رأي

هل باتت الحرب بين إثيوبيا ومصر وشيكة؟

كتبت جنيفر هولايس وديفيد إيل, في “DW”:

تسيطر إثيوبيا على النيل الأزرق من خلال سدها الضخم، سد النهضة، وتسعى في الوقت نفسه للحصول على منفذ إلى البحر الأحمر. والقاهرة تحاول اكتساب أوراق ضغط في وجه أديس أبابا من خلال التدخل في بؤرة الصراع الجيوسياسي في الصومال.

بالموازاة مع ارتفاع مستوى مياه سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD) شمال غرب إثيوبيا، تتصاعد التوترات مع مصر دولة مصب مجرى النيل . فببناء جدار سد أعلى من الأهرامات، تقوم إثيوبيا بحجز مياه النيل الأزرق؛ ومن المتوقع أن يصل خزان السد إلى سعته الكاملة هذا العام. وتخشى مصر أن تستخدم إثيوبيا تدفق المياه كورقة ضغط في أوقات الجفاف. لكن النزاع الجيوسياسي بين الدولتين العضوين الجديدتين في مجموعة “بريكس” يتجاوز قضية مياه النيل.

منذ البداية كانت القاهرة معارضة للمشروع الذي تبلغ قيمته أربعة مليارات دولار منذ انطلاقه في عام 2011. وقال تيموثي إي. كالدايس، نائب مدير معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن، لـ DW “تعتمد مصر بشكل كبير على مياه النيل العذبة. ولكن حتى الآن، لم تتمكن مصر من دفع إثيوبيا إلى التوصل إلى اتفاق ملزم يضمن حقوق مصر في مواردها المائية، والتي تُعد مسألة أمن قومي”.

تستغل إثيوبيا هذا العام موسم الأمطار لملء خزان السد . ولأن هذه الخطوة لم تكن بالتنسيق مع القاهرة، فقد لجأت مصر في بداية أيلول/ سبتمبر إلى مجلس الأمن الدولي. من وجهة النظر الإثيوبية، فإن هذه الشكوى غير مفهومة، كما توضح سوزان شتولرايتير، رئيسة مكتب إثيوبيا في مؤسسة فريدريش إيبرت المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني. وتضيف أن إثيوبيا طمأنت بأن السد قد شارف على الامتلاء وتوضح: “كل عمليات ملء السد جرت في موسم الأمطار، مما منع تعرض مصر والسودان لنقص حاد في المياه”. يشار إلى أن عملية ملء السد جرت بشكل أسرع من المتوقع بفضل كميات الأمطار فوق المعدل السنوي.

يُعتبر مشروع السد مصدر فخر لإثيوبيا، ومع ذلك، تضاءل حماس الشعب في أثيوبيا، حيث إن نصف السكان ما زالوا ينتظرون وصول التيار الكهربائي إلى منازلهم. وفي المقابل، زادت الحكومة من صادرات الكهرباء إلى الخارج، ومن المتوقع أن تقوم إثيوبيا هذا الشهر بتصدير الكهرباء لأول مرة إلى تنزانيا عبر كينيا.

مصر وسياستها الجديدة تجاه الصومال
لكن سد النهضة ليس النقطة الوحيدة للتوتر. في آب/ أغسطس، اتفق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الصومالي حسن شيخ محمود على اتفاق أمني ومناورات عسكرية مشتركة. ويقول تيموثي كالدايس: “إن قرار مصر بتزويد الصومال بالأسلحة والمشاركة في المهمة القادمة للاتحاد الإفريقي هناك يهدف إلى كسب شريك جديد في المنطقة المجاورة لإثيوبيا”. في نهاية آب/ أغسطس، هبطت طائرتان مصريتان محملتان بالأسلحة في مقديشو. وقبل ذلك بقليل، أعلن الاتحاد الإفريقي أن مصر ستشارك للمرة الأولى في مهمة جديدة للاتحاد الإفريقي في الصومال (AUSSOM).

أثارت هذه التحركات رد فعل غاضب من إثيوبيا؛ حيث صرّح رئيس الوزراء أبي أحمد أن بلاده “لن تتفاوض مع أحد بشأن سيادتها وكرامتها”. وأكد أن “كل من يحاول تهديدنا سيُذَل”.، بحسب قوله.

إثيوبيا تسعى للوصول إلى البحر الأحمر
لأن إثيوبيا تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة في منطقة القرن الأفريقي، فقد تحدث رئيس الوزراء آبي أحمد منذ فترة طويلة عن رغبته في الحصول على منفذ بحري، وهو ما فقدته إثيوبيا بعد انفصال إريتريا في عام 1993. في أوائل عام 2024، اقترب آبي من تحقيق هذا الهدف بشكل كبير؛ حيث اتفق مع إقليم أرض الصومال على الوصول إلى ميناء بربرة. وفي المقابل، ستعترف إثيوبيا باستقلال هذا الكيان غير المعترف به دولياً. وكما هو متوقع، أثار هذا الاتفاق صراعاً مع الحكومة المركزية الصومالية في مقديشو، التي كانت تعتبر إثيوبيا شريكاً رئيسياً حتى ذلك الحين. فقد نشرت أديس أبابا ما يصل إلى 10 آلاف جندي في الصومال، سواء بموجب اتفاقيات ثنائية أو في إطار بعثة الاستقرار التابعة للاتحاد الأفريقي المدعومة من الأمم المتحدة.

منذ كانون الثاني/ يناير، لم تُسمع أخبار كثيرة عن خطط الميناء، غير أن خبيرة مؤسسة فريدريش إيبرت، شتولرايتير، تعتقد أن إثيوبيا تواصل العمل بهدوء على هذه الخطط لتجنب تحدي الصومال مرة أخرى بشكل فج. وبدلاً من ذلك، تسعى إثيوبيا إلى المضي قدماً من خلال “فرض الأمر الواقع”، على أمل أن يتم الاعتراف بهذه الخطوات في نهاية المطاف.

تصعيد متوقع
لكن هذا الأمر قد لا يكون مقبولاً بالنسبة للصومال. من وجهة نظر محللة الأمن سميرة غايد، التي قدمت استشارات للحكومة الصومالية في السابق، فإن مقديشو تتعامل مع الموقف برسالتين واضحتين: “من ناحية، يتم تقديم خيار لإثيوبيا: إما أن تسحب إعلان نيتها أو أن قواتها لن تكون مرحبًا بها في الصومال. ومن ناحية أخرى، يتجه الصومال نحو تعزيز علاقاته مع مصر، سواء من خلال العلاقات الثنائية أو عبر المهمة الجديدة للاتحاد الإفريقي. ومن هنا فإن التصعيد الأخير لم يكن مفاجئاً”، كما توضح الخبيرة في حديثها مع DW.

وعلى الرغم من أن الخطاب العدائي لرئيس الوزراء آبي أحمد قد يوحي بعكس ذلك، إلا أن شتولرايتير لا تعتقد أن إثيوبيا تسعى لتصعيد النزاع أكثر. تقول: “مصر هي أقوى قوة عسكرية في أفريقيا، وآبي مدرك تماماً لهذا. كما أن لديه العديد من الصراعات الداخلية التي يحتاج إلى التعامل معها. لا أعتقد أن لديه أي مصلحة في الدخول في مواجهة عسكرية مع مصر في الوقت الحالي”.

عرض جيبوتي
ومؤخراً قدمت جيبوتي ، أصغر جار لإثيوبيا، عرضاً مهماً قد يساعد في تخفيف التوترات. فجيبوتي، التي تعد بوابة إثيوبيا إلى العالم، اقترحت على إثيوبيا إدارة مشتركة لميناء تاجورا الذي افتتح عام 2017.

وتشير خبيرة إثيوبيا في مؤسسة فريدريش إيبرت، سوزان شتولرايتير، إلى أن هذا العرض ربما أثار بعض التفكير في الجانب الإثيوبي حول كيفية التعامل مع التصعيد المحتمل مع الصومال فيما يخص أرض الصومال. خاصةً مع تواجد القوات المصرية الذي أوجد وضعاً أمنياً جديداً في المنطقة.

هل تلعب تركيا دور الوسيط؟
تبقى تركيا مستعدة للعب دور الوسيط، خاصة بعد أن حسنت علاقاتها مع مصر عقب حرب غزة، وحاولت في آب/ أغسطس التوسط بين الصومال وإثيوبيا. تعد تركيا مهمة لإثيوبيا كمزود للطائرات المسيرة، كما أن مقديشو ترى أن تركيا تمتلك الشروط اللازمة لدور الوسيط المحتمل. يقول إينيس إردم أيدين، مدير شركة الاستشارات الأمنية RDM في لندن، لـ DW: “تعترف تركيا بوحدة الأراضي الصومالية وتبدو أنها تأخذ احتياجات كلا البلدين بعين الاعتبار”. بالإضافة إلى ذلك، فإن الصومال لا ترفض بالضرورة منح إثيوبيا منفذًا بحريًا.

يبدو أن ضمان مياه نهر النيل لمصر ومنح إثيوبيا منفذاً للبحر عاملان مرتبطان بشكل وثيق بالوضع في الصومال في الوقت الحالي.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى