدول.
فالقراءة الديبلوماسية لهذا الامر تختلف من وجهة نظر إلى أخرى.
فبعض المتابعين يرون ان افتعال أزمة حقل الدرة يصب في اطار مكاسب سياسية مستندةً فيها على ثغرة عدم ترسيم الحدود البحرية بينها وبين الكويت. في حين ان آخرين يؤكدون ان المحادثات بين طهران وواشنطن حول الاتفاق النووي لم تصل بعد إلى خواتيمها، في وقت يشهد فيه العالم أزمة طاقة عالمية اشتدت مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، الى جانب وجود العديد من القضايا والملفات التي لا تزال عالقة بين إيران وعدد من الدول الخليجية مثل الحرب في اليمن، الحل السياسي في سوريا، والاوضاع في لبنان….
من هنا لا يُستبعد المراقبون أن تكون إثارة طهران لهذا الملف يصب في اطار استغلال قضية الحقل لتحقيق مكاسب سياسية في المنطقة، واستخدامها بوصفها ورقة تفاوضية أمام دول المنطقة للحصول على اتفاق أفضل وحل الخلافات القائمة حول بعض القضايا ذات الأولوية العالية لإيران.
فلو كانت ايران تسعى إلى التصعيد لكانت بدأت بالحفر خلال السنوات الماضية حيث كانت علاقاتها مع الخليجيين في أدنى مستوياتها.
البعد الاقتصادي
كذلك الامر هناك بعد اقتصادي واستراتيجي من وراء المطالبة الايرانية بأحقية مشاركتها في التنقيب. فإيران تمتلك أكثر من 28 حقلًا مشتركًا بينها وبين السعودية والإمارات والعراق وكذلك الكويت، وهي تعتقد أن عوائد هذا الحقل قد يساعدها في تخفيف أزماتها الاقتصادية جراء العقوبات المفروضة عليها.
فالإشارات الإيرانية الملتبسة، تبدو غير واضحة الأهداف في تقاسم هذا الحقل مع السعودية والكويت سيما وان طهران تطالب الكويت الاعتراف بحصة ٤٠% لها قبل أي طرح لترسيم الحدود مع الكويت، وقد عكس هذا الامر تناقضًا واضحا مع ما يصدر عن طهران والمسؤولين الايرانيين من دعوات إلى تصفير المشاكل في المنطقة وصولًا إلى إقامة نظام أمني واقتصادي إقليمي بعيدا عن اي تدخلات خارجية. فالتصرف الإيراني تجاه دول الخليج تشوبه الضبابية واللاوضوح بعد عودة العلاقات الديبلوماسية بين الرياض وطهران.
تنسيق سعودي كويتي
يظهر مما تقدم ان الكويت والسعودية غير راغبتان في خلق مشاكل جديدة في المنطقة، واكدتا أن المنطقة البحرية التي يقع فيها هذا الحقل تخضعان لدولتي الكويت والسعودية، وهما يرفضان اي أعمال تخص الحقل، ويدعوان ايران الى
بدء مفاوضات جدية حول ترسيم الحدود الشرقية بين المملكة والكويت باعتبارهما طرفًا تفاوضيًّا واحدًا مقابل الجانب الإيراني، ووفقًا لأحكام القانون الدولي.
ويرى متابعون لموقع “راي سياسي” ان توصُّل السعودية وإيران إلى اتفاقٍ لا يعني ابدا نهاية كل القضايا الخلافية بين الطرفين، خصوصًا وان ازمة حقل الدرة تعود لعقود وهي تراوح مكانها ولم يتم احراز اي تقدم تفاوضي في شانها.
فهذا الحقل بات يمثل اليوم الخلاف الأول بين إيران والسعودية بعد الاتفاق المبرم بينهما في العاصمة الصينية بكين آذار الماضي، والذي أثمر الى عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وبالتالي ستكشف الايام النوايا الإيرانية مع هذه الأزمة وكيفية التعامل معها، إما في اتخاذ مسار تصعيدي، وإما التوجه نحو التهدئة وإظهار الرغبة في الذهاب بعيدًا في سياسات حسن الجوار وتصفير المشاكل والأزمات مع دول الجوار.
طرفان في جسم واحد.
ازاء كل ما تقدم أكد مرجع ديبلوماسي سعودي لموقعنا “ان ملكية الموارد الطبيعية في المنطقة المحايدة الكويتية السعودية تتقاسمها الدولتيين، ولا نية اطلاقا لدى السعودية او الكويت خلق ازمات او توترات مع طهران تؤثر على المنطقة.”
وقال” لا نريد اطلاقا العودة إلى أعوام التسعينات حين اندلعت الحرب العراقية ضد الكويت واجتاحت اراضيها، فليس هذا هو هدفنا اطلاقا.” ودعا ايران الى بدء التفاوض حول ترسيم الحدود الشرقية مع السعودية والكويت وفقا للنظام الدولي. فالكويت والسعودية طرف واحد في اي تفاوض او توافق مع ايران.