هل بات الحزب جاهزاً لمناقشة “الاستراتيجية الدفاعية؟
كتب قاسم قصير في “اساس ميديا”:
في اللقاءات الخاصّة مع عدد من الدبلوماسيّين والصحافيّين الأجانب في بيروت يُطرح العديد من الأسئلة عن مواقف حزب الله من مشروع طاولة الحوار الوطني التي يتمّ الإعداد لها إقليميّاً ودوليّاً حول مستقبل لبنان ونظامه السياسي. ومن هذه الأسئلة المطروحة: ما هي مطالب الحزب على صعيد النظام السياسي المستقبلي؟ وهل هناك استعداد لدى الحزب لمناقشة مشروع الاستراتيجية الدفاعية ودور المقاومة مستقبلاً؟ ماذا عن رؤية الحزب لدور لبنان في المنطقة وعلاقاته مع الشرق والغرب والدول العربية؟ هل ستتأثّر مواقف الحزب من دول الخليج العربية إذا نجحت المفاوضات بين السعودية وإيران؟ ماذا عن مستقبل العلاقة بين الحزب وإيران؟ وماذا عن محور المقاومة وموقفه من القضية الفلسطينية؟ هل يمكن أن يقبل الحزب بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة؟
لدى طرح بعض هذه الأسئلة على المسؤولين في حزب الله يفضّلون عدم الإجابة المباشرة والصريحة حالياً، لأنّ الأولويّة لدى الحزب اليوم خوض الانتخابات النيابية وانتظار نتائجها. وقد حرص هؤلاء المسؤولون على صياغة خطاب جديد في الأسابيع الماضية يؤكّد أنّ الحزب لا يعمل من أجل الحصول على الأكثرية، وليس هذا هدفه حالياً، وأنّ الأولويّة نجاح مرشّحيه والتعاون مع الحلفاء في كلّ الدوائر الممكنة من دون تقديم أيّة ضمانات مسبقة، مع التأكيد على أنّ حسم مستقبل لبنان وكيفيّة مقاربة الملفّات الأساسية يحتاج إلى تضامن وتوافق داخليَّيْن، إذ لا يمكن لأيّة أكثرية مهما بلغت حكم البلد لوحدها.
على صعيد الاستراتيجية الدفاعية والوطنية: ليس لدى الحزب أيّ مانع من مناقشة هذا الملفّ على طاولة الحوار الوطني مع ضرورة الأخذ بالاعتبار كلّ التطوّرات التي حصلت خلال السنوات الماضية
لكن من خلال عقد بعض اللقاءات مع شخصيّات قريبة من الحزب ومطّلعة على أجوائه الداخلية يمكن وضع بعض الإجابات الأوّليّة عن هذه الأسئلة انطلاقاً من تجارب الحزب الحوارية السابقة وفي ضوء التطوّرات التي حصلت منذ العام 2000 حتى اليوم، أي منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان إلى اليوم، مروراً بكلّ المحطّات التاريخية والسياسية خلال الاثنين والعشرين عاماً الماضية.
من هذه الأفكار التي تُناقَش حالياً:
- أوّلاً: على صعيد الاستراتيجية الدفاعية والوطنية: ليس لدى الحزب أيّ مانع من مناقشة هذا الملفّ على طاولة الحوار الوطني مع ضرورة الأخذ بالاعتبار كلّ التطوّرات التي حصلت خلال السنوات الماضية… وكان الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله قد قدّم مشروعاً متكاملاً للاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار الوطني في العام 2006.
- ثانياً: حول النظام السياسي والتغييرات المطلوبة: ليس لدى الحزب مطالب معيّنة أو رؤية مسبقة، لكنّ الحزب منفتح على كلّ الطروحات انطلاقاً من استكمال تطبيق الطائف وتطويره في ضوء التجارب التي جرت خلال السنوات الثلاثين الماضية، ولن يقدّم الحزب أطروحة محدّدة أو مطالب كي لا تُفسَّر بطريقة سلبية كما جرى قبل 16 سنة حين دعا السيد نصر الله إلى مؤتمر وطني أو مؤتمر تأسيسي. وعندما تُطرح هذه الملفّات بشكل رسمي داخلياً أو خارجياً سيكون الحزب حاضراً للنقاش، والمسؤولون في الحزب على تواصل مع العديد من الجهات العربية والإقليمية والدولية، وخصوصاً فرنسا والفاتيكان.
- ثالثاً: حول مشروع الحزب بعد الانتخابات النيابية، وهل يفرض مشروعاً محدّداً في المجالات السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية؟ تشير هذه المصادر إلى أنّ الحزب يدرس كلّ الخيارات ويقيّم التجارب السابقة، خصوصاً في الحكومات الأخيرة، لكنّه لم يضع مشروعاً حاسماً ونهائياً، وسيكون الوضع الداخلي ومقاربته حاضرين بقوّة في المرحلة المقبلة، ولن يقبل بعد اليوم ببقاء الأوضاع على ما هي عليه من إضرار بمصالح الناس وحاجاتها.
- رابعاً: على صعيد العلاقات العربية والدولية والدعوة إلى تحييد لبنان: ليس لدى الحزب رؤية نهائية وحاسمة لأنّ الأمر مرتبط بالمتغيّرات الإقليمية والدولية والتحدّيات المختلفة وما يجري في المنطقة والعالم، ولأنّ هذه الموضوعات متحرّكة ومرتبطة بالأوضاع الجيو – سياسية والمشاريع التي تُطرَح. وكلّ ذلك يتطلّب نقاشاً موضوعياً وهادئاً وبعيداً عن المواقف المسبقة ويستفيد من كلّ التجارب التاريخية، خصوصاً مع وجود عدوّ على حدودنا لديه أطماع كبيرة في مياهنا وأرضنا ونفطنا وغازنا، وطامحٌ دوماً للاعتداء علينا. ولا يمكن الحياد في الصراع مع العدوّ الصهيوني ولا يزال في بلادنا مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يمكن التخلّي عن قضيّتهم.
هذه بعض الأجواء المستخلَصة من حوارات غير رسمية مع جهات قريبة من الحزب ومطّلعة على أجوائه. والاطلاع عليها قد يكون مفيداً بعيداً عن أجواء التشنّج والشعارات التي يرفعها البعض حالياً، وقد تشكّل بعض هذه الأفكار مدخلاً مهمّاً لأيّ حوار وطني مستقبلي حول لبنان ودوره ومستقبله.