هل اتخذ قرار تدمير أوكرانيا بالفعل؟

كتب ألكسندر نازاروف, في RT:
شنت روسيا حملة واسعة النطاق من هجمات على البنية التحتية للطاقة والنقل في أوكرانيا منذ العاشر من أكتوبر الجاري.
أدت هذه الحملة بالفعل إلى سلسلة من انقطاع التيار الكهربائي في المدن الأوكرانية الكبرى وتدمير عدد من محطات الطاقة وإلحاق الضرر بتقاطعات وجرارات السكك الحديدية.
بالنظر إلى الجانب العسكري البحت لهذه الضربات، يمكن استنتاج أنها تهدف بوضوح إلى عزل مسرح العمليات العسكرية وتعطيل مؤخرة الجيش الأوكراني، أي التحضير لهجوم روسي كبير. ومع ذلك، يرجح أن تكون خطط موسكو أوسع نطاقا بكثير.
فمثل هذه الحملات قد أطلقت عدة مرات خلال الحرب في أوكرانيا، لكن روسيا كانت دائما ما توقف تدمير البنية التحتية الأوكرانية بعد بضعة أسابيع، وتستخدم مثل هذه الضربات بشكل أكبر كورقة ضغط في لعبة دبلوماسية مع الغرب أكثر منها كنية حقيقية لإغراق أوكرانيا في غياهب العصر الحجري.
وكان لضبط النفس هذا تفسير منطقي: أوكرانيا ليست أكثر من مجرد وكيل، والحرب الحقيقية بين روسيا والغرب، وإخراج أوكرانيا من اللعبة لن يوقف الحرب، بل سيؤدي فقط إلى تصعيدها نحو مستوى أعلى، من شأنه أن يشمل، في أفضل الأحوال، عددا من دول أوروبا الشرقية، وفي أسوأها، حلف “الناتو” بأسره.
لكن هذه المرة هناك كل الأسباب للاعتقاد بأن الأمور سوف تكون مختلفة.
إن الإجماع المناهض لروسيا في الغرب، وحتى في الولايات المتحدة، أوسع بكثير من معسكر العولمة أو الديمقراطيين. وقد فشل ترامب في تحويل الأولويات الأمريكية من الحرب مع روسيا إلى المواجهة مع الصين. هذا يتطلب تعزيز النفوذ وقمع المعارضين داخل الولايات المتحدة، فيما يتخذ ترامب خطواته الأولى المترددة، لكنها تظل خطوات محدودة وبطيئة وغير حاسمة.
واستنادا إلى تصريح نائب وزير الخارجية الروسي ريابكوف، فقد (استنفد زخم جهود حفظ السلام في أوكرانيا) للقاء بوتين وترامب في ألاسكا، وهي المحاولة الأخيرة من جانب موسكو لوقف انجراف ترامب نحو نهج بايدن، أي نحو تصعيد الحرب وتوفير أسلحة متزايدة القوة لأوكرانيا. ورغم أن تصريح ريابكوف قد تم تعديله لاحقا، إلا أن ذلك لا يغير من سبب ظهوره: توصلت موسكو إلى فهم محدد للوضع واتخذت القرارات الملائمة بشأن التدابير والإجراءات اللاحقة.
لقد فشلت محاولة ترامب، فلم يتمكن من فرض سياساته على أوروبا أو حتى فريقه، كما لم يتمكن من إجبار بوتين على تقديم تنازلات على نطاق مقبول للولايات المتحدة، وهو ما يضطر الرئيس الأمريكي إلى اتخاذ الخطوة التالية على سلم التصعيد، الأمر الذي لا مفر منه.
لقد استنفدت واشنطن بالفعل قائمة الخطوات الآمنة نسبيا في هذا المجال، ووصلت الآن إلى النقطة التي كانت، وفقا للتصريحات الروسية الرسمية، هي السبب الرئيسي للحرب: التهديد بضربات صاروخية (ربما تحمل رؤوسا نووية) ضد الأراضي الروسية من الأراضي الأوكرانية.
وبرغم كل ضبط النفس الذي يتحلى به بوتين، فإن انطلاق عشرات وربما مئات الصواريخ المجنحة الأمريكية نحو المدن الروسية، سيضطر موسكو إلى الاختيار بين العواقب العسكرية والداخلية الوخيمة، وبين توجيه ضربات انتقامية ضد الغرب، ما من شأنه أن يتصاعد على الأرجح إلى صراع نووي.
ومن غير المرجح أن يسبب إطلاق بعض صواريخ “توماهوك” ضررا يذكر، وسيتم اعتراض معظم هذه الصواريخ. إلا أنه بعد ذلك، سيجبر منطق التصعيد المستمر الغرب على التفكير في إطلاق مكثف لهذه الصواريخ، وهو ما يقع مباشرة وبشكل تام ضمن نطاق العقيدة النووية الروسية. وعند هذه النقطة، ستضطر موسكو إلى اتخاذ القرار الصعب، أو التخلي عن عقيدتها النووية، وهو ما سيسرع وتيرة التصعيد من جانب الغرب.
على هذا النحو، وصل الغرب إلى المحطة الأخيرة في استنفاد صبر بوتين الاستراتيجي. وأصبح خيار بوتين محدودا بين التصعيد النووي الحتمي بعد فترة قصيرة، إذا لم يرد على توريد صواريخ “توماهوك” إلى كييف، أو احتمال التصعيد حال الرد. وفي هذه الحالة، فإن التدمير السريع لأوكرانيا، برغم كل التكاليف الإنسانية، ليس معقولا فحسب، بل إنه على الأرجح السبيل الوحيد لتجنب التصعيد النووي بين روسيا والغرب. أو بالأحرى، ليس تجنب هذا التصعيد، بل محاولة تجنبه، حيث أن انتصار روسيا في أوكرانيا نتيجة غير مقبولة للغرب. والمواجهة المباشرة مع الغرب تظل مرجحة بشدة ولكن ليست حتمية بنسبة 100%.
أعتقد، أو على الأقل آمل، أن يكون بوتين قد اتخذ قراره بأن أوكرانيا، أو بالأحرى نظام زيلينسكي لا ينبغي أن ينجو من هذا الشتاء.
أوروبا ليست مستعدة بعد لحرب مباشرة مع روسيا، هي بحاجة لبضع سنوات أخرى لإعادة تنظيم جيوشها وتكثيف إنتاج الأسلحة. وإذا انتهت الحرب في أوكرانيا قبل ذلك، فسيكون استئنافها أصعب، وهي فرصتنا لتجنب الحرب النووية، على الأقل بين روسيا وحلف “الناتو”.




