شؤون دولية

“هلال فاغنر”… أسباب التمدد الروسي في أفريقيا.

تراقب أوروبا بقلق كبير التمدد الروسي في أفريقيا، تلك القارة التي تشهد خلال الفترة الأخيرة تحولات سياسية عميقة، من ذلك توتر علاقات فرنسا مع بعض الأنظمة الأفريقية على غرار دولتي مالي وأفريقيا الوسطى، علاوة على تنامي غضب الشعوب من المستعمر القديم.

واليوم باتت أفريقيا ساحة صراع بين القوى العظمى التي تبحث عن امتدادات جيو استراتيجية واقتصادية في القارة السمراء، بينما ينحسر النفوذ الأوروبي والفرنسي تحديداً في هذه المنطقة، فما أسباب التمدد الروسي في أفريقيا؟ وما الذي يغري في القارة الأفريقية حتى تتصارع القوى العظمى على ضمان موطئ قدم فيها؟

تاريخياً تعتبر فرنسا (المستعمر السابق لعدد من دول القارة)، أفريقيا امتداداً حيوياً لمصالحها الاستراتيجية، لذلك تتمسك بوجودها في المنطقة، لمواجهة روسيا والصين والولايات المتحدة والهند.

في المقابل، تقدم روسيا مساعدات عسكرية تشمل عتاداً وعناصر أمنية ميدانية تابعة لمجموعة “فاغنر” لدول أفريقية عدة تعاني تنامي المجموعات المسلحة، كما تسعى إلى ضمان شراكة اقتصادية قوية من خلال صفقات بيع الحبوب وتعزيز التعاون في مجال الطاقة.

وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا وأفريقيا 18 مليار دولار عام 2022، كما تم خلال هذه السنة تصدير 10 ملايين طن من الحبوب الروسية إلى الدول الأفريقية.

حرب باردة جديدة

 الأكاديمي المتخصص في العلاقات الدولية بالجامعة التونسية، منتصر الشريف، قال في حديث لـ”اندبندنت عربية”، إن “حرباً باردة جديدة” تدور رحاها بين روسيا والغرب ومن بين ساحاتها أفريقيا، إذ تدرك موسكو أن الغرب يعمل على محاصرتها، لذلك تبحث عن تحالفات جديدة مع عدد من دول القارة السمراء، وغيرها على غرار مجموعة “بريكس”، وأيضاً من خلال الشركات الأمنية التي تمكنها من تنفيذ مهام عسكرية خارج الحدود الروسية، ولا يمكن أن يقوم بها الجيش النظامي، ومن دون أن تسأل عنها.

وأشار إلى مصطلح “هلال فاغنر” الذي “يمتد من سوريا إلى شرق ليبيا، فالنيجر، ثم السودان، وعديد المناطق الأخرى، من أجل امتداد روسي في تلك المناطق وافتكاكها من الأوروبيين وبخاصة من فرنسا في إطار التوازنات العالمية الجديدة”.

لماذا أفريقيا؟

تسيل أفريقيا لعاب العالم، على رغم ما تعانيه من فقر، فالنيجر التي شهدت أخيراً انقلاباً عسكرياً أطاح حكم محمد بازوم، تعتبر من أفقر دول العالم، إلا أنها تملك ثروات طبيعية مهمة، حيث يمد يورانيوم النيجر فرنسا بـ35 في المئة من حاجاتها من الطاقة النووية.

وعلى خلاف فرنسا تفاخر روسيا بأنها لا تملك ماضياً استعمارياً في أفريقيا، وهي نقطة جاذبة لشعوب القارة الباحثة عن حليف جديد، قد تجني منه بعض المكاسب، عكس ما عاشته من استنزاف فرنسي لثرواتها الطبيعية، لذلك رفع العلم الروسي في واغادوغو في “بوركينافاسو” من قبل الغاضبين من الحكومة والداعمين للجيش في انقلابه، كما رفرف مجدداً في النيجر من قبل المرحبين بانقلاب الجيش على الرئيس بازوم.

روسيا تستثمر أيضاً تموقعها في العالم كعضو دائم في مجلس الأمن، مما يعطيها قدرة أكبر على النفوذ في القارة السمراء، من خلال استخدامها حق النقض “الفيتو” ضد أي قرار يدين أي دولة أفريقية، بخاصة منها التي تعاني عقوبات غربية، على غرار إريتريا والسودان، أو تلك الدول الباحثة عن الخلاص من الإرث الفرنسي، على غرار مالي وبوركينافاسو وغينيا والكونغو.

وبينما تشترط الولايات المتحدة مساعدتها العسكرية والاقتصادية إلى الدول الأفريقية بمدى احترام هذه الأخيرة لحقوق الإنسان والمعايير الديمقراطية، لا تفرض روسيا والصين تلك الشروط، وهو ما سيسمح بنفوذ قوي لموسكو وبكين في القارة السمراء على حساب الأوروبي والأميركي.

تضاعف الصادرات النفطية

في مؤشر إلى احتداد الصراع على القارة السمراء اتهمت الخارجية الروسية أوروبا بمحاولة إفشال القمة الروسية الأفريقية الأخيرة، في سانت بطرسبورغ، من خلال محاولة ثني عدد من قادة الدول الأفريقية عن حضورها.

وقمة هذه السنة في نسختها الثانية حضرها 27 قائداً أفريقياً، وصرح خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن أفريقيا ستتحول إلى مركز قوة، وأن موسكو وقعت اتفاقيات أمنية وعسكرية مع أكثر من 40 دولة أفريقية من أصل 52، حيث يمثل تصدير الأسلحة إلى القارة 40 في المئة من الصادرات الروسية.

وأمام إغلاق السوق الأوروبية لبيع منتجات الطاقة الروسية تبحث موسكو عن سوق جديدة في أفريقيا، فتضاعفت صادراتها النفطية إلى القارة السمراء 14 مرة منذ بداية الحرب الروسية – الأوكرانية.

وتنوي روسيا تعويض الحبوب الأوكرانية التي كانت تصدر إلى أفريقيا، من خلال تصدير ما بين 25 و50 ألف طن مجاناً إلى ست دول أفريقية، وهي بوركينا فاسو وزيمبابوي ومالي والصومال وجمهورية أفريقيا الوسطى وإريتريا.

مسؤولية تاريخية

في المقابل تخسر فرنسا عديد المواقع في أفريقيا، بفعل التمدد الروسي وتنامي رفض الشعوب الأفريقية الوجود الفرنسي في دولهم، التي تعاني عدم استقرار سياسي وتزايد خطر الحركات الانفصالية المسلحة، بينما تقدم شركة “فاغنر” الأمنية الروسية نفسها كحليف في مكافحة الإرهاب في عدد من الدول الأفريقية.

وقد أسهمت “فاغنر” في التقليص من نفوذ المجموعات المسلحة في أفريقيا الوسطى، مما سيشجع دولاً أفريقية أخرى على تعزيز علاقاتها مع هذه المجموعة الأمنية لتستعيض بها عن عناصر الجيش النظامي الفرنسي.

ويرى المراقبون أن فرنسا تتحمل مسؤولية خسارة أفريقيا بسبب استنزافها القدرات والثروات الطبيعية الأفريقية. وفي مقابل تعزيز التعاون العسكري والأمني بين روسيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، سحبت فرنسا جنودها من هذا البلد وجمدت المساعدات التي كانت تقدمها إليه، وعبرت عن قلقها إزاء هيمنة الشركات الروسية على مناجم الذهب والألماس.

يذكر أن أفريقيا لا تواجه تمدداً روسياً فحسب، بل تتصارع فيها كل من الهند والصين وأوروبا والولايات المتحدة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى