هل اعلان وقف اطلاق النار على الحدود اللبنانية السورية نهاية للأزمة؟

بعد يومين من الاشتباكات العنيفة على الحدود اللبنانية – السورية، توصلت حكومتا البلدين إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، في محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد. تأتي هذه التطورات وسط مشهد إقليمي معقد تتداخل فيه المصالح السياسية والعسكرية، مما يزيد من تعقيد الأزمة.
و كانت قد اندلعت المواجهات في المناطق الحدودية الشرقية والشمالية الشرقية للبنان، حيث تبادلت القوات السورية إطلاق النار مع العشائر اللبنانية. مما ادى إلى تدخل الجيش اللبناني، بعد أن أصدر الرئيس جوزيف عون أوامره بالرد على مصادر النيران. وأسفرت الاشتباكات عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، ما دفع الأطراف إلى السعي نحو تهدئة الأوضاع.
وتأتي هذه الأحداث في سياق مضطرب شهدته المنطقة الحدودية منذ تولي الإدارة السورية الحالية الحكم، إذ كانت هناك جولات سابقة من الاشتباكات. فبعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد على يد الفصائل المعارضة، دخلت سوريا مرحلة انتقالية غير مستقرة أثرت على جيرانها، بما في ذلك لبنان.
بالموازاة تلعب الأطراف الإقليمية والدولية دورًا محوريًا في تأجيج أو تهدئة الصراع، خاصة في ظل العلاقات المتشابكة بين سوريا، إيران، حزب الله، ولبنان. وعلى الرغم من الإعلان عن وقف إطلاق النار، فإن التنسيق بين الطرفين لا يزال هشًا، ما يتطلب آليات دبلوماسية أقوى لضمان استمرار الهدنة.
و لا شك إن استمرار التوترات قد يؤدي إلى تصعيد أكبر، مهددًا أمن المناطق الحدودية وسكانها. كما أن القصف والاشتباكات قد تدفع المدنيين إلى النزوح، مما يزيد الضغوط على الحكومة اللبنانية التي تواجه بالفعل تحديات اقتصادية وإنسانية جسيمة.
كما ان التصعيد الأخير قد ينعكس سلبًا على العلاقات اللبنانية-السورية، مما قد يدفع البلدين للبحث عن حلول أكثر استدامة عبر القنوات الدبلوماسية. فغياب مرجعية واضحة للفصائل المسلحة في الجانب السوري يعقّد جهود تثبيت الاستقرار، حيث تتحرك هذه الفصائل بشكل غامض، مما يجعل أي اتفاق لوقف إطلاق النار هشًا وقابلاً للانهيار في أي لحظة.
و مما يزيد من احتمالات اندلاع موجات عنف جديدة في المستقبل موجات النزوج الكبيرة التي شهدتها المناطق الحدودية و التي شملت لبنانيين مقيمين في سوريا وشيعة سوريين لجأوا إلى لبنان، مما خلق صراعات محلية لم تُحل بعد.
ناهيك عن ان التوتر على الحدود اللبنانية-السورية ليس حدثًا معزولًا، بل يأتي ضمن سياق إقليمي أوسع، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان ومحاولات الضغط على حزب الله. كما أن هناك تقاطعات بين المصالح الأميركية والإسرائيلية واستراتيجية الحكم الجديد في سوريا، الذي يبدو أكثر انفتاحًا على القوى الغربية.
كما لعبت وسائل الإعلام دورًا في تصعيد الأزمة، من خلال اتهام حزب الله بالتورط في الصراع، مما أجج التوترات بين الأطراف المختلفة. كما أن التغطية الإعلامية المكثفة جعلت من الصعب احتواء الأزمة دبلوماسيًا فقط، حيث تصاعدت الضغوط على الحكومتين لاتخاذ إجراءات أكثر حسماً.
في ظل التوترات الراهنة، من المرجح أن تندلع جولات أخرى من العنف، خاصة مع استمرار التعزيزات العسكرية من الجانبين، مما يزيد من خطر اندلاع حرب حدودية طويلة الأمد. يكشف التصعيد الأخير عن تعقيدات سياسية وعسكرية عميقة تتجاوز مجرد اشتباكات عابرة، بل تعكس صراعًا تحركه عوامل داخلية وخارجية.
ويبقى الحل الحقيقي مرهونًا بتعزيز قنوات الحوار والتنسيق الأمني، لكن في ظل التوازنات الإقليمية الحالية، تبدو المنطقة مقبلة على مزيد من التوترات في المستقبل القريب.
رأي سياسي